تَرَقُّب لنتائج زيارة بايدن للمنطقة وانعكاساتها

لبنان: الحكومة الموعودة إلى «المَقاعد الخلفية» والصراع على كرسي الرئاسة الأولى يتقدّم

مصلون خارج مسجد الأمين في وسط بيروت (رويترز)
مصلون خارج مسجد الأمين في وسط بيروت (رويترز)
تصغير
تكبير

تستقطب المنطقةُ اهتمامَ العالم مع زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومحطتها البارزة يوم الجمعة في السعودية، وسط معاينةٍ لبنانيةٍ لصيقةٍ لنتائجها التي تشي بمسارٍ لمعاودة تشكيل شرق أوسط بتوازنات جديدة إما ملاقاةً لتفاهماتٍ «على الطريق» وخصوصاً في الملف النووي الإيراني وتكبح تداعياتها على نظام المصالح الاقليمية المعقّدة وإما «َتحَوُّطاً» من أي انفراطٍ للمفاوضات الشائكة.

ولم يكن عابراً أن بايدن، الذي تشكل زيارته للمنطقة على متن تشظيات حرب أوكرانيا تأكيداً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة في الشرق الأوساط، تناول في مقاله الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الواقع اللبناني من ضمن مربّع «سورية وليبيا والعراق ولبنان» والوضع غير المستقرّ في هذه الدول، بما يؤكد أن الأزمة في «بلاد الأرز» لن تغيب عن أجندة الرئيس الأميركي ولو من باب وضعية «حزب الله» وملف ترسيم الحدود البحرية بين بيروت وتل أبيب والذي بات جانبٌ منه وتحديداً المتصل بـ «حماية» الاستخراج من حقل كاريش بمثابة «أنبوب أوكسجين» لأوروبا التي تخشى «اختناقات الغاز» جراء الانفجار الأوكراني.

وإذ توقّفتْ تقارير في بيروت عند ما نُقل عن وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان خلال استقباله السفير الجديد لبلاده الذي تم تعيينه في بيروت مجتبى أماني، من تأكيدٍ على «أهمية لبنان باعتباره دولة في الصف الأمامي للمقاومة أمام الكيان الصهيوني»، فإن أوساطاً سياسية مطلعة تعتبر أن التحولات التي ترتسم في المنطقة ستلعب دوراً محورياً في تحديد اتجاهات الريح في لبنان في أكثر من استحقاق سياسي - دستوري لم يكن يوماً إلا نتاج تقاطعات أو صِداماتٍ إقليمية تعزّز التوازناتُ المحلية وضعيةَ لاعبيها ومواقعهم على طاولة «المُقايضات» أو «أرض المُضايقات».

وهذا ما يَسْري خصوصاً على استحقاق الانتخابات الرئاسية الذي لم يعد يفصل لبنان عن بدء مهلته الدستورية إلا 50 يوماً، وسط طغيانه على ما عداه من عناوين وأبرزها تأليف الحكومة الجديدة، بفعل تَشابُك الاستحقاقات زمنياً، ومعها أجندات الأطراف المحليين وحساباتهم التي لا يمكن أن تتفلّت، وتحديداً في ما خص القوى الوازنة مثل «حزب الله»، من مراعاة مقتضيات المرحلة الإقليمية ومتطلباتها التي تبقى هي «المقرِّر» النهائي لـ «بروفايل» مَن سيتولى سدّة الرئاسة الأولى: فإما يكون رئيس مواجهة يُنتخب في «الزمان المُناسب» (ضمن المهلة الدستورية أو بعد بدء الشغور في 31 أكتوبر) عبر «تفعيلٍ جديد» لغالبيةٍ مستترة بالنصف زائد واحد ما دامت قوى المعارضة يصعب أن تلجأ إلى تعطيل نصاب الثلثين لجلسات الانتخاب، وإما ذي وجهٍ «وسطي» يعكس «تَشارُكيةً» فيه بين مختلف أطراف التأثير في الواقع اللبناني.

وباتت الانتخاباتُ الرئاسية المحرّكَ الرئيسي للمَشهد اللبناني وروزنامته السياسية و«الكابحَ» الأول لملف تشكيل الحكومة الذي يتعاطى معه أطراف الصراع المفتوح، المعلَنون والمستترون، على أنه «خط دفاع» مزدوجاً: الأوّل عن حظوظ رئاسية تقوى بحال عزّزت بعض القوى موقعها في حكومة إدارة الفراغ الرئاسي، وهو المنطق الذي يتّهم خصومُ العهد رئيسَ التيار الوطني الحر جبران باسيل باعتماده ليضمن أيضاً قدرة أكبر على «زرع أذرعه» (بالتعيينات) في أي عهد جديد ما لم يكن هو على رأسه بحيث يُبْقي على هامش كبير من «القيادة والسيطرة» السياسية.

والثاني عن إجراء الاستحقاق في ذاته بموعده الدستوري، وهو ما يعتبر خصوم عون، وبعضهم من أركان الائتلاف الحاكم، أن عدم تشكيل حكومة جديدة سيشكل قوة دفْعٍ لإنجازه، رغم عدم ممانعتهم النظرية إمرار حكومة بالمواصفات التي اعتمدها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، أي حكومة معدّلة عن حكومة تصريف الأعمال الحالية خفّف فيها من «وزن» التيار الحر عبر انتزاع حقيبة الطاقة منه، وهي الصيغة التي لم يكن ممكناً تَصَوُّر أن يسير بها الرئيس ميشال عون ولا باسيل.

ومن هنا تُفهم المناخات البالغة السلبية التي لفّت مسار التأليف الذي يُخشى أن يتّجه إلى قطيعة بين عون ميقاتي بعد المعلومات عن أن الرئيس المكلف طلب موعداً لزيارة قصر بعبدا قبل حلول عيد الأضحى ولكن لم يتم تحديده، وسط معادلة باتت تحكم هذا الملف وقوامها: أن فريق عون يخوض التأليف على قاعدة «الشراكة الكاملة» لرئيس الجمهورية في التشكيل وليس فقط في التوقيع وأن الميثاقية تقتضي أن يسمي الوزراء المسيحيين أو غالبيتهم مع امتناع أكبر حزبين مسيحييْن عن المشاركة (القوات اللبنانية والتيار) فلا تكون التسمية في كنف طوائف أخرى.

ويلوّح هذا الفريق بيده بورقةِ إمكان استقالة الوزراء المسيحيين (من حصته) من الحكومة المستقيلة وإطلاق «رصاصة الرحمة» عليها وعلى أي حظوظ لترث صلاحيات رئاسة الجمهورية بعد الفراغ.

في المقابل، يخوض ميقاتي عملية التشكيل من موقع قوة يمنحه إياه إمساكه بـ «مقبضيْ» تصريف الأعمال والتكليف، بما يجعله قادراً على الصمود في أي عملية إنهاكٍ، رافضاً تشكيل أي حكومة بشروط باسيل وإدخال أي تعديلات ناسفة للهيكل الحكومي الذي قدّمه إلى عون، ومتمسّكاً بصلاحياته الدستورية التي تجعله المؤتمن الأول على استيلاد حكومةٍ يتشاور مع رئيس الجمهورية في أسماء وزرائها ولكن هو المسؤول عن أدائها أمام مجلس النواب، وهو ما يُفترض أن يحدّد حدود «انغماس» رئيس البلاد في التأليف و«ترؤسه» حصة وزارية من دون أي مسؤولية عن أعمالها.

والأهمّ أن أجواء ميقاتي تعتبر أن أي لعب لورقة سحْب التيار الحر الوزراء المسيحيين الذين «يمون» عليهم من حكومة تصريف الأعمال سيكون على طريقة «وبعدي الطوفان»، وأن أقصر الطرق لتفادي الأسوأ هي بتشكيل الحكومة وبالسرعة التي عبّر عنها الرئيس المكلف بتقديمه التشكيلة إلى رئيس الجمهورية بعد أقلّ من 24 ساعة من انتهاء استشارات التكليف لتكون قاعدة انطلاق التشاور مع عون.

وكان بارزاً أن موقع «لبنان 24» (المحسوب على ميقاتي) ورداً على «تسريب أخبار بأن الرئيس ميقاتي طلب موعداً للاجتماع مع الرئيس عون ورفض الاخير تحديد الموعد، أورد أنه»لدى سؤال مصادر حكومية معنية عن الموضوع، رفضت التأكيد أو النفي، وقالت: إذا كان الكلام صحيحاً فمعنى ذلك أنهم غير مستعجلين لتشكيل الحكومة أو لا يريدون أصلا تشكيل حكومة جديدة".

في المقابل كانت قناة «أو تي في» (التابعة للتيار الحر) تورد في مقدّمة نشرتها الإخبارية «ان اول اللامبالين بإنجاز التأليف هو رئيس الحكومة المكلف نفسُه، الذي رفع الى رئاسة الجمهورية تشكيلة يعرف سلفا انها لا تمر، نظراً الى تجاوزها كل المعايير الدستورية والميثاقية، حيث انها لم تخضع للتشاور المسبق مع الشريك الدستوري في عملية التأليف، اي رئيس البلاد، ولأنها لم تحترم مبدأ المداورة الشاملة بين الطوائف والمذاهب في الوزارات، اذ اقتصر الاستهداف على مكوّن لبناني واحد، لن يسمح ممثلوه الدستوريون بعودة عقارب ساعة الشراكة الوطنية التامة التي تحققت في الولاية الرئاسية الحالية الى الوراء».

في موازاة ذلك، باتت كل اللقاءات التي تُعقد وخصوصاً بين «حليفيْن لدوديْن» تُقرأ في دفتر الرئاسة ومحاولات التمهيد لـ «صفقات» تُحجز معها «مقاعد متقدّمة» في العهد الجديد، وفق ما يُروَّج عن التقارب بين «التيار الحر» ورئيس «المردة» سليمان فرنجية الذي تتقدّم حظوظه على باسيل الذي يقول خصومه إنه سيسعى، ما لم يكن «الخيار الأول» لحزب الله ليكون «الناخب الأول» وذلك عبر ترتيباتٍ مع فرنجية تجعله «شريكاً رئيسياً» في حقبة ما بعد عون وخصوصاً أن زعيم «المردة» يحتاج لغطاء مسيحي وازن.

على أن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي فاجأ كثيرين في عظته الأحد حين حدد مواصفات للرئيس الجديد يكون «متمرس سياسياً وصاحب خبرة، محترم وشجاع ومتجرد، رجل دولة حيادي في نزاهته وملتزم في وطنيته. ويكون فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب، ولا يشكل تحدياً لأحد، ويكون قادرا على ممارسة دور المرجعية الوطنية والدستورية والأخلاقية، وعلى جمع المتنازعين الشروع في وضع البلاد على طريق الإنقاذ الحقيقي والتغيير الإيجابي. وتقتضي ظروف البلاد أن يتم انتخاب هذا الرئيس في بداية المهلة الدستورية لا في نهايتها ليطمئن الشعب وتستكين النفوس وتنتعش الآمال».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي