3 اعتبارات وراء موقف لبنان
«نفْض اليد» الرسمي من «المسيَّرات»: حزب الله مُنْزَعِج و... مُتَفَهِّم
عَكَسَ «رَفْعُ المسؤولية» الذي أعلنه لبنان الرسمي عن عملية المسيَّرات غير المفخّخة التي حلّق بها «حزب الله» فوق حقل كاريش، حساسيةَ الموقف الذي «اقتيدتْ» إليه بيروت، في توقيتٍ بالغ الدقة داخلياً وإقليمياً ودولياً.
وبعد ساعاتٍ من البيان الذي صدر عن اجتماع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب، والذي اعتبر إرسال المسيَّرات أمراً «غير مقبول» و«خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الديبلوماسي الذي تجري المفاوضات (حول الترسيم البحري مع إسرائيل) في إطاره»، تَكَشَّفَ المزيد عن الاعتبارات التي أَمْلتْ نفضَ لبنان الرسمي اليدَ من عمليةٍ تُقاس، وبمعزل عن الرسائل التي «حُمِّلتْ» إياها وعلى أكثر من «جبهة»، بتداعياتها المحتملة على «مثلث» بات هو الذي يحكم آفاق الواقع اللبناني الذي يتخبّط بانهيارٍ مالي مرشَّحٍ لمزيد من العصْف في ضوء انكشاف البلاد على أزمة حكومية مستحكمة وربما رئاسية بعد أقل من 4 أشهر. وهذا المثلث يتمثل في:
- الدولُ العربيةُ التي مازالت بيروت «تحت الاختبارِ» أمامها في ما خص قدرتها على الحدّ من تمكين نفوذ «حزب الله» سياسياً وعسكرياً، والتي يشكّل رفْضُ «رسالة المسيَّرات» ومعاودة تظهير وجود «خط فاصل» بين الدولة والحزب خطوةً، ولو شكلية «بالاتجاه الصحيح» الذي يؤشر إلى منحى رسمي غير مسبوق في مقاربةِ عمليةٍ لـ «حزب الله».
- واشنطن التي تُعتبر الوسيطَ الوحيد في ملف الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل ومفاوضاته غير المباشرة التي تشهد محاولةً لإحيائها وفق إطار طاولة الناقورة، انطلاقاً مما اعتبره آموس هوكشتاين تقدُّماً تَحَقَّق في ضوء تلقُّف تل أبيب بايجابيةٍ ما وصفتْه بـ «تخلي لبنان عن الخط 29 (كان وسّع المنطقة المتنازع عليها وفق الخط الرسمي اللبناني بـ 1430 كيلومتراً مربعاً إضافياً تقع ضمنها أجزاء من كاريش) من خلال الطرح الذي تقدّمت به بيروت وقام على أساس الخط 23 موسّعاً بما يضمن لها كامل حقل قانا المفترض مقابل حقل كاريش لإسرائيل، وهو الطرح الذي سيكون(على مشرحة) التفاوض المنتظر استئنافه والذي اعتبرت الولايات المتحدة أن مسيَّرات حزب الله هدّدت بوقفه».
كما أن واشنطن تُمْسِك بمفاتيح عدة ذات صلة بالوضع اللبناني، وبينها إصدار «تأشيرة مرور» للغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سورية إلى لبنان للحدّ من أزمة الكهرباء المستفحلة، وذلك عبر منْح الإعفاءات المطلوبة من «قانون قيصر» وتيسير تمويل البنك الدولي لعملية الاستجرار.
- الدول الأوروبية التي تشكل إحدى حلقات «شبكة الأمان» التي يحتاج إليها لبنان بشدّة لتفادي «الارتطام المميت»، والتي يعني وضعُ سفينة الإنتاج انرجين باور في دائرة الخطر كما عرْقلة مسار استخراج الغاز من كاريش، تهديدَ واحد من «خططها البديلة» عن الغاز الروسي و«خطوط الحماية»من تشظيات الحرب في أوكرانيا.
ورأت دوائر سياسية عليمة أن لا مصلحة للبنان إطلاقاً في «التحرش» بأوروبا التي باتت عبر خرائط الغاز «على حدوده»، ولا سيما أن بيروت التي مدّدت الشهر الماضي مهلة تقديم طلبات الاشتراك في دورة التراخيص الثانية للتنقيب عن الغاز والنفط في 8 من بلوكاتها الـ 10 (إلى 15 ديسمبر)، تحتاج إلى الشركات الأوروبية للمشاركة في هذه الدورة، وسط محاولةٍ لبنانية لحضّ واشنطن على وقف ما اعتُبر«رهْناَ»لهذا المسار بالوصول الى اتفاقٍ نهائي، وهو ما عبّرت عنه مثلاً معادلة «لا غاز من كاريش من دون غاز من قانا».
يُذكر أن البلوكين 4 و9 اللبنانييْن ملزَّمان لـ «كونسورتيوم توتال - إيني - نوفاتيك».
وفي مايو الماضي، وافق مجلس الوزراء على التمديد الثاني لشركة «توتال» لتنفيذ عقد الاستكشاف لمدة ثلاثة أعوام في البلوك 9 (تنتهي في 21 مايو 2025) ولمدة عام واحد في البلوك 4 (تنتهي في 22 اكتوبر 2023)، وهو ما اعتُبر محاولة لإرضاء باريس، رغم ان «توتال» سبق أن أوقفت الحفر في البلوك 4 بعدما سرت أخبار عن خلوه من الغاز، ومن ثم طلبت تأجيل الحفر في البلوك 9 متذرعة بقرار الدولة اللبنانية تمديد كل العقود بسبب «كورونا».
وقد رُسمت علامات استفهام حول التأجيل المتكرر، خصوصاً أنه تزامَن مع بدء مفاوضات هوكشتاين (قبل نحو 5 أشهر)، والسجال اللبناني الداخلي حول الخط 29 الذي وافقت عليه السلطات اللبنانية بعد تحديده من الجيش ومن ثم تراجعتْ عنه لتتمسّك بالخط 23 كحدود لمنطقتها الاقتصادية الخالصة.
وفي موازاة هذه الخلفية لموقف ميقاتي الذي تنصَّل من عملية«حزب الله»في اتجاه كاريش، والذي بدت «ضرورته» أكبر في ضوء إعلان رئيس وزراء إسرائيل يائير لابيد وهو في طريقه الى باريس أن «على الحكومة اللبنانية كبح جماح حزب الله وإلا سنضطر لذلك»، معتبراً أن الحزب «يلعب بالنار»، فإن أوساطاً سياسية توقفت عند المناخات التي برزت وأشيعت عن «انزعاج» حزب الله والرئيس ميشال عون من البيان الذي صدر عن رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير الخارجية، واعتبار أن الأوّل رضخ لتهويل أميركي وتخلى عن ورقة قوة على طاولة المفاوضات المرتقبة.
وفي موازاة مقدّمة قناة «المنار» التي صوّبت على ميقاتي من دون تسميته بحديثها عن«المستجيبين للمايسترو الاميركي ولو على حساب وجع ومصلحة ونفط وغاز بلدهم... وهم الراضخون لحصار واشنطن»، فإن أوساطاً مطلعة أبلغت «الراي»، أنه رغم انزعاج الحزب من الموقف الرسمي، إلا أنه «متفهِّم» له، في حين أن الأجواء عن عدم رضى عون لا تصطلح مع كون وزير الخارجية (المحسوب عليه) كان جزءاً لا يتجزأ من بيان «عدم القبول» الذي تلاه شخصياً.
وثمة انطباعٌ بأن مناخ «انزعاج» فريق عون يرتبط من جهة، بمراعاة «حزب الله» في موضوعٍ يطلّ على «شرعية المقاومة»، وأيضاً بقراءةٍ لدى هذا الفريق بأن ذلك يمكن أن يفيد المُفاوض اللبناني في مرحلة لاحقة، رغم أن المغالاة في تظهير هذا الجو تُقاس بحساباتِ وقْعها عربياً ودولياً خصوصاً على أبواب انتخاباتٍ رئاسية.