مصادر ربطتْ وضْعه خيار الحرب على الطاولة بمعلومات عن توقُّعه عملية أمنية إسرائيلية

«حزب الله» يقتاد لبنان إلى قلب «معركة الطاقة»

النيران تشتعل منذ مطلع يوليو في القسم المتصدّع من إهراءات الحبوب في مرفأ بيروت (رويترز)
النيران تشتعل منذ مطلع يوليو في القسم المتصدّع من إهراءات الحبوب في مرفأ بيروت (رويترز)
تصغير
تكبير

- جنبلاط طالب نصرالله بتحديد «المسموح والممنوع»
- باسيل لاقى نصرالله: تريدون غازكم إذاً نريد غازنا... هكذا تتصرف الدولة القوية

أبْعد من صراع الحقول فوق البحر وتحته بين لبنان وإسرائيل، جاءت «الرسالةُ الحربية» للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله التي لم يكن ممكناً عزْلُها عن السياقات المتعددة البُعد لـ «العودة» الأميركية بقوةٍ إلى المنطقة على متن زيارة الرئيس جو بايدن ولا عن التحوّلات الجيو - سياسية التي مازالت ترتسم من قلب الحرب على أوكرانيا التي فجّرت أزمة طاقة تتطاير تشظياتها في طول القارة الأوروبية وعرضها.

ورغم أن نصرالله رَبَط وضْعَ «الإصبع على الزناد» وتهديده بـ «قلْب الطاولة على الجميع في المنطقة والعالم» على قاعدة «أن (الذهاب إلى) الحرب أشرف من الموت جوعاً وأن نقتل بعضنا على أبواب الأفران ومحطات البنزين (...) وقد وصلنا الى نهاية الخط»، بملف الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل مُمْهِلاً الأميركيين والإسرائيليين أسابيع «لبلوغ اتفاق نهائي والسماح للشركات بالمجيء واستخراج النفط والغاز» من البلوكات اللبنانية الـ 10، إلا أن «العُمْقَ» الإقليمي بدا كامناً بين سطور الإطلالة التي جاءت مدجَّجة بـ «شيفراتٍ» فكّ بعضها بنفسه وترَك بعضها الآخَر «لمَن يهمّه الأمر».

ولم تتوانَ أوساط مطلعة عن اعتبار أن الأمين العام لـ «حزب الله» حدّد «عنواناً بريدياً» مثلث الضلع في معرض كشْفه خلفيات «رسالة المسيًّرات» فوق حقل كاريش والتي أتت ضمن سياق «متدرِّج من الخطوات التي سنُقْدِم عليها»، إذ خاطب واشنطن وتل أبيب «بأننا جدّيون وأبعد ما نكون عن ممارسة الحرب النفسية»، كما الداخل اللبناني من باب «اننا لا ننتظر إجماعاً وطنياً» على أي خطوة نقررها وأن سوءَ تفسيرٍ حصل لموقف الوقوف خلف الدولة «فنحن قلنا إننا لن نقف مكتوفين بل من حقنا القيام بأي خطوة نراها مناسبة».

ولكن ما وراء «الصندوقة»، وفق هذه الأوساط، لاحت «الأهداف الحقيقية» التي جاءت مغلَّفة بموقفيْن أطلقهما: الأوّل أن «رسالة المسيّرات» لم تكن سوى «بداية متواضعة... والمعادلة الجديدة لن تتوقف عند حقل كاريش بل ستتعداه إلى ما بعد بعد كاريش، ونحن قادرون على إرسال الكثير من المسيّرات في آن واحد وبأحجام مختلفة، مسلّحة وغير مسلّحة (...) وإذا كانَ الهدف منع لبنان من استخراج النفط والغاز، فلن يستطيع أحد أن يستخرج غازاً ونفطاً ولا أن يبيع غازاً ونفطاً مهما تكن العواقب، وخياراتنا وقدراتنا ستكون متنوعة في البحر والجو والبر، وكل شيء يخدم القضية سنقدم عليه بالحجم المناسب والشكل المناسب والوقت المناسب».

والثاني دعوته المسؤولين اللبنانيين الى «استغلالنا» واستخدام «ورقة القوة التي تشكلها المقاومة» في مفاوضات الترسيم لضمان وصولها إلى خواتيمها قبل بدء استخراج إسرائيل الغاز من كاريش في سبتمبر «فهذه فرصة ذهبية لتعطيل وعرقلة إنتاج وتصدير النفط والغاز (من الحقول الإسرائيلية) إلى أوروبا، وإذا انقضت هذه المدة من دون أن يحصل لبنان على حقوقه فإنّ الوضع سيكون صعباً جداً والكلفة ستكون علينا أعلى... وفهمكم كفاية»، قبل أن يغمز من قناة بيان التنصل الرسمي الذي صدر عن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب غداة عملية المسيَّرات معتبراً «طبعاً لا ندعو المسؤولين للتبرؤ منا أمام الأميركيين (...) ولا تدعوهم(يخدعونكم). وأنا نقزت كتير حين سمعت أحد المسؤولين (بو حبيب) يقول إنّ اتفاق الترسيم سيحصل في سبتمبر... إيه تخبز بالأفراح».

وبحسب هذه الأوساط فإن نصرالله بوضعه خيار الحرب على الطاولة مع التلويح بالقدرات البرية والبحرية والجوية، بدا وكأنه يتلو تهديداتٍ «على مسامع» بايدن (رافقه الوسيط في مفاوضات الترسيم آموس هوكتاشين الذي التقى أمس وزير الطاقة الإسرائيلية) والترتيبات الجديدة التي يسعى لإقامتها في المنطقة وعبّر عن جانب منها إعلان القدس أمس حين تحدّث عن «بناء هيكل إقليمي قوي» والتزام واشنطن بأمن إسرائيل و«بالعمل مع الشركاء الآخَرين لمواجهة العدوان الإيراني والأنشطة المزعزعة للاستقرار، سواء كانت مدفوعة بشكل مباشر أو من خلال وكلاء ومنظمات إرهابية مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي».

أما إثارة موضوع الغاز إلى أوروبا، فرأت الأوسط عيْنها أنه صيغ بـ «قالب لبناني» يرتبط بالضغط لانتزاع الحقوق البحرية «قبل فوات الأوان»، ولكن جوهر معادلة «لا استخراج اسرائيلياً من أي من حقولها ما دام لبنان لا ينقّب ويستخرج في حقوله» بدا مربوطاً بالحرب في أوكرانيا ولعبة «مَن يصرخ أولاً» بين روسيا والغرب ولا سيما أوروبا التي تخشى «خنْقَها بالغاز» والتي «رَبَطَتْ» مع غاز كاريش الذي سيكون معدّاً للتصدير إليها.

ولفتت الأوساط إلى أنه لا يمكن فصْل هذا الموقف عن الأبعاد البالغة الأهمية لزيارة فلاديمير بوتين لطهران الأسبوع المقبل والتي قاربتْها واشنطن معتبرة «أن محاولات الرئيس الروسي تعزيز العلاقات مع إيران وسط الصراع الأوكراني تمثّل تهديداً كبيراً».

ووفق هذه الأوساط فإن إيران تراعي حليفَها الروسي ووضعيّته في الملف الأوكراني وهي لا تتوانى عن رفْده بالدعم «المتعدد الجبهة»، مشيرة إلى أن هذا الاعتبار يدخل بحسابات طهران أيضاً حتى حين «تبطئ سرعة» مفاوضات النووي ومعها عودتها إلى سوق النفط.

في المقابل كشفت أوساط واسعة الاطلاع لـ «الراي» عن أن استحضار نصرالله لـ «الحرب» يعود إلى توقع «حزب الله» قيام إسرائيل بعملية أمنية «مموهة»، وهو أراد بكلامه توجيه رسالة استباقية لتل أبيب مفادها اننا جاهزون للحرب.

وتحدثت هذه الأوساط، الخبيرة بعقل «حزب الله» وخياراته، عن أن نصرالله أراد إفهام إسرائيل أن الحزب جاهز للحرب، في حال قررت تنفيذ عملية أمنية بطائرات إنتحارية أو ما شابه.

وفي تقدير الأوساط نفسها أن «حزب الله» يدرك أنه غالباً ما يكون الحديث عن الحرب حافزاً لإبعاد شبحها، وهو الأمر الذي حال دون الانزلاق إليها عبر ما يُعرف بـ «توازن الردع».

ولم يكن عابراً أمس أن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط اعتبر أن نصرالله بخطابه «وضع حداً لإمكان التفكير بالوصول الى تسوية حول الخط 23»، وكتب على تويتر: «لقد دخل لبنان في الحرب الروسية الاوكرانية. لذا وتفادياً لاندلاعها فهل يمكن للسيد أن يحدد لنا ما هو المسموح وما هو الممنوع وذلك أفضل من أن نضيع الوقت في التخمين واحتياط المصرف المركزي يذوب في كل يوم».

وفي موازاة ذلك، وفيما لم يصدر أي تعليق من لبنان الرسمي على مواقف نصرالله ما خلا تأكيد رئيس الجمهورية ميشال عون خلال استقباله مستشار النمسا كارل نيهامر «أن لبنان بلد محب للسلام، ومتمسك بسيادته الكاملة وبحقوقه في استثمار ثرواته الطبيعية ومنها استخراج النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة في الجنوب»، فإن رئيس «التيار الوطني الحر»جبران باسيل سارع إلى تبنّي معادلة الأمين العام لـ «حزب الله»،معلناً «أننا حين وضعنا معادلة قانا وكاريش تهاتفت التعليقات يميناً وشمالاً، وتم تفسير تعليق الموفد الأميركي بغير معناه، لأنهم لم يفهموا المعادلة وإلى أي مدى أصابت».

ولفت باسيل الى أنه «ليس مهماً فقط أن نرسّم الحدود، المهم هو أن نستخرج النفط والغاز»، موضحاً «أننا نريد حقوقنا وهذه الحقوق ليست فقط بالحدود، بل أكثر من ذلك بما تحتويه من موارد بداخلها».

ورأى أن «الثروة النفطية والغازية ليس لها قيمة إذا بقيت مدفونة بالبحر، وورقة المقاومة هي عنصر قوة للبنان إذا علمنا كيف نستخدمها لنرسّم الحدود ونستخرج الموارد ونُحصّل حقوقنا»، معتبراً أنه «مثلما المعادلة واضحة بالأمن على البر، يجب أن تصبح واضحة بالغاز على البحر»، وأضاف: «تريدون غازكم، إذا نحن نريد غازنا، هكذا تتصرف الدولة القوية وهكذا نحفظ الكرامة الوطنية وتكون السيادة».

وفي المقابل برزت ردود من خصوم «حزب الله» الذين اعتبروا أن نصرالله «نصّب نفسه مرة جديدة رئيساً، رئيس حكومة وقائداً للجيش في آن، مورّطاً شعب لبنان بمغامرة جديدة قد يدفع ثمنها دون استئذانه. أما أنتم، أين أنتم؟ علامَ تتقاتلون؟ على أيّ رئاسة؟ أيّ حكومة؟»، كما قال رئيس حزب الكتائب سامي الجميل الذي اعتبر «ان استعادة السيادة تبقى القضية الأمّ. من دونها لا وجود لدولة تتصارعون على مواقعها».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي