رئيس الوزراء يؤكد أن «آخر شيء تحتاجه الدولة بصراحة هو إجراء انتخابات»
هل يطيح «تسونامي» الاستقالات بوريس جونسون؟
في يوليو عام 2019، تولّى بوريس جونسون، رئاسة الوزراء في بريطانيا خلفاً لتريزا ماي، التي فشلت في إتمام صفقة الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويبدو أن يوليو 2022، سيشهد الفصل الأخير من ولاية جونسون.
فخلال الساعات الأخيرة، توالى «تسونامي الاستقالات»، ما يمهّد الطريق إلى انفراط عقد حكومته وإقصائه عن الحكم، لكنه مع ذلك أبدى تمسكه بالسلطة.
وأكد في مواجهة ساخنة مع النواب، أمس، أنه مصمم على البقاء في منصبه على رأس الحكومة، رغم «زلزال الاستقالات».
وقال رئيس الحكومة «سنواصل تنفيذ التفويض الموكل إلينا»، خلال جلسة المساءلة الأسبوعية في مجلس العموم التي هتف خلالها النواب «وداعاً بوريس»، في نهاية خطابه.
واضاف أمام لجنة برلمانية عندما طُلب منه تأكيد أنه لن يسعى للدعوة إلى انتخابات بدلاً من الاستقالة إذا خسر تصويتاً بالثقة «لن أستقيل وآخر شيء تحتاجه هذه الدولة بصراحة هو إجراء انتخابات».
وكان وزيرا الصحة والمال ساجد جاويد وريشي سوناك، أعلنا بفارق دقائق استقالتيهما مساء الثلاثاء بعدما سئما من سلسلة الفضائح التي تهز الحكومة منذ أشهر.
وقال جاويد الذي تولى وزارة المال قبل سوناك، في كتاب استقالته، «يؤسفني القول إن من الواضح بالنسبة إلي أنّ الوضع لن يتغيّر تحت قيادتكم ومن ثم فقدت الثقة بكم»، في إشارة إلى جونسون.
وبعد جلسة مجلس العموم، حض جاويد الوزراء الآخرين على الاستقالة. واعتبر ان «المشكلة تبدأ من القمة وأعتقد أن ذلك لن يتغير... وهذا يعني لمن هم مثلنا في هذا الموقع - الذين يتحملون المسؤولية - إجراء هذا التغيير».
وصرح أندرو بريدجن، النائب المحافظ، واحد أشد منتقدي جونسون، لشبكة «سكاي نيوز»، بان قضية بينشر كانت «القشة التي قصمت ظهر البعير» بالنسبة لسوناك وجاويد.
وأضاف «أنا والكثير من أعضاء الحزب مصممون الآن على رحيله بحلول العطلة الصيفية (التي تبدأ في 22 يوليو)»، مؤكداً أنه «بقدر ما نُسرع في ذلك يكون الأمر أفضل».
في الوقت نفسه، أعلن خمسة أعضاء في حكومة جونسون، أمس، استقالتهم الجماعية، ليتخطى عدد الأعضاء المستقيلين منذ الثلاثاء، الـ 30.
وكتب وزراء الدولة كيمي بادينوخ ونيل اوبراين وأليكس بورغهارت ولي رولي وجوليا لوبيز، في رسالتهم إلى جونسون، «يجب ان نطلب، من أجل مصلحة الحزب والبلد، أن تتنحّى».
ولاحقاً، استقال النائب السابق عن حزب المحافظين مارك لوغان من منصبه كأمين برلماني خاص لمكتب أيرلندا الشمالية، ووكيلة الوزارة البريطانية لشؤون الحماية راشيل ماكلين.
كما انسحب أعضاء آخرون في مناصب أدنى من الحكومة، بينهم ثلاثة برتبة سكرتير دولة.
واحتلت الاستقالات عناوين وسائل الإعلام، التي تساءلت عن مدى قدرة جونسون على تفادي السقوط.
وما زال وزراء كبار آخرون في الحكومة بينهم وزيرة الخارجية ليز تراس ووزير الدفاع بن والاس، يدعمون جونسون لكن كثيرين منهم يتساءلون إلى متى يمكن أن يستمر هذا الوضع.
وجاءت الاستقالة المفاجئة لوزيري الخارجية والمال مساء الثلاثاء، بعدما قدم رئيس الوزراء اعتذارات جديدة على فضيحة جديدة، معترفاً بارتكابه «خطأ» بتعيينه في فبراير في حكومته كريس بينشر في منصب مساعد المسؤول عن الانضباط البرلماني للنواب المحافظين.
وبينشر استقال الأسبوع الماضي بعدما اتهم بالتحرش برجلين.
وبعدما أكدت العكس، اعترفت رئاسة الحكومة الثلاثاء، بأن رئيس الوزراء ابلّغ في 2019 باتهامات سابقة حيال بينشر لكنه «نسيها» عندما تعيينه.
ورأى سكرتير الدولة للمدارس روبن ووكر الذي استقال أمس، أن «الإنجازات العظيمة» للحكومة «طغت عليها أخطاء وتساؤلات تتعلق بالنزاهة».
وتحدث جاويد (52 عاما) عن هذه النقطة أيضاً، معتبراً أن من حق البريطانيين أن يتوقعوا «النزاهة من حكومتهم».
وتابع أن التصويت على الثقة في جونسون في يونيو، كان ينبغي أن يشكل فرصة لإبداء «تواضع» وإظهار «توجه جديد»، لكن «يؤسفني القول إن من الواضح بالنسبة لي أنّ الوضع لن يتغيّر تحت قيادتكم وفُقدت الثقة بكم».
كما تأتي استقالة سوناك (42 عاما) في خضم أزمة غلاء معيشة. وكتب في رسالة استقالته «أدرك أن هذا قد يكون آخر منصب وزاري أتولاه، لكنني أعتقد أن هذه المعايير تستحق النضال من أجلها ولهذا السبب أستقيل».
وسارع جونسون إلى استبدال الوزيرين المستقيلين معينا وزير التربية ناظم زهاوي في وزارة المال وستيف باركلي الذي كان مسؤولاً حتى الآن عن تنسيق الشؤون الحكومية، في وزارة الصحة.
وأكد وزراء مؤيدون لجونسون دعمهم لرئيس الوزراء بينهم نادين دوريز المكلفة الثقافة.
وقال زهاوي لـ «سكاي نيوز»، أمس، إن «من السهل المغادرة» في بعض الأحيان، لكن «الأكثر صعوبة» هو تنفيذ الإصلاحات.
ورغم هذا الدعم، هل سيتمكن جونسون من النجاة من هذه الأزمات العديدة وهو يرفض دائما التفكير في الاستقالة؟
ودعا ديفيد فروست، سكرتير الدولة السابق المكلف «بريكست» الذي غادر في ديسمبر، الحكومة، عبر صحيفة «تلغراف» جونسون إلى الاستقالة لأنه «إذا تشبث (بالمنصب) فيمكن أن يجازف بجر الحزب والحكومة معه».
ويواجه جونسون أساساً تداعيات فضيحة الحفلات التي أقيمت في مقر الحكومة خلال مرحلة الاغلاق التام إبان الجائحة، وقد أفلت قبل أسابيع من تصويت على سحب الثقة قرره نواب حزبه المحافظ.
وتضاف إلى ذلك، قضايا أخرى ذات طابع جنسي في مجلس العموم. فقد أوقف نائب يشتبه في أنه ارتكب عملية اغتصاب وأفرج عنه بكفالة منتصف يونيو، واستقال آخر في أبريل لأنه شاهد فيلما إباحيا في البرلمان على هاتفه النقال. وحكم على نائب سابق في مايو بالسجن 18 شهرا بعد إدانته بتهمة الاعتداء جنسياً على مراهق في الخامسة عشرة.
وأدى خروج النائبين الأخيرين إلى تنظيم انتخابات تشريعية فرعية تكبد المحافظون بنتيجتها هزيمة مدوية.
وأتى ذلك فيما كان الحزب سجل نتائج سيئة جدا خلال انتخابات محلية في مايو، الأمر الذي دفع رئيس الحزب أوليفر دودن، إلى الاستقالة، في خطاب ألمح فيه إلى أنه يعتقد بأن على جونسون تحمل المسؤولية.
ويثير الوضع استياء البريطانيين الذين يواجهون أعلى نسبة تضخم منذ أربعين عاما مع 9.1 في المئة في مايو بمعدل سنوي.
وجاء في نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد «يوغوف» ونشرت مساء الثلاثاء أن 69 في المئة من الناخبين يرون أن على جونسون الاستقالة. ويرى 54 في المئة من المحافظين أن على رئيس الوزراء مغادرة منصبه.
وقال توم لاركين الصحافي في قناة «سكاي» على «تويتر» نقل عن برلماني، إن جونسون قد يواجه تصويتاً على الثقة.
وأضاف نقلاً عن النائب الذي هو أيضاً في «لجنة 1922»، المعنية بتنظيم عمليات التصويت تلك، أن قواعد اللجنة، التي تمنح جونسون حالياً حصانة من مواجهة تصويت على الثقة حتى العام المقبل، من المرجح أن تتغير خلال ساعات.
منذ أيام، تتجه الأنظار في بريطانيا إلى «لجنة 1922» بوصفها مقصد الغاضبين من حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون، وترتقب أي بيانات أو إعلانات من رئيسها غراهام برادي، حتى يمكن للبريطانيين أن يستشرفوا أحداثاً سياسية مقبلة.
فما هي لجنة 1922؟
كانت لجنة عام 1922، تعرف باسم لجنة الأعضاء المحافظين الخاصين، وهي المجموعة البرلمانية للحزب في مجلس العموم.
وحصلت اللجنة على اسمها من اجتماع المشرعين المحافظين الذي عقد قبل 100 عام، في نادي كارلتون في 19 أكتوبر عام 1922.
حينها طالب نواب حزب المحافظين أعضاءه بالانسحاب من الحكومة الائتلافية لديفيد لويد جورج، ونجحت خططهم ومداولاتهم في إنهاء الحكومة الائتلافية في ذلك الوقت.
وفي أبريل 1923، تم تشكيل المجموعة رسمياً وتوسعت العضوية مع انتخاب المزيد من نواب المحافظين الجدد.
وفي 1926 تمت دعوة جميع نواب مجلس النواب ليصبحوا أعضاء.
لكن اللجنة أصبحت مهمة بعد عام 1940، واستمرت في لعب دور حاسم في قيادة حزب المحافظين منذ ذلك الحين، بما في ذلك إثارة استقالة رئيس الوزراء مارغريت تاتشر الملقبة بـ «المرأة الحديد».
وتقتصر عضوية اللجنة التنفيذية ومسؤوليها على نواب المقاعد الخلفية (المعارضون من داخل الحزب سواء كان حاكماً أم لا)، رغم أن أعضاء البرلمان المحافظين الرئيسيين (أعضاء الحكومة في حال كان الحزب حاكماً) لديهم دعوة مفتوحة لحضور الاجتماعات.
ويمكن للجنة أيضاً أن تلعب دوراً مهماً في اختيار رئيس الحزب.
ويتم انتخاب رئيس اللجنة من الأعضاء، ويتولى السير برادي حالياً المنصب. وتجتمع اللجنة أسبوعياً أثناء انعقاد البرلمان وتوافر وسيلة للنواب لتنسيق ومناقشة وجهات نظرهم بشكل مستقل.
وتمثل بشكل جماعي وجهات نظر الصف البرلماني لحزب المحافظين إلى زعيم الحزب، الذي عادة ما يكون أيضاً رئيس الوزراء أو زعيم المعارضة.
وتضم لجنة عام 1922 لجنة تنفيذية مكونة من 18 عضواً، يشرف رئيسها على انتخاب قادة الحزب، أو أي تصويت يقوده حزب المحافظين بحجب الثقة عن زعيم حالي.
ويمكن إجراء مثل هذا التصويت من قبل 15 في المئة من أعضاء البرلمان المحافظين (54 نائباً من أصل 360 في البرلمان اعتباراً من يناير 2022) يكتبون رسالة إلى رئيس اللجنة يطلبون مثل هذا التصويت.
وتم اللجوء الى هذا الإجراء في 12 ديسمبر 2018، ضد تيريزا ماي، التي فازت بالتصويت.