كعادته، لم يفوت النظام الجزائري الفرصة مجدداً للإساءة إلى قضيّة فلسطين وتسخيفها، وهي في الأصل قضيّة شعب يعاني من الإحتلال يسعى إلى استعادة حقوقه المشروعة. لم تكن القضية الفلسطينية يوماً بالنسبة إلى النظام الجزائري سوى مادة تصلح للتجارة والمزايدات، تماما كما الحال مع «الجمهوريّة الإسلاميّة» في ايران التي فعلت، منذ العام 1979، كلّ ما تستطيع من اجل تمكين إسرائيل من المضي في سياسة تستهدف تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربيّة والقدس الشرقية...
كانت الإساءة الأخيرة، بل الجريمة الأخيرة، في حق فلسطين وقضيتها عندما وضع النظام الجزائري رئيس السلطة الوطنيّة الفلسطينية محمود عبّاس (أبو مازن) إلى جانب زعيم «بوليساريو» إبراهيم غالي. لم يسأل «أبو مازن»، الذي جلس إلى جانب غالي على منصة رسمية في ذكرى الاحتفال الجزائري بالذكري الستين للإستقلال، نفسه: ما الهدف الجزائري من تسخيف القضيّة الفلسطينية إلى هذا الحدّ؟ وكيف يمكن، شخصيا، قبوله بذلك؟
من المستغرب قبول «أبو مازن» بهذه الإهانة الواضحة، التي تعني بين ما تعنيه، وضع نفسه في خدمة النظام الجزائري لا اكثر. قبل رئيىس السلطة الوطنيّة للأسف الشديد، تحويل قضيّة فلسطين إلى سلعة للمتاجرة بها، على غرار المتاجرة الجزائرية بالصحراء المغربيّة والصحراويين المقيمين في مخيمات البؤس في تندوف. لا يهمّ النظام الجزائري خروج الصحراويين من تندوف والعيش في رحاب وطنهم المغربي بمقدار ما يهمّه بقاء هؤلاء في مخيّمات وتدريب مراهقين على السلاح. يرفض الأخذ في الإعتبار لواقع انّ كل ما يفعله هو تخريج مشاريع إرهابيين في منطقة الساحل الملتهبة الذي لا تحتاج إلى مثل هذا النوع من الخريجين.
يبدو ان «أبو مازن» أوقع نفسه في فخّ جزائري كان مفترضا، بفضل ما يمتلك من بعض التجربة والوعي السياسي، تفاديه. لو امتلك حدّا أدنى من الوعي السياسي، لأكتشف ان ليس هناك أسوأ من المساواة بين القضيّة الفلسطينية وقضيّة الصحراء المغربيّة والمقارنة بينهما. لم تكن الصحراء يوما سوى قضيّة مغربيّة عادلة مرتبطة بتصفية الإستعمار واستعادة المملكة ذات التاريخ العريق أقاليم كانت تحت الاحتلال الإسباني حتّى العام 1975. أكثر من ذلك، إنّ الصحراويين المقيمين الأقاليم الصحراويّة المغربيّة يتمتعون بكلّ حقوقهم مثلهم مثل ايّ مواطن مغربي في ظلّ لامركزيّة موسّعة.
لا دخل لقضيّة فلسطين، من قريب او بعيد، بقضيّة الصحراء المغربيّة. كل من يقوم بمثل هذه المقارنة إنّما يوجه ضربة إلى القضيّة الفلسطينية ويخدم إسرائيل وسياسة تكريس الاحتلال. كلّ ما في الأمر ان المغرب استعاد ارضا تشكل جزءا لا يتجزّأ من ترابه الوطني معتمدا على الوسائل السلميّة. لذلك، من الأفضل لـ«أبو مازن» ان يجد من يشرح له ما هي قضيّة الصحراء وكيف انّ هذه القضيّة مفتعلة من الفها إلى يائها وهي إختُلقت كي تشن الجزائر، الطامحة إلى ممر إلى المحيط الأطلسي، حرب استنزاف ذات طابع اقتصادي على المغرب. من الأفضل لـ«أبو مازن» ان يجد من يقول له ما هي ظروف «المسيرة الخضراء» وكيف شارك فيها نحو ثلاثمئة وخمسين الف مغربي، لم يكن لديهم من هدف سوى استعادة الصحراء، بمجرد انسحاب اسبانيا ورفع العلم المغربي، بطريقة سلميّة... وتأكيد ان القضيّة موضع اجماع وطني.
صديقك من صدقك، لو كان «أبو مازن» صديقا حقيقيا للجزائر، لكان نصح النظام بالتخلص من عقدة المغرب التي تتحكم به وبكل تصرفاته. لكان نصحه بالكف عن ممارسات تعود إلى سبعينات القرن الماضي وثمانيناته عندما كان النظام الجزائري يحتضن جماعة «أبو نضال» الفلسطينيّة المتخصصة بقتل مسؤولين فلسطينيين يمثلون منظمة التحرير الفلسطينية في دول اوروبيّة مثل عزالدين قلق ونعيم خضر وغيرهما. لم يكن من همّ لدى النظام الجزائري وقتذاك سوى تدجين ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، عن طريق افهامه ان هناك دعما جزائريا للمنشقين عنه في «فتح» وخارج «فتح».
هل سمع «أبو مازن» بالموقف الإسباني الذي يرى في الطرح المغربي الحلّ المنطقي لقضية الصحراء؟ هل سمع بالمواقف العربيّة الأخرى المتعاطفة مع المغرب وبفتح قنصليات عربيّة عدة في العيون، عاصمة الأقاليم الصحراويّة المغربيّة؟ هل يعرف أن لا قمّة عربيّة في الجزائر في حال ارتكاب جريمة طرح ايّ موضوع ذي علاقة بقضية مفتعلة مثل قضيّة الصحراء؟
لو كان «أبو مازن» يريد ان يكون صادقا مع النظام الجزائري، لكان امتلك حدّا ادنى من الشجاعة ليقول للذين استضافوه انّه جاء إلى الجزائر بإذن إسرائيلي وأنّه لا يستطيع العودة إلى رام الله من دون هذا الإذن وانّ لا دور للسلطة الوطنيّة سوى ان تكون شرطيّا لدى الاحتلال. لكان قال أيضا ان ما يجمع بينه وبين إبراهيم غالي ان الأخير يحتاج إلى اذن جزائري للخروج من الجزائر وإذن آخر للعودة وان الصحراويين الموجودين في مخيمات في تندوف ليسوا سوى رهائن لدى النظام.