No Script

مشاهدات

القربى مودة

تصغير
تكبير

وأنت تتحدّث عن قضية الحسين،عليه السلام، وتاريخ وفلسفة هذه القضية وامتدادها بين الماضي والحاضر يطرح كثيرٌ من الناس هذا السؤال:

لماذا اختص الإمام الحسين وأهل بيته بهذه الخصوصية التي وقعت في كربلاء دون سواه من الكثيرين من الثوار الذين اضطهدوا وقتلوا وذبحوا؟ ألم يحدثنا التاريخ عن ثوار آخرين كغاندي مثلا؟ أو ليس هناك شعوب أبيدت بشكل كامل ظلماً؟ ما هو السر إذاً؟ لماذا الحسين؟ لو تأملنا هذا النوع من الأسئلة لوجدناها أسئلة منطقية بحد ذاتها.

لكن الحقيقة أكبر من ذلك بكثير، نعم إنه الحسين دون سواه، لأنه الحسين ابن فاطمة بنت محمد، صلوات الله عليه. الذي يكمن سره في قرابته من رسول الله هي ميزة مكتسبة من الله عز وجل الذي عظّم هذه الشخصية وأكرمها وحباها، ففرض علينا المودة لها والتي هي نتيجة حتمية لهذه القربى أولاً، وثانياً: لما تمتع به الحسين عليه السلام من الإيمان والتقى والإخلاص لله والتفاني في سبيله.

وسنحاول في هذا الموضوع الإضاءة بشكل مباشر على لزوم المودة في القربى لأهل البيت وقد نوفق أن نجيب عن سؤال البعض... لماذا الحسين؟

ففي حياة النبي - صلَّى الله عليه وآله - والرسالة الإسلامية التي أتى بها من قِبَلِ الله مساحة واسعة لبيت عليّ وفاطمة وأبنائهما - عليهم السلام- ومعانٍ ودلالات عميقة حيث إنّه البيت الذي سيحتضن الرسالة ويتحمّل عبء المسؤولية وصيانة الدين والأمة.

وكان لا بدّ لهذا البيت أن ينال القسط الأوفى والحظّ الأوفر من فيض حبّ النبي، وحين أشرقت الدنيا بولادة الحسين -عليه السلام- أخذ مكانته السامية في قلب النبي الأعظم، وكان للحسين موقع رساليّ تَميّز به عن سائر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وجعلَ منه رمزاً خالداً لكل مظلوم.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: ( حُسَيْنٌ مِنّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ)، توضح هذه الكلمات المروية عن رسول الله (ص)، كيف كان ينظر رسول الله (ص) إلى الحسين (ع) من حيث الملكات الروحانية التي توافرت فيه... فلقد عاش الحسين طفولته مع جده رسول الله (ص)، حيث كان يلتقط كلمات جده (ص) لتذوب في كيانه، وتربّى وترعرع في أحضانه فتطبع بطباعه فكانت هذه الفترة القصيرة التي عاشها الحسين (عليه السلام) مع جدّه (ص) من أهمّ الفترات وأروعها في تأريخ الإسلام، فنهج نهج جده الرسول (ص).

وحين قَدِم وفد نصارى نجران يحاجج النبي (صلَّى الله عليه وآله) في دعوته إلى الإسلام وعقيدة التوحيد نزلت آية المباهلة...

﴿ فَمَنْ حَاجَّك فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبينَ﴾.

المباهلة تعني الملاعنة، والقصة هنا بين النبي الأكرم وهؤلاء وجرى بينهم نقاش وحوار طويل لم يؤد إلى نتيجة، حيث جادلوه وكذّبوه وأصرّوا على بغيهم، فأمر الله الرسول بالمباهلة معهم فقبلوا ذلك، وحددوا لذلك يوماً معلوماً.

وفي اليوم المعلوم خرج القوم فرأوا وجوهاً مشرقة وطافحة بنور التوحيد والعصمة، إنه النبي (صلَّى الله عليه وآله) قد اصطحب أعز الخلق إليه وهم علي بن أبي طالب وابنته فاطمة والحسن والحسين ليباهل بهم من كذبوه ورفضوا نبوته، وقد جثا الرسول (صلَّى الله عليه وآله) على ركبتيه استعداداً للمباهلة، انبهر القوم بثقة الرسول بنفسه وأهل بيته وبما حباهم الله تعالى من جلاله وعظمته، وهنا ارتعد كبيرهم وقال والله ان باهلتموهم فإنكم هالكون فخافوا وانسحبوا وتراجعوا عن المباهلة.

وفي أواخر حياة النبي محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، كان يوصي بأهل بيته خيراً فنزلت الآية:

«قُل لا أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ»

إن حفيد النبي محمد (ص) من ابنته فاطمة وتصديه للظلم والانحراف عن منهج الإسلام الحق هي قصة فاجعة، ثم مقتل حفيد الرسول وأهل بيته في يوم عاشوراء هي حقيقة مؤلمة، فقد شهد يوم العاشر من محرم فاجعة كبيرة دارت رحاها على ارض كربلاء سقط فيها الحسين بن على شهيداً مع أبنائه ومن ضمنهم طفله الرضيع وكذلك إخوته وعصبة من أصحابه الذين أصرّوا على البقاء معه لنصرته، انتهت هذه المعركة المأسوية أو المذبحة الكبرى والتي لا تزال تنهمر الدموع حزناً عليهم.

بدأت المعركة بالحصار ومنع الماء وانتهت بالذبح العظيم فقُتِلَ الرضيع والأطفال والشباب والشيوخ ومُثّلوا بالجثث ورضت الأجساد بحوافر الخيل وقطعت الرؤوس وسبيت النساء والاطفال، وسير بهم من كربلاء إلى الشام.

سيق ركب النساء واليتامى أسارى ورأس حفيد الرسول مرفوع على رمح!

وكاد أن ينقطع نسل الرسول إلا أن الله عز وجل كتب النجاة لعلي بن الحسين ليستمر نسلُ النبوة إلى يوم يبعثون.

ها نحن أمام ذكرى تاريخية نتعلم منها كيف نعالج محننا ونوحد صفوفنا، ونرسم خططاً لحياتنا ترتكز على التضحية في سبيل الحق والتمسك بالمبادئ والسير في الدرب المستقيم.

ذكرى سجلت ورسخت في ذاكرة التاريخ معاني كثيرة، معاني الوفاء وتحمل البلاء والصبر على الظلم، تأتي ذكرى عاشوراء لتضع صورة للإنسان الذي أراده الله ان يكون كما شاء، فهي ليست ذكرى فحسب وليست معركة تاريخية كبقية المعارك التي كُتِبت في الكتب والسير ليقرأها الناس ويمروا عليها مرور الكرام، بل هي معركة كانت كشعلة متقدة تنير الدروب للإنسانية، والساحة التي جرت فيها المعركة هي ساحة القيم الإنسانية.

حادثة كربلاء في أبعادها تتجاوز محنة عاطفية أو مأساة بشرية، بل إنها نموذج بتفاصيلها ونتائجها تعلم كل الأجيال واقعة كتبها الله على الحسين عندما قال: شاء الله أن يراني قتيلا وأن يراهنّ سبايا، فامتثل الحسين عليه السلام لأمر ربه فذهب لمواجهة الباطل بعزمه وثار بوجه النفاق والظلم من أجل إحياء السلام والوفاء.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الأرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ اللهِ أبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ، السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى أوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى أصْحابِ الْحُسَيْنِ.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي