No Script

المضادات الحيوية فشلت في علاجه

«العاثيات» أنقذت حياة أميركي كادت البكتيريا «تلتهمه» حياً

 توم باترسون وزوجته ستيفاني ستراثدي يحملان صورتي الداء والدواء
توم باترسون وزوجته ستيفاني ستراثدي يحملان صورتي الداء والدواء
تصغير
تكبير

- «العاثيات» فيروسات صنعتها الطبيعة لتلتهم البكتيريا
- تكثر في مياه الصرف الصحي والمستنقعات والبرك وقيعان القوارب

وجدت عالمة الأوبئة المعدية في أميركا ستيفاني ستراثدي، في «العاثيات» علاجاً لإنقاذ حياة زوجها الذي تعرّض لعدوى مميتة من بكتيريا خارقة مقاومة لجميع المضادات الحيوية، موجودة في رمال الشرق الأوسط.

العالمة الأميركية، وبعد مرور أشهر من التقلبات، أخبرها الأطباء أن زوجها، توم باترسون، كان جسمه مليئاً بالبكتيريا التي تعرض لها خلال عام 2015، خلال رحلة بحرية في مصر بمناسبة عيد الشكر على نهر النيل، لدرجة لا تسمح له بالعيش، واضطرت لإجراء محادثة لا يرغب أحد بإجرائها مع أحبائه قط، وفقاً لما ذكرته أمام الحضور خلال حدث «Life Itself» الصحي الذي يُقدّم بالشراكة مع «CNN».

وسألت ستراثدي زوجها: «عزيزي، وقتنا ينفد. أريد معرفة إذا كنت ترغب بالعيش. لا أعرف حتى إذا كان بإمكانك سماعي، ولكن إن كنت تسمعني، وترغب بالعيش، اضغط على يدي أرجوك».

وضغط زوجها على يدها بقوة، وأسعد ذلك ستراثدي، التي سرعان ما قالت لنفسها: «ما الذي سأفعله الآن»؟

وما أنجزته ستراثدي بعد ذلك يُعتبر معجزة، إذ وجدت علاجاً غامضاً قدّم بصيصاً من الأمل، قوامه محاربة الجراثيم الخارقة بالعاثيات، وهي فيروسات صنعتها الطبيعة لتلتهم البكتيريا.

قصة الدواء

أقنعت ستراثدي علماء العاثيات في الولايات المتحدة بالبحث عبر أكوام جزيئية من مياه الصرف الصحي والمستنقعات والبرك وقيعان القوارب، وغيرها من الأماكن الرئيسية لتكاثر البكتيريا، والفيروسات المضادة لها.

وكان هدفها العثور بسرعة على القليل من العاثيات الفريدة من نوعها القادرة على محاربة سلالة معينة من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، التي تأكل زوجها حياً.

وأثناء البحث عبر الإنترنت، عثرت ستراثدي على دراسة أجراها باحث في تبليسي بجورجيا حول استخدام العاثيات لعلاج البكتيريا المقاومة للأدوية.

واكتشفت من خلال مكالمة هاتفية أن العلاج بالعاثيات كان موجوداً في الدول السوفييتية السابقة بالفعل، ولكن الغرب تجاهله منذ فترة طويلة مصنفاً إياه بـ «العلم الهامشي».

وبدأت التواصل مع العلماء الذين عملوا مع العاثيات، ووجهت رسائل بالبريد الإلكتروني لغرباء طلباً للمساعدة.وكان ريلاند يونغ، عالم الكيمياء الحيوية في جامعة «تكساس إي أند أم»، أحد الغرباء الذين استجابوا سريعاً، هو الذي يُدير المختبر بمركز الجامعة لتكنولوجيا العاثيات، ويعمل مع العاثيات منذ قرابة 45 عاماً.

وقال يونغ: «تركنا كل شيء، ومن دون مبالغة. كان الأشخاص يعملون حرفياً على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ويفحصون 100 عينة بيئية مختلفة للعثور على القليل من العاثيات الجديدة فقط».

وبما أن العلاج بالعاثيات لم يخضع لتجارب سريرية في الولايات المتحدة، يعني ذلك أن استخدامه يتطلب عدداً كبيراً من المستندات، وهي عملية قد تستغرق الكثير من الوقت.

وبعد ذلك، كان على إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) منح موافقتها لخليط الأمل هذا غير المثبت علمياً، وكان على العلماء تنقيته كي لا يكون مميتاً. وجاء رد مركز إدارة الغذاء والدواء الأميركية: «لا مشكلة. هذا ما تحتاجه، ويمكننا ترتيب الأمر».

وكان الخليط المُنقّى من مختبر يونغ أول ما وصل إلى سان دييغو، مسقط رأس باترسون.

وبعد يومين، وصل الخليط الخاص بالبحرية، وحُقنت تلك العاثيات بمجرى دم باترسون بهدف علاج البكتيريا التي انتشرت في بقية أجزاء جسمه، وشهدت ستراثدي على حقن الأطباء في الخرّاجات المليئة بالصديد ببطن زوجها.

وقالت: «نعتقد أن توم كان أول شخص يتلقى علاجاً بالعاثيات عبر الوريد لعلاج عدوى بكتيرية خطيرة في الولايات المتحدة»، مضيفةً أنه بعد ثلاثة أيام، «رفع توم رأسه عن الوسادة بعد غيبوبة عميقة، وقبّل يد ابنته. وكان الأمر بمثابة معجزة».

وبعد ثلاثة أسابيع فقط، شهدت ستراثدي على حقن الأطباء الخليط في جسم زوجها عن طريق الوريد، وإنقاذهم لحياته.

ووصفت رحلتها هذه بالمثابرة، والحظ، كما أنها إشادة بكرم الغرباء الضخم، وقصة قد تنقذ أرواحاً لا حصر لها بسبب التهديد المتزايد الذي تشكّله الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية.

وقالت ستراثدي لجمهورها خلال حدث «Life Itself»: «تُشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050، سيموت 10 ملايين شخص سنوياً، أي شخص كل ثلاث ثوانٍ، نتيجة عدوى بكتيريا خارقة».

معجزة

استيقظ باترسون من الغيبوبة بعد تلقيه جرعة من العاثيات عبر الوريد.

واليوم، بعد مرور أكثر من 6 أعوام، يمشي باترسون المُتقاعد مسافة 3 أميال يومياً ويعتني بحديقته.

وعاد الثنائي للسفر حول العالم، لكن المرض الطويل ترك أثراً على باترسون، إذ شخّص بداء السكري، ويعتمد راهناً على الإنسولين، كما أنه يعاني من تلف بسيط في القلب، وفقدان الشعور بأسفل قدميه، وتلف في أحشائه يؤثّر على نظامه الغذائي.

ومع ذلك، أكدت ستراثدي: «لكننا لا نتذمر! كل يوم عبارة عن هدية، أليس كذلك؟».

بكتيريا الشرق الأوسط

عندما أصيب باترسون بالبكتيريا، فشلت عيادة في مصر في مساعدته ونُقِل إلى ألمانيا، حيث اكتشف الأطباء خراجاً مليئاً بالراكدة البومانية (Acinetobacter baumannii)، وهي بكتيريا ضارة مقاومة لجميع المضادات الحيوية تقريباً.

ويمكن العثور على هذه البكتيريا في رمال الشرق الأوسط.

وخلال حرب العراق، انتقلت البكتيريا عبر الرياح إلى جروح أفراد من القوات الأميركية الذين أُصيبوا بقنابل على جوانب الطرق، ما منحها لقب «بكتيريا العراق» (Iraqibacter).

واليوم، تتصدّر هذه البكتيريا قائمة منظمة الصحة العالمية كأحد مسببات الأمراض الخطيرة التي تحتاج إلى مضادات حيوية جديدة بشدة.

ومع نمو البكتيريا بداخله، نُقِل باترسون بسرعة إلى مسقط رأس الثنائي في مدينة سان دييغو الأميركية، حيث يشغل منصب أستاذ في الطب النفسي، بينما كانت ستراثدي عميدة مشاركة لعلوم الصحة العالمية في جامعة كاليفورنيا بسان دييغو.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي