غزو، «يعني غدر، زحف، واقع»... سمها ما شئت فقد تعددت الأسماء والفعلُ واحدٌ.
غزو، كلمة من ثلاثة أحرف ولكنها كرصاصات غُرست في قلب جميع أبناء الشعب الكويتي، الغين غدر، الزين زحف والواو واقع.
غدر، نخطو نحوه بخطوات ثقيلة ونحو أعتاب ذكرى أليمة، ذكرى وددنا لو انها ما وجدت ولا كانت، ولكنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الكويت، وباتت تطرق أبواب المجتمع الكويتي في كل عام، هي ذكرى لقصة حزينة حملت بين دفتيها مأساة موجعة وأليمة، سُطرت بحروف خُطت بدم الشهداء واستلهمت معانيها من تضحيات الأسرى، وكُتبت على صفحات تاريخ الكويت لتبقى ذكرى راسخة على مر السنين وهي الذكرى الثانية والثلاثون للغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت.
هو زحف حاقد مرير وسواء شئنا أم أبينا سنستذكره رغماً عنا، ورغم ما تحمله للعديد من الكويتيين من أحزان ظاهرها آهات ودموع، وباطنها بطشٌ وتعذيب للشعب الكويتي، ففي كل بيتٍ ستجد رواية حزينة ومأساة يشيب لها شعر الوليد، فما فعله طاغية العراق وجنوده من أفعال شنيعة لا توصف ولا تخطر على عقل بشر، فقد تفننوا بتعذيب من يقع تحت أيديهم، عذاب وويل وفتك لا يستوعبه العقل البشري نهائياً، فذاك من قطعت أوصاله ارباً اربا، وتلك من جُردت من سترها كي يُنتزع منها معلومات عن خلايا المقاومة، وذلك كهل كبير نُكّل به من باب التسلية والاستهزاء، ناهيك عن رُضع لا حول لهم ولا قوة تم رميهم في الطرقات ليواجهوا مصيرهم المحتوم، لقد ابتكر العدو العراقي طرقاً للتعذيب لم نسمع بها أو نرها من قبل وكل ذلك من أجل أطماع وحقد دفين على مر السنين، والغريب في الأمر أن دولة الكويت كانت اليد الحانية على العراق، كانت بمثابة الدواء لجراحه، كانت السند له وقت المحن، كنا أشقاء ونسباً وكنا الداعمين له دوماً، لم نبخل عليه لا بمال ولا بمشورة فما كان جزاء الإحسان إلا الغدر والنذالة.
واقعة الخميس الأسود 2 / 8 / 1990، واقعة مليئة بالعبر والدروس يجب أن نقف عندها ونسلط الضوء عليها إن كنا نريد أن نستوعب الدرس جيداً، فأولاً قاعدة حب الوطن، فيجب أن يكون حب الوطن مغروساً بداخلنا كي نضمن وجودنا وبقاءنا، فمن لا يحب وطنه لن يقف بجانبه في الأزمات ويدافع عنه في أحلك الظروف، والقاعدة الثانية هي التكاتف والتحالف لأطياف الشعب كافة للوقوف بوجه العدوان، متناسين الفكر القبلي والمذهبي ومتذكرين هويتنا الرئيسية وانتماءنا لوطننا الكويت، أي أننا جميعاً كويتيون... كويتيون فقط، فبالوحدة تقر أعين الوطن ويقوى ويستمر العطاء، أما القاعدة الثالثة فهي أنه لا أمر يدوم للأبد، فمثلما كانت هناك بداية حتماً ستأتي النهاية، فطاغية العراق بدأها بأكاذيب واعتقد بأنه سيد الموقف وغرته عظمة جيشه ونصرة أعوانه المتخاذلين، متناسياً قدرة الله عز وجل إن أراد أمراً أن يقول له كن فيكون، فسبحان من أمره بين الكاف والنون أعاد الحق لأصحابه، وعادت الكويت حرة أبية تحت مظلة حكام الكويت آل الصباح الكرام، وشعبها الذي حمل راية الحق وجاهد بمعية دول التحالف إلى أن وصل لشاطئ التحرير والنصر، فهنيئاً للكويت بأبنائها البررة الأوفياء.
وقبل الختام أصدح بصوت عالٍ يملؤه الخوف على مستقبل بلدنا الحبيب الكويت، لأقول لقد واجهنا عدواً صنديداً قد خافت من مواجهته بلدان لا يستهان بها وخضعت له راغمة، كان الدافع آنذاك وراء هذه المواجهة هو حب الوطن والخوف عليه من تصاريف الزمان، ضربنا وقتها أروع الأمثال في البسالة والتضحية من أجل بقاء الكويت والمحافظة عليها من براثن العدو، لم نخش حينها لائمة لائم ولم تهزنا أعدادهم وكثرة عتادهم، تسلحنا بالإيمان بالله وحب الوطن، واستمددنا قوتنا من تلاحمنا وتكاتف وحدتنا ووصلنا للهدف المنشود بمساعدة الأصدقاء والمحبين، فهل من الصعب عودة تلك الروح الكويتية الأصيلة لسابق عهدها.
وختاماً، أود أن أقدم نصيحة لنفسي أولاً، ثم لأبناء الكويت المخلصين مختصراً إياها بكلمتين (الكويت أمانة) فهل صنا الأمانة؟... دام الوطن ودمتم سالمين.
الأسير المحرر
العقيد الركن المتقاعد ناصر سلطان سالمين
Prisonerkwt1990