«نبع الوفا الصافي» رحل عن 72 عاماً بعد صراع مع المرض
«وطن النهار» فقد... سليمان الملا
- زاد اهتمامه بدراسة الموسيقى بتشجيع من الفنان يوسف البكر وتتلمذ على يد أحمد علي
- انخرط الملا في فرقة الإذاعة الموسيقية وبقي فيها ثماني سنوات
- عرفه الجمهور كمطرب من خلال أغنيتي «يا نبع الوفا الصافي» و«وين أرضك وين سماك»
- «وطن النهار» أهم الأغاني التي لحّنها الملا التي صدرت فور تحرير الكويت
... وأسدل الليل ستائره على «وطن النهار» ليعزف لحن الوداع الحزين، على صانع الألحان الأصيلة و«نبع الوفا الصافي»!
رحل الملحن والمطرب القدير سليمان الملا، اليوم، عن 72 عاماً، بعد انتكاسة مفاجئة سببها التهاب في الرئة، أُدخل على إثرها العناية المركزة في مستشفى جابر، تاركاً إرثاً موسيقياً كبيراً، ليس في الكويت وحسب، وإنما على المستويين الخليجي والعربي أيضاً. ويوارى جثمانه الثرى صباح الغد في مقبرة الصليبيخات.
ونعى عدد من المطربين والملحنين رفيق دربهم، مستذكرين مآثره، وأهم المحطات التي جمعتهم به، وقد «كشفوا سر الهوى» لـ «الراي»، والحب الكبير الذي يختلج صدورهم لهذا الفنان والإنسان.
عبدالقادر: المبدعون يُخلّدهم التاريخ
لم يُخف «الصوت الجريح» الفنان عبدالكريم عبدالقادر تأثره بوفاة رفيق دربه الملا، مشيراً إلى أن بصمات «بومعاذ» كبيرة وراسخة في أرشيف الموسيقى والأغنية الكويتية، مؤكداً أن المبدعين يخلّدهم التاريخ، «فإن رحلت أجسادهم تبقى أعمالهم حاضرة لا تموت».
ولفت «بوخالد» إلى أنه في كل أغنية تغنى بها من ألحان الملا، كانت تحمل قصة ومعنى، وموقفاً بعينه، مُستذكراً سنوات طويلة من العمل معاً. وختم قائلاً: «رحم الله الفنان القدير سليمان الملا، وإنا لله وإنا إليه راجعون».
شعيل: فقدت رفيق مشوار فني طويل
استهل «نبض الكويت» الفنان نبيل شعيل كلامه قائلاً: «إنا لله وإنا إليه راجعون، نحن مؤمنون بقضاء الله وقدره، لكننا بشر نحزن على أحبتنا الذين يغادرون هذه الدنيا من دون أن نحظى بفرصة وداعهم، إذ لحظة سماعي خبر وفاته تأثرت كثيراً وحزنت لأنني فعلياً فقدت أخاً عزيزاً ورفيق درب ومشوار فني طويل، لم أشهد منه طوال هذه السنوات سوى دماثة الخلق والروح الجميلة والحب النقي. ذكراه العطرة ستبقى في أذهاننا، وموسيقاه التي تركها خلفه إرثاً لنا سوف تبقى خالدة نورثها للأجيال القادمة ليتعلموا من عبقريته الموسيقية».
عبدالله: «بومعاذ أخو دنيا»
عبّر «شيخ الملحنين» أنور عبدالله عن حزنه العميق، مؤكداً أن الكويت خسرت قامة فنية كبيرة، أثرت ساحات الغناء الكويتي والخليجي والعربي بالعديد من الأعمال الخالدة، حتى بلغ صداها مساحات شاسعة في عالم الأغنية الأصيلة.
وأوضح أن «بومعاذ» كان إنساناً طيباً وفناناً حساساً، «إذ ظل متواصلاً معي خلال فترة مرضي، وكان دائم السؤال عني، حتى قبل أيام قليلة من تدهور صحته ودخوله العناية المركزة في مستشفى جابر، إذ تجمعني به صداقة قديمة ومواقف طيبة كثيرة، وهو (أخو دنيا) بكل ما للكلمة من معنى».
وتضرع بالدعاء إلى الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
المسباح: خسارة للوطن العربي
قال الفنان محمد المسباح: «تشرفت بالتعاون معه من خلال أغنية وطنية واحدة، كان الراحل أخاً وأستاذاً كبيراً لنا، وله بصمته ومدرسته الخاصة بالفن الجديد والمتطور، إلى جانب أعماله الغنائية الراسخة في أذهان كل جمهور الخليج والوطن العربي، خصوصاً أغنية (وطن النهار)».
وأضاف المسباح: «فقدانه أثّر فينا كلنا باعتبار الراحل كان ذا روح مرحة وشخصية أخوية جميلة طيبة ومحبة للجميع، وقد عاصرناه بكل حب وتقدير ولمسنا فعلياً اهتمامه بالفن والساحة الغنائية. أستطيع القول إن الكويت والخليج والوطن العربي أيضاً خسرته، حيث له تعاونات مع نجوم عرب مثل الفنانة أنغام، لكن ذلك أمر الله سبحانه ونحن مؤمنون به، إلا أننا نحزن على فقدان الأحبة وهو واحد منهم، وليس بيدنا سوى الدعاء له بالرحمة والمغفرة وأن يبدله الله داراً خيراً من داره».
خضر: بداياتي كمايسترو كانت معه
رثا المايسترو الدكتور أيوب خضر، الراحل، قائلاً: «أدعو بالرحمة والمغفرة للراحل وعزائي لأفراد أسرته الكريمة ولكل منتسبي الوسط الفني العربي والخليجي، فالفقيد كان واحداً من كبار النجوم على صعيدي الغناء والتلحين وأثرى الساحة الفنية، ووجوده بيننا كان يمنحنا دعماً وحافزاً كبيراً لنا جميعاً. ولا أنسى أن بداياتي وانطلاقتي كقائد فرقة موسيقية كانت من خلال برنامج (دردشة شعبية) في العام 2013 من إعداده وتقديمه وغنائه، وفي كل حلقة كنا نستضيف ضيفاً، وبعد انقضاء البرنامج لم يكن الراحل يستغني عني في كل برامجه وإطلالاته الإعلامية. لا أستطيع القول سوى الله يرحمه، لأنني فعلياً فقدت أخاً ومعلماً وأستاذاً كبيراً، وكنت محظوظاً كوني كرمته في مهرجان الموسيقى الدولي بدورته التاسعة عشرة في العام 2016».
مصطفى أحمد: أعزي نفسي برحيله
رفيق دربه وصديقه الفنان مصطفى أحمد، عبّر عن حزنه لرحيل سليمان الملا، وقال «فقدنا أخاً وزميلاً عزيزاً أثرى الساحة الفنية بأجمل الأعمال الغنائية، ولا يسعني في هذا الموقف المحزن والأليم إلا أن أعزي نفسي وأهل الفقيد وكل أصدقائه وزملائه ومحبيه... وعسى الله يرحمه ويغفر له ويسكنه الجنة».
بدر بورسلي: رحم الله الأخ ورفيق الدرب
نعى الشاعر القدير بدر بورسلي رفيق دربه بكلمات وجيزة ولكنها معبرة للغاية، وكتب «رحم الله الأخ ورفيق الدرب سليمان الملا». وهما اللذان تجمعهما صداقة طويلة على الصعيدين الشخصي والفني، أثمرت العديد من الروائع الغنائية، عاطفياً ووطنياً، لا سيما أغنية «وطن النهار» التي صاغ كلماتها بورسلي ولحنها الملا، ليشدو بها الفنان عبدالكريم عبدالقادر.
«بومعاذ»... السيرة والمسيرة
ولد سليمان راشد محمد عبد الله الملا في العام 1949، وهو حاصل على دبلوم صناعي في الكلية الصناعية العام 1972، وفي العام ذاته عُيّن في وزارة التربية، كمهندس صوت في التلفزيون التعليمي. متزوج وله خمسة أبناء أكبرهم معاذ وأصغرهم ناصر.
عشق «بومعاذ» الفن منذ طفولته، وفي أثناء دراسته في الكلية الصناعية وفّق بين الدراسة وتلقي الأصول الفنية، وبعد التخرج زاد اهتمامه بدراسة الموسيقى، بتشجيع من الفنان يوسف البكر، وهو عازف وأحد أقاربه من ناحية والده.
ويعد الملا الوحيد من أسرته الذي سلك طريق الفن واستمرّ فيه وبلغ مرتبة متقدمة في العزف على آلتي العود والكمان إلى جانب الغناء والتلحين.
تتلمذ الراحل على يد أحمد علي، الخبير في الموسيقى والتراث الغنائي الكويتي، والذي ساهم في تطوير قدراته الفنية في العزف على آلة الكمان وكتابة النوتة الموسيقية.
وقد استفاد الملا من أسلوب أستاذه في التدريس وحرصه على أن يصل الطالب الذي يتخرج على يده إلى مرتبة متميزة.
وبلغ هذه المرحلة واستمر في العزف على الكمان عشرة أيام متصلة، فقال له أحمد علي: «الآن تستطيع أن تكون بين عازفي فرقة إذاعة الكويت وتبهرهم بعزفك». وانخرط الملا في فرقة الإذاعة الموسيقية وبقي فيها ثماني سنوات، استفاد خلالها وأضاف إلى رصيده الفني اصطلاحات موسيقية.
«كشفوا سر الهوى»
بدأ التلحين وقدم أغنيات قبل أن يجاز كملحن، أبرزها «كشفوا سر الهوى» بصوت المطرب فهد الماص في السبعينات، فنجحت وحققت لهما شعبية في دولة الكويت وفي دول مجلس التعاون الخليجي.
كذلك، غنى المطرب حمد سنان من ألحانه أغنيات من بينها: «غريبة»، «معذبتي»، «أنا لم أخونك». وغنى له عبدالمحسن المهنا «فدوة لج»، التي حققت له نجاحاً باهراً. وكذلك، غنت له المطربة رباب «يا من كنت حبي» من كلمات الشاعر القدير عبداللطيف البناي.
في العام 1985 غنى الملا على العود أغاني لحنها لكبار المطربين، بينهم عبدالكريم عبدالقادر ونبيل شعيل، وذلك خلال مقابلات وحوارات أجريت معه في الإذاعة الكويتية وفي مناسبات عدة، فلقي تشجيعاً من المستمعين ومن الفنانين الذين يتعامل معهم في مجال التلحين.
في البداية، تردد في خوض مجال الغناء لأنه مغامرة صعبة ويجب التفكير والترتيب المسبق له، لكن انضمامه كعضو فعال في جمعية الفنانين الكويتيين ساعده على لقاء مؤلفين ومطربين كان لهم الفضل في شهرته كملحن فشجعوه على الغناء. عرف الجمهور الفنان سليمان الملا كمطرب من خلال أغنيتين وطنيّتين: «يا نبع الوفا الصافي»، و«وين أرضك وين سماك» من كلمات الشاعر الغنائي ماجد سلطان.
ألبومه الأول
تضمن أول ألبوم غنائي قدمه الملا أغنيات من تلحينه، من بينها «شتبي أكثر»، من كلمات الشاعر البناي، «جان زين» تأليف الشاعر الغنائي مبارك الحديبي و«من وقت لوقت»، تأليف الشاعر الغنائي سامي العلي.
كذلك، غنى من ألحان الموسيقار غنام الديكان وكلمات الشاعر الغنائي مبارك الحديبي، ومن ألحان الفنان محمد رويشد وكلمات الشاعر الغنائي ساهر «لا تجاملني»، ومن ألحان الراحل راشد الخضر «أعز الناس».
عقبات الطريق
كانت بداية الملا كملحن في السبعينات، وتقدم أربع مرات لنيل الإجازة في التلحين، كانت الأولى العام 1973، وفي كل مرة تقف الشهادة الدراسية الموسيقية عقبة في طريقه، حتى تمت إجازته كملحن في عام 1978.
ومن الأغاني التي اشتهر بها في بداية مسيرته كملحن، «الكويت ديرتنا» بمناسبة العيد الوطني العشرين غنتها طالبات مدرسة «نصيرة بنت كعب»، ثم توالت الأعمال الغنائية التي غناها معظم المطربين والمطربات في الكويت.
في بداياته كملحن، قدم أغاني لفنانين مخضرمين وشباب، فغنى له مصطفى أحمد أغنيتين، الأولى وطنية من كلمات محمد محروس والثانية عاطفية من كلمات يوسف المنيع. وتعاون مع عباس البدري في «لا تردين» من كلمات الشاعر الشهيد فايق عبدالجليل، و«أنا ناديت» من كلمات الشاعر الغنائي بدر بورسلي.
وغنى له عادل بشير «أحلى شفايف» من كلمات الشاعر الغنائي مبارك الحديبي سُجلت في القاهرة. كذلك، غنى المطرب الراحل غريد الشاطئ من ألحان الملا أغنية «بانتظارك» من كلمات الشاعر جميل ربيع.
عندما أجيز ملحناً رسمياً، تعاون الملا مع مطربين كثر، من بينهم فيصل عبدالله في أغنية «لا تظلميني» ومبارك المعتوق في أغنية رياضية. كذلك غنى له المطربون عبد المحسن المهنا أغنية «ويلي»، مصطفى أحمد أغنية «علامك»، مبارك المعتوق أغنيتي «لا تنشدين» و«ضاع أمري».
من المطربين الشباب غنى له عبدالله بشير أغنية عاطفية من كلمات الشاعر الغنائي مبارك الحديبي. ومن نجوم الثمانينات غنى له المطرب نبيل شعيل «يبقى السماح» من كلمات البناي. كذلك، غنى له الفنان مصطفى أحمد «يا قوى صبري».
أما المطرب المخضرم غريد الشاطئ فاختار «طالعتني».
وغنى من ألحانه شعيل أيضاً «أيا سمره» عاطفية من كلمات الحديبي. كما غنى له المطرب مصطفى أحمد أغنيتين، الأولى من كلمات الشاعر بدر بورسلي، والثانية «عزمت» من كلمات الشاعر الغنائي مبارك الحديبي.
ولعلّ من أهم الأغاني التي لحنها الملا هي أغنية «وطن النهار» لعبدالكريم عبدالقادر، ومن كلمات الشاعر بدر بورسلي، والتي صدرت فور تحرير الكويت من براثن الغزو العراقي الغاشم للكويت.
الإعلام: للراحل تاريخ فني طويل... وحافل
نعت وزارة الإعلام الراحل، واصفة إياه بأحد نجوم الساحة الفنية والغنائية، حيث يعد أحد النجوم الذين قدموا إسهامات بارزة للأعمال الفنية والأغنية الكويتية والخليجية.
ونقلت المتحدث الرسمي لوزارة الإعلام أنوار مراد، تعازي ومواساة وزير الإعلام والثقافة الدكتور حمد روح الدين إلى أسرة الفقيد والأسرة الفنية، داعياً المولى أن يسكنه فسيح جناته وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
وقالت مراد إن الراحل شارك في العديد من الأعمال الفنية والغنائية، ولديه تاريخ فني طويل وحافل بالأعمال الغنائية والموسيقية المؤثرة في تاريخ الأغنية الكويتية والخليجية والعربية.
كما نعته جمعية الفنانين الكويتيين، معتبرة أنه «أثرى الساحة الفنية في الكثير من العطاء والإبداع عبر مسيرة حافلة من الأعمال الفنية على مستوى الوطن العربي».