أبَّنوه في أتيليه القاهرة
محطة / زملاؤه في «شلة المحلة»: الشاعر محمد صالح... اليتيم الساخر
محمد صالح
|القاهرة - من مي أبوزيد|
وسط أسرته وأصدقائه وفي جو غلبت عليه الحميمية، أقام أتيليه القاهرة للفنون حفلا لتأبين الشاعر الراحل محمد صالح، حضره زملاؤه في مرحلة الدراسة الثانوية «بشلة المحلة» وهم: الدكتور جابر عصفور، والشاعر محمد فريد أبوسعدة، والقاص سعيد الكفراوي.**
كما لم يتمكن الدكتور نصر حامد أبوزيد من الحضور، فقام القاص سعيد الكفراوي بإلقاء كلمته، التي قال فيها: «في أول زيارة إلى مصر قمت بها بعد غياب ثماني سنوات منذ العام 1995 وحتى 2003، نتيجة حكم محكمة أراد التفريق بيني وبين زوجتي، استقبلني محمد صالح.
وقال: «ألم تتعب يا ابن أبوزيد من حكاية إصلاح الخطاب الديني ونقده؟، هل تستطيع وحدك أن تغير التاريخ الطويل؟، لماذا لا تعود للشعر الذي كنت تكتبه؟».
كانت هذه طريقة ترحيب محمد صالح بي، ومن دون أن يدري كانت تساؤلاته تلك تستفزني على أن أستكمل الطريق الذي بدأته، هو الصديق الذي تعارفت به في المحلة أوائل الستينات، حينها كانت لغته تزعجني وكنت أطالبه أن يتحدث مثل الناس، ثم أغوتنا القاهرة فآوينا إليها بعد العام 1967، وكانت شقة جابر عصفور هي ملجأنا ومحل نقاشاتنا، وقد قدم محمد صالح العزاء في أخي ووقف معي وساندني، والآن يا محمد كيف أعزي مصر وأعزي كل مثقفيها فيك، أنت الفلاح الذي تعب قبل أن ينتهي مما عليه، كيف تتركنا وحدنا في محاولة استعادة الجمال؟».
ووصفه الدكتور جابر عصفور في كلمته بـ «الساخر»، وقال: «كان أكثرنا سخرية، كان يسخر من أصدقائه ومن أسرته ومن شعره ومن نفسه، بل كان يسخر من الموت نفسه حتى يخفف من وطأته عليه، ولا أستطيع اليوم أن أتحدث عن شعر محمد صالح من منظور نقدي، فذلك أكبر من طاقاتي الإنسانية، الآن أشعر أن الفقدان بدأ يحصد جيلنا، ويبدو أن الذين رحلوا يلحون علينا لنلحق بهم».
وأضاف: «عرفت صالح منذ أن جاء للمحلة ليدرس بها، كان وقتها يهوى الأدب ويكتب شعرا رديئا، لكنه ظل يكتبه حتى تفتق عنه شاعر جميل، وفي بدايته كان يكتب شعر التفعيلة وبسبب إلحاحي عليه أنا وأمل دنقل نشر ديوانه الأول «الوطن الجمر 1984» على نفقته الخاصة، ثم انتقل لكتابة قصيدة النثر، ولا أعلم هل تلك القصيدة هي التي دفعته، لأن يرى العالم بطريقة مختلفة، أم أن رؤيته الجديدة للعالم هي التي دفعته لكتابة تلك القصيدة، وفي جميع الأحوال كان ينقل في شعره التجارب الحياتية اليومية بلغة مكثفة، وهو أصعب أنواع الشعر من وجهة نظري، كما اعتاد أن يحول القبح الذي نراه يوميا إلى جمال، وما أعرفه عنه أنه كان متعاطفا مع الأجيال الجديدة، وكان يعيب عليَّ أنني لا أتمتع بنفس درجة التعاطف».
ونفى القاص سعيد الكفراوي أن يكون محمد صالح كاتبا فرديا أو عبثيا أو لا تعنيه القضايا الكبرى، وقال: «حينما اقتربت من محمد وجدته الأكثر اهتماما بأصدقائه وبقريته وبجماعته المغمورة، وكان محملا بأسئلة الحياة والموت، وكان صديقي الذي قضيت حوله عمري كله منذ أن جئنا من القرية إلى القاهرة».
ووصفه الدكتور محمد بدوي بـ «اليتيم»، وقال: «كان يحب أن يناديه أصدقاؤه بهذا الاسم، ربما لأنه مر بالرحلة الجبلية، الرحلة الصعبة التي تحدثت عنها فدوى طوقان، ولمَِ لا وهو الطفل الذي توفي والداه أمامه بسبب مرض الكوليرا، فكان عليه أن يبني نفسه بنفسه».
وانتقل بدوي للحديث عن شعر الراحل وقال: «ظل يقاوم طويلا قصيدة النثر إلى أن كتبها واكتشف أنها الشعر الذي كان يبحث عنه، وحينما بدأت قصيدة النثر المصرية، بدأ محمد صالح في خيانة آبائه الشعريين أصحاب قصيدة التفعيلة، آخذا عنهم ما يناسبه وتاركا ما لا يناسبه، وقد جعل تعامله مع كفافيس والماغوط ويحيى الطاهر عبدالله يقترب بالشعر من الحياة، وبموته في ذروة إبداعه الشعري فقدت قصيدة النثر واحدا من أصحاب الأصوات بالغة الخصوصية، الذي كان يشكل مع آخرين مستقبل مصر الشعري».
ورأى الشاعر محمد فريد أبو سعدة أن شغل محمد صالح الشاغل كان الشعر، وقال: «لم يفكر يوما في الانضمام لإحدى ميليشيات الشعر، كما أنه كتب القصص القصيرة، وكان يحفظ أشعاره وقصصه كما كان يفعل القاص يحيى الطاهر عبدالله».
يذكر أن محمد صالح رحل عن عمر يناهز 69 عاما، إثر تعرضه لأزمة صحية ومرض عضال، أصدر خمسة دواوين شعرية، منها: «الوطن الجمر، وخط الزوال، وصيد الفراشات، وحياة عادية».
وسط أسرته وأصدقائه وفي جو غلبت عليه الحميمية، أقام أتيليه القاهرة للفنون حفلا لتأبين الشاعر الراحل محمد صالح، حضره زملاؤه في مرحلة الدراسة الثانوية «بشلة المحلة» وهم: الدكتور جابر عصفور، والشاعر محمد فريد أبوسعدة، والقاص سعيد الكفراوي.**
كما لم يتمكن الدكتور نصر حامد أبوزيد من الحضور، فقام القاص سعيد الكفراوي بإلقاء كلمته، التي قال فيها: «في أول زيارة إلى مصر قمت بها بعد غياب ثماني سنوات منذ العام 1995 وحتى 2003، نتيجة حكم محكمة أراد التفريق بيني وبين زوجتي، استقبلني محمد صالح.
وقال: «ألم تتعب يا ابن أبوزيد من حكاية إصلاح الخطاب الديني ونقده؟، هل تستطيع وحدك أن تغير التاريخ الطويل؟، لماذا لا تعود للشعر الذي كنت تكتبه؟».
كانت هذه طريقة ترحيب محمد صالح بي، ومن دون أن يدري كانت تساؤلاته تلك تستفزني على أن أستكمل الطريق الذي بدأته، هو الصديق الذي تعارفت به في المحلة أوائل الستينات، حينها كانت لغته تزعجني وكنت أطالبه أن يتحدث مثل الناس، ثم أغوتنا القاهرة فآوينا إليها بعد العام 1967، وكانت شقة جابر عصفور هي ملجأنا ومحل نقاشاتنا، وقد قدم محمد صالح العزاء في أخي ووقف معي وساندني، والآن يا محمد كيف أعزي مصر وأعزي كل مثقفيها فيك، أنت الفلاح الذي تعب قبل أن ينتهي مما عليه، كيف تتركنا وحدنا في محاولة استعادة الجمال؟».
ووصفه الدكتور جابر عصفور في كلمته بـ «الساخر»، وقال: «كان أكثرنا سخرية، كان يسخر من أصدقائه ومن أسرته ومن شعره ومن نفسه، بل كان يسخر من الموت نفسه حتى يخفف من وطأته عليه، ولا أستطيع اليوم أن أتحدث عن شعر محمد صالح من منظور نقدي، فذلك أكبر من طاقاتي الإنسانية، الآن أشعر أن الفقدان بدأ يحصد جيلنا، ويبدو أن الذين رحلوا يلحون علينا لنلحق بهم».
وأضاف: «عرفت صالح منذ أن جاء للمحلة ليدرس بها، كان وقتها يهوى الأدب ويكتب شعرا رديئا، لكنه ظل يكتبه حتى تفتق عنه شاعر جميل، وفي بدايته كان يكتب شعر التفعيلة وبسبب إلحاحي عليه أنا وأمل دنقل نشر ديوانه الأول «الوطن الجمر 1984» على نفقته الخاصة، ثم انتقل لكتابة قصيدة النثر، ولا أعلم هل تلك القصيدة هي التي دفعته، لأن يرى العالم بطريقة مختلفة، أم أن رؤيته الجديدة للعالم هي التي دفعته لكتابة تلك القصيدة، وفي جميع الأحوال كان ينقل في شعره التجارب الحياتية اليومية بلغة مكثفة، وهو أصعب أنواع الشعر من وجهة نظري، كما اعتاد أن يحول القبح الذي نراه يوميا إلى جمال، وما أعرفه عنه أنه كان متعاطفا مع الأجيال الجديدة، وكان يعيب عليَّ أنني لا أتمتع بنفس درجة التعاطف».
ونفى القاص سعيد الكفراوي أن يكون محمد صالح كاتبا فرديا أو عبثيا أو لا تعنيه القضايا الكبرى، وقال: «حينما اقتربت من محمد وجدته الأكثر اهتماما بأصدقائه وبقريته وبجماعته المغمورة، وكان محملا بأسئلة الحياة والموت، وكان صديقي الذي قضيت حوله عمري كله منذ أن جئنا من القرية إلى القاهرة».
ووصفه الدكتور محمد بدوي بـ «اليتيم»، وقال: «كان يحب أن يناديه أصدقاؤه بهذا الاسم، ربما لأنه مر بالرحلة الجبلية، الرحلة الصعبة التي تحدثت عنها فدوى طوقان، ولمَِ لا وهو الطفل الذي توفي والداه أمامه بسبب مرض الكوليرا، فكان عليه أن يبني نفسه بنفسه».
وانتقل بدوي للحديث عن شعر الراحل وقال: «ظل يقاوم طويلا قصيدة النثر إلى أن كتبها واكتشف أنها الشعر الذي كان يبحث عنه، وحينما بدأت قصيدة النثر المصرية، بدأ محمد صالح في خيانة آبائه الشعريين أصحاب قصيدة التفعيلة، آخذا عنهم ما يناسبه وتاركا ما لا يناسبه، وقد جعل تعامله مع كفافيس والماغوط ويحيى الطاهر عبدالله يقترب بالشعر من الحياة، وبموته في ذروة إبداعه الشعري فقدت قصيدة النثر واحدا من أصحاب الأصوات بالغة الخصوصية، الذي كان يشكل مع آخرين مستقبل مصر الشعري».
ورأى الشاعر محمد فريد أبو سعدة أن شغل محمد صالح الشاغل كان الشعر، وقال: «لم يفكر يوما في الانضمام لإحدى ميليشيات الشعر، كما أنه كتب القصص القصيرة، وكان يحفظ أشعاره وقصصه كما كان يفعل القاص يحيى الطاهر عبدالله».
يذكر أن محمد صالح رحل عن عمر يناهز 69 عاما، إثر تعرضه لأزمة صحية ومرض عضال، أصدر خمسة دواوين شعرية، منها: «الوطن الجمر، وخط الزوال، وصيد الفراشات، وحياة عادية».