الحمدلله الذي سهل لعباده طرق العبادة، ويسر وتابع لهم مواسم الخيرات لتزدان أوقاتهم بالطاعات وتعمر بالبركات.
لقد جاء العيد ولابد من تذكير الناس بآدابه ومناسكه وإيضاح أبعاده ومعانيه، يأتي عيد الأضحى ليرسل خيوطاً من نور الأمل يتقدم ليبارك السعي، وليزداد الأمل ويتحقق النجاح.
عيد الأضحى مناسبة تبعث في المجتمع روح الحياة وتوقظه من غفلته لتتجدد فيه معاني الشّكر لله والتقرّب منه. يأتي هذا العيد ليقول إن الذي يأخذ من دون أن يعطي هو ميت. إن فرحة العيد هي لمن تحرر من قيود أنانيته وتمكن من أن يحب، أن يعطي، أن يضحي، أن يهاجر من ذاته إلى الله عز وجل، ليخدم خلق الله، فالأضحى يرفض الاستسلام والضياع واللامسؤولية.
هذا العيد الذي أراد الله فيه للحجاج وغيرهم أن يقدموا الذبائح لإطعام الفقراء والمساكين وأن يكون محطة لتقوية عنصر التقوى في النفس بالتقرب إلى الله وبالتواصل مع أرحامه والنّاس من حوله، ليكون المجتمع مجتمعاً متراحماً متشاركاً في الهموم والآمال، مجتمع الإيمان العامر بالنّفوس والعقول، لا مجتمع الأحقاد والتّباعد.
فالعيد محطّة روحيّة وتربويّة وأخلاقيّة مهمة تعمل على جعل المجتمع كياناً وعائلة واحدة، يحارب كلّ مشاعر البغضاء والأحقاد، ويزرع مكانها مشاعر الألفة والمحبّة والعطاء.
إن المسلمين الذين يلبسون ثياب الاحرام ويفيضون من مزدلفة باتجاه المشاعر المقدسة في منى، أرادهم الله تعالى أن يكونوا على صورة واحدة، لا في الشكل فحسب وإنما في المضمون الذي تحمله هذه الصورة.
(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ )
الله عز وجل أنعم، علينا بالكثير من النعم ومنها نعمة الحج إلى البيت الحرام. يقبل الناس على البيت العتيق بمحبة وإيمان، فمنهم من يقّبله ومنهم من يعانقه ويتلمسه ومنهم من يلوذ بأركانه الأربع وبالحجر الأسود وحجر إسماعيل عليه السلام، ولكن بسبب الظروف الصحية السائدة حُرِموا من ذلك فأصبح التباعد المكاني بين الحاج والبيت الحرام واقعاً مُعَايناً يلاحظه الجميع مما ولّد حسرةً في القلوب، وقد قام القائمون على إدارة موسم الحج لهذا العام بترتيب الأمور بطريقة تضمن أداء مناسك الحج بيسر وسهولة للحجاج، وبسبب انتشار الوباء اضطرت إلى اتخاذ قرارات حازمة حمايةً لأرواح الحجاج، منها تقنين الأعداد ومنع كبار السن ووضع الحواجز حول البيت الحرام.
عيد الأضحى المبارك هو يوم التضحية والفداء من أجل المبادئ الإنسانية ومن أجل السيطرة على الأهواء والنزاعات الشيطانية ومن هوى النفس الأمارة بالسوء ويوم الإصلاح والتهذيب والعودة إلى الله سبحانه وتعالى، والتضحية من أجل المبادئ الإنسانية والعزة الثابتة التي يوجدها وينشئها هذا العيد والتي لا المال ولا الجاه ولا السلطة بإمكانها فعل ذلك.
وهنا نقف مع صورة مشرقة من صور انقياد الأنبياء لأمر الله تعالى والانصياع لحكمه من غير تردد، والانتقال إلى معنى الإسلام الإبراهيمي فنرى إبراهيم أبا الأنبياء وقائد الموحدين يحمل إيمانه بربه متوكأً على شيخوخته آخذاً بيد ابنه والذي هو قطعة من قلبه ليقدمه قرباناً لله امتثالاً لأمره الذي أمره بذلك ليبذل أعز ما يملك، وهو ابنه، لأجل الله لنيل رضاه تعالى.
كل منهم ترك أرضه وجاء ليعيش المناخ الإبراهيمي ويلتحق بموكبه، تاركاً وراءه بلاده وراحته وأهله وعاداته وأمواله.
إنها قافلة الموحدين، أولئك الذين لا يعبدون مع الله، أحدا، ولا يرتضون بالظلم والجور، تسير حاملة كل ما تملك من مال وجهد وروح، واضعة إياها في خدمة الإنسان، ترحل من أرض التفرق والخلافات، إلى سماء التضحيات، إلى الاستسلام لأمر الله، إلى خدمة الناس، رحلة دائمة مستمرة لا تنقطع حول أول بيت وضع للناس، هؤلاء هم بناة الحضارة وخدام الإنسانية وحملة العلم والرسالة، يملؤون الحياة نوراً وخيراً وسعادة.
إن العيد فرصة لتجميع أفكارنا والتأمل فيها لنسترجع التحديات التاريخية الكبرى التي قام بها أسلافنا، تلك التحديات التي ما كان لها أن تكون لولا التضحيات الجسام النابعة من همم رجال يتحدون الصعاب.
فلنستلهم في العيد تلك الهمم العالية لنداوي بها جراحاتنا ولنأخذ بأيدي أولادنا إلى الطريق الإلهي طريق الإعداد والتربية الصالحة.
وختاماً
نسأل الله تعالى في هذا العيد، أن يمن على جميع دول العالم بالخير والأمن والسلام ويحفظ الكويت وأبناءها من كل سوء، داعين المولي عز وجل أن يعم الخير والإمان والمحبة بين الجميع، ونتذكر أحباءنا وأهلنا وأصدقاءنا الذين فقدناهم وغيبهم الموت عنا فندعوا الله لهم بالرحمة والمغفرة، الله هو الذي يعطي، وهو الذي يأخذ، وهو الذي يحدد الأعمار، العمر مكتوب عند الخالق عز وجل، وما ليس أمامنا إلا أن نؤمن بهذا الأمر، ونصبر على جميع هذه الأحزان، وأن ندعو الله أن يخفف عنا، وأن يرحمنا، وأن يصبرنا، ولنا عظيم الأجر، والثواب من الخالق عز وجل إن شاء الله، يا رب صبر كل إنسان فقد عزيزاً عليه وأبدل دار المتوفين بالجنة أفضل من دار الدنيا، واجمعنا معهم يوم القيامة.
أناس رحلوا عنا ولم يبق لهم سوى الذكريات والمواقف الجميلة. نتوق إلى لقياهم ونتمنى وجودهم بيننا خصوصاً في مواسم الأعياد. أحبة تقطّعت بيننا وبينهم السّبل. رحلوا عنا ودفنوا فى مراقدهم. نذرف دموع الفراق ونشكو لهم لوعة الاشتياق، فمنهم من ينعي والده ومنهم من يتذكر والدته، وآخر ينعي ولده، ومنهم من يبكي حبيباً له قضى في لحظة.
وَمَا الْمَالُ وَالْأَهْلُونَ إلَّا وَدِيعَة وَلَا بُدَّ يوماً أَنْ تَرُدَّ الْوَدَائِعُ
أَلَا إنَّمَا الْإِنْسَان ضَيْفٌ لِأَهْلِه يُقِيم قليلاً عِنْدَهُمْ ثُمَّ يَرْحَل
إنا لله وإنا إليه راجعون الله.