هل وقع قادة «القارة العجوز» في «الفخ» الأميركي؟

تداعياتٌ متدحْرجة للحرب في أوكرانيا... مستقبلٌ مُشْرِقٌ للصين وقاتِمٌ لأوروبا

نقاشات بين الأوروبيين حول أزمة الطاقة في بروكسل (شينخوا)
نقاشات بين الأوروبيين حول أزمة الطاقة في بروكسل (شينخوا)
تصغير
تكبير

اشتدتْ حِدّةُ المعركة بين روسيا والغرب في القارة الأوروبية مع استمرار القتال على الأراضي الأوكرانية، بينما تُقَلِّصُ موسكو تَدَفُّق الغاز إلى ألمانيا حيث يقتصر الأمر على تسليمها 20 في المئة فقط، أي 33 مليون متر مكعب من أصل 65 مليوناً كانت روسيا سمحت بها بعد إجراء التصليحات الأولى على التوربينات.

إلا أن المتاعب الأوروبية تستمر، وليس أدلّ على ذلك من بروز هنغاريا في أوروبا الوسطى جراء موقفها المُعارِض للعقوبات على روسيا وهي التي تقول إن عالماً متعدد الأقطاب قد وُلد، وإن أوكرانيا تخسر الحرب وأميركا أخطأت الحساب في ما يتعلق بالخسائر التي تصيب الغرب بالدرجة الأولى.

وقال رئيس الوزراء الهنغاري (وهي دولة عضو في حلف الناتو والمجموعة الأوروبية) فيكتور أوربان «إننا كمجموعة أوروبية، قيل لنا (من قبل أميركا) إن أوكرانيا ستنتصر في الحرب إذا أُرسلت إليها الأسلحة من دول الناتو. وقيل لنا إن العقوبات على روسيا ستُضْعِفُها وستهتز القيادة معها وإن أوروبا والغرب سيتخطون العقوبات الاقتصادية التي ستؤلمهم (الروس) أكثر مما ستؤلمنا وان العالم سيقف معنا لأننا على حق.

فماذا حصل؟ الناتو يشارك في الحرب بقوات خاصة ويرسل الأسلحة. والأوكرانيون يخسرون الحرب ضد روسيا، والعقوبات لم تُغَيِّر شيئاً في روسيا، وأوروبا في أزمةٍ حادة اقتصادية وسياسية، وهناك حكومات بدأت تسقط (إيطاليا وبريطانيا) ولم يأت الخريف بعد (نقص حاد في الغاز وتَوَقُّع اضطرابات داخلية في جميع أنحاء أوروبا بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وغلاء الأسعار).

وأخيراً فإن العالم ليس معنا. لقد فقدت أميركا القدرةَ على اصطفاف الدول خلفها، والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا والدول العربية وأكثر دول أفريقيا لا يريدون المشاركة في هذه الحرب. لقد وُلد نظام متعدد الأقطاب وهناك ضرورة لإستراتيجية جديدة. يجب عدم التركيز على ربح الحرب بل أن نقدّم عرضاً لسلام جيد».

وأضاف «ان على الغرب ألّا يقف مع أوكرانيا ولكن أن يقف بين روسيا وأوكرانيا، لأن الحرب لن تتوقف من دون أن تحصل روسيا على ضمانات. بعد الحرب العالمية الثانية، تجد أوروبا نفسها مرة أخرى في موقف لا تملك فيه الكلمة الأخيرة حول أهمّ القضايا الأمنية بل يملكها الأميركيون والروس».

وتابع أوربان: «إذاً، إلى أين وصلت الأوضاع اليوم؟ روسيا تبيع أقل كمية من الغاز والنفط ولكن إيراداتها ازدادت. وتحوّل روسيا إنتاجها ومبيعها للطاقة إلى الصين بأسعار منخفضة عن أسعار الأسواق العالمية، كما ازدادت إيرادات الشركات النفطية الأميركية مثل EXXON MOBIL ضعفين وCHEVRON أربعة أضعاف، بينما تضاعفت خسارة أوروبا ثلاثة أضعاف وتواجه شبح الركود. نعتقد أن مشكلة جميع دول الغرب ستتضاعف بحلول 2030».

كلمات من مسؤول كبير في أوروبا الغربية يصف حقيقة الوضع في القارة العجوز وكيف وقعت في «الفخ» الأميركي الذي فَرَشَ لقادتها الانتصارات فقط لأن واشنطن تريد كسر روسيا واقتصادها ودفْن طموحاتها إلى غير رجعة.

ومن شأن تبعات الحرب الأوكرانية تشتيت وحدة وتضامن أوروبا التي لن تستطيع تَحَمُّل نتائج قراراتها التي تنبع من دعمها المطلق (وغير المتوقِّع للنتائج السلبية) للسياسة الأميركية، كما يؤكد رئيس الوزراء الهنغاري أن «المجموعة الأوروبية تطلب من جميع الدول وسكانها خفض استخدام الغاز بنسبة 15 في المئة. فأوروبا تملك القوة العسكرية والرأسمال ولكن لا تملك الطاقة. فماذا تستطيع أن تفعل دون طاقة؟ ينهار الاقتصاد والصناعة».

وهذه هي الحقيقة التي تستفيق عليها القارة الأوروبية بعد أربعة أشهر من العقوبات على روسيا والحرب الأوكرانية. فبمجرّد تحويل مصادر الطاقة الروسية من أوروبا إلى الصين، التي تتسلم أيضاً النفط من إيران وبأسعار منخفضة، تصبح الصين من أقوى الدول الصناعية في العالم.

فلدى بكين القدرة العسكرية النووية والكلاسيكية وتملك أفضل الصناعة في العالم وتصبّ فيها قدرات الطاقة من أكبر الدول المُنْتِجة، فلماذا سيلجأ العالم إلى أوروبا المتدهورة إذا أصبحت الصين تملك البديل بأسعار مخفضة وجودة عالية وتقبل التبادل التجاري بعملة الدولة المحلية؟

من الواضح أن أوروبا كانت تعتمد على تمنياتها والتقديرات الأميركية التي أثبتت خطأها، ولم تتعامل مع الواقع. ولم تقدّر قوة أميركا رد فعل روسيا واستعدادها لرد الصاع صاعين وحجم الأضرار التي ستصيب شركاتها في أوروبا.

إلا أن ما قاله رئيس الوزراء الهنغاري يمثل حقيقة الوضع المتردي في أوروبا التي فقدت قدرتها على القرار بسيرها خلف قرار أميركا بمواجهة روسيا بدل التفاوض معها، وإعطائها الضمانات اللازمة لمنع الحرب أو وقفها، كما نصح هنري كيسنجر في بداية الأزمة.

سهّلت أميركا المهمة على روسيا التي كانت في جميع سياستها تصّر على الاحتفاظ بعلاقة قريبة مع واشنطن منذ عودتها إلى الساحة الدولية من البوابة السورية عام 2015.

إلا أن رفض أميركا الاستجابة إلى طلب التطمينات الروسية في شأن عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو أيقظ الدب الروسي على حقيقة مقاربة الغرب (وبالتحديد أميركا) الذي لا يود الصداقة أو التعاون بل السيطرة المطلقة وإزاحة الرئيس فلاديمير بوتين عن السلطة بعد اركاع روسيا واخضاعها وتدمير اقتصادها.

لقد انعدمت الثقة بين روسيا والغرب، ولهذا انخفض تدفُّق الغاز وتدفقت الأسلحة الغربية لقتل الجنود الروس في أوكرانيا بدل البحث عن السلام وحلول ديبلوماسية تُرْضي الأطراف جميعها. وهذا يؤكد عمق الهوة التي اتسعت بين روسيا والغرب لسنوات طويلة مقبلة لا تتغير إلا بإزاحة رأس الهرم الأميركي واستبداله برئيس آخَر يمدّ يد الصداقة إلى موسكو من جديد.

إلا أن الجروح العميقة لن تلتئم بسرعة، ومن الواضح أن السنوات المقبلة ستكون قاسية جداً على القارة الأوروبية التي من المتوقّع أن تتدحرج رؤوس قادة آخرين فيها قبل نهاية السنة الحالية وأن يسود القارة الغنية ركود لم تعهده من قبل.

وهذه القراءة ليست غريبة على دول عدة، أهمها بلدان الشرق الأوسط التي لم تعد تلتزم بما تطلبه أميركا، التي مازالت تملك قوة عسكرية هائلة، ولكنها دخلت حلبة الصراع الدولي وخسرت أحاديتها إلى غير رجعة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي