No Script

مشاهدات

صرخة للإنسانية

تصغير
تكبير

بسم الله الرحمن الرحيم

«سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا»

إنّها سنة الله عز وجل منذ أن خلق هذه الأرض، وأودعها الإنسان خليفة عليها بعد أن خصّه بالعقل المدبّر، وأبصره بالحكمة والرشاد والمعرفة، دون ما سواه من المخلوقات، فسخّر له كل ما عليها، وما يدور في فلكها، أو يختزن في بواطنها، من نبات، وحيوان، وأنهار، وبحار، وهواء، وشمس وأقمار، وثروات، وكل ذلك تكريم وتشريف ليقوم بدوره وتكليفه في عمارة هذه الأرض، وتطبيق مشيئته التي أرادها.

انها الحقيقة التي لا لبس فيها ولا تأويل، لقد سخر الله هذه النّعم للنّاس جميعاً، هي مشيئة الله التي أكدها في العديد من آياته الكريمة، إذ لم يميّز حين خاطب في آيات التسخير، بين إنسانٍ وآخر، ملكاً كان أم مملوكاً، رئيساً أو مرؤوساً، ذكراً كان أم أنثى...

وهو القائل في كتابه العزيز: «وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ»

هي العناية الإلهية التي شرّعت أبواب الخير والنعيم أمام الجميع بلا استثناء، لتكريس مبدأ الحق في المساواة بين الناس في حاجاته الأساسية، وتعزيز الشعور بالإنسانية والمسؤوليّة المشتركة...

والسّؤال الذي لا بد منه أمام هذه الحقيقة، كيف تعامل الإنسان إزاء هذه المسؤوليّة في استثمار هذه المقدّرات العظيمة؟ وماذا عن الحق في المساواة والإنسانيّة ؟

للأسف «بنو البشر»، الذين جعلوا من الأنانية بديلاً عن الإنسانية، ومن الاستئثار بالنعم بديلاً عن المشاركة في الحقوق والواجبات، فقسّمت الأوطان، ورسمت الحدود، وفرّقت الشعوب... وساد حكم القوي على الضعيف وأصبحت القوّة لمن استملك هذه المقدرات وتحكّم بها.

ولو ترك الخيار للإنسان لتقاسم الهواء الذي نستنشقه، والشمس التي نستنير بها، والسماء التي نتظللها ونسترزق من مائها... هذا الإنسان الذي لم يعِ يوماً أنّ ممارساته جاءت بنتائج خطيرة وسلبية أدّت إلى الفوضى، والتنازع، والتقاتل... وأنه لو عمل بتكليفه ومسؤوليته في عمارة هذه الأرض مع أخيه الإنسان، دون أن ينقص عليه ذلك من حاجاته، مع فارق كبير أن ذلك كان سيؤدي إلى المزيد من الاستقرار والأمان والهدوء في نمط العيش.

- نحن أمام قضية إنسانية بامتياز فهي صرخة إنسانية عالية، نتحدث عنها بجرأة وشفافية، ونناقشها بصوت مسموع، ونتحمل مسؤولياتنا في وضع الحلول الجذرية لمعالجتها الآنية والمستقبلية وفق ما أمكننا ذلك.

قضيتنا اليوم لا تشبه الكثير من القضايا الأخرى، إنها تتناول معاناة إخواننا البدون (الذين يقيمون بصورة غير قانونية فوق أراضي الكويت الحبيبة)، هذه الدولة التي طالما تغنى وافتخر بها القاصي والداني من المقيمين والوافدين وأحبّوها لحسن المعاملة، وتوفير مختلف الخدمات المعيشية، والرفاهية الاجتماعية، والأمن والأمان.

فماذا عن هذه الفئة من الناس المحرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية الطبيعيّة، أين هي حقوقهم التي شرّعها الله لهم في العيش الكريم؟ بل أين هي أبسط حقوقهم المدنية الإنسانية في الحصول على أوراقهم الرسمية التي تتيح لهم حرية خياراتهم، في الانتقال، والإقامة، والسفر أو شهادة إثبات الوفاة؟ وغيرها من المواقف التي يتعرض لها هؤلاء الناس في مواقفهم اليومية المختلفة التي تشعرهم بالدونية، في مجتمع إسلامي، كرس فيه نبينا محمد (ص) أهم مبدأ في تاريخ البشرية حين قال «لا فرق لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى».

هذا المبدأ الإسلامي الذي غفلنا عنه في تعاملنا وقوانينا، فتلقفه الآخرون وطبقوه في البلدان الغربية العديدة، تحت مسمّى المساواة في الحقوق الإنسانية المشتركة، والأدلة الكثيرة تغني عن التعريف والأمثلة التي يعيشها كل من لجأ إلى هذه البلدان لطلب العلم، أو العمل، أو اللجوء.

لم يكن ذلك وليد صدفة، بل لقد وعى المعنيون في هذه الحكومات مدى التأثير السلبي لانتشار البطالة في المجتمع، والشعور بالمظلومية لعدم المساواة في الحقوق بين الناس، وتعزيز التنافس على أساس الهوية الشخصية لا الكفاءات... وما يؤدي إليه من نتائج وخيمة تؤثر في أمن المجتمع كلجوء الأفراد إلى أساليب غير شرعية، كالسرقة، والإجرام، والغش، والكراهية، والنفور، والانعزال السلبي وغيرها...

فعملت على الحد من ذلك بطرق مختلفة أهمها تأمين فرص العمل، ودعم ومساندة المجدين، كما آمنت بأن الاستثمار بالطاقات والموارد البشرية من أهم أنواع الاستثمارات في التنمية المستدامة على امتداد السنين والقرون، فخططت ونفذت على أساسه.

ونحن اليوم أمام هذه المعضلة التي لا ينقصنا فيها إلا أخذ القرار الصائب، والسرعة في التنفيذ من خلال الاستفادة من التجارب المختلفة لمعالجة هذه القضية، محتكمين بذلك إلى ما سنه الله لنا، وأوجبه علينا، لتكون البداية في إفساح المجال أمام هذه الفئة من الناس للتنافس الإيجابي في الحصول على فرص العمل في المجالات المختلفة، بوظائف ورواتب مالية بناء على تقييم قدراتهم وكفاءاتهم الذاتية، اسوة بغيرهم من الكويتيين والوافدين، بما يساعدهم على تحسين فرص معيشتهم، للشعور بالحياة الكريمة، والاستمرارية، والاستقرار والشعور بالأمان، ومنحهم حقوقهم المدنية، لزيادة الشعور بالمواطنة والانتماء...

- العمل مهم جداً في حياة الإنسان، حيث انه مصدر الدخل الرئيسي ومصدر القوة، فمن خلاله يتمكن الفرد من تأمين كل احتياجاته الاسرية الاساسية للعيش الكريم خصوصاً الاكل والمشرب والمأوى.

الانسان العاطل عن «العمل» يصبح ضعيفاً وذليلاً مفتقداً لكرامته، وقد يكون معرضاً للآتي:

- الاتجاه الى الجريمة.

- الاستغلال البشع من بعض المسؤولين فى القطاعين العام والخاص او من ذوي المصالح السياسية او الانتخابية نظير مشاركة فعالياتهم من اجل حفنة من الاموال أو وعود كاذبة.

- نتألم عندما نشاهد اضطرار البعض منهم للعمل الشريف، يفترش ارضية الشوارع الداخلية في المناطق السكنية وتحت الظروف الجوية غير الطبيعية يقوم ببيع الفواكه وغيرها أملاً فى الربح القليل كي يؤمن قوت يومه، وبالمقابل نجد مفتشي البلدية يطاردونهم وتتم مصادرة البضاعة وحجز السيارة مع فرض غرامة مالية باهظة وتعهد بعدم تكرار ذلك...

- لماذا لا تقوم جمعيات النفع العام والجمعيات التعاونية بدورها الاجتماعي بتجهيز مواقع فى الساحات الترابية في المناطق السكنية وتزويدها بخيام ومكيفات وكهرباء، وتشمل هؤلاء برعايتها ليتمكنوا من عرض السلع للبيع فى اجواء تشعرهم بالامان وتقيهم من التقلبات الجوية...

قال الامام علي (ع) «النّاسُ صِنْفانِ إمّا أَخٌ لَكَ في الدِّيْنِ، أو نَظِيرٌ لَكَ في الخَلْقِ».

- فالكويت منارة العمل الانساني ومركز العطاء لجميع منكوبي دول العالم... أليس الاولى التركيز على تلك الشريحة في الداخل؟

ولذلك يعتبر العمل صمام الأمان ومفتاح الحياة الكريمة في هذه الدنيا، وجميع الاديان السماوية تحث الانسان على الاقبال على العمل مشروطاً بالاتقان، ليبارك لنا الله بالكسب الحلال وعمارة الارض.

إن توفير العمل والاستقرار للمواطنين والمقيمين بطريقة غير قانونية على أراضي الكويت، وإن كان لها فوائد عديدة على الأفراد، لكنها لن تكون النتائج بأقل أهمية على مستوى دولة الكويت الحبيبة، لأن ذلك سيكون صمام الأمان والنمو الاجتماعي، وتعزيزاً للمسؤولية الوطنية والاجتماعية المشتركة بين الأبناء المقيمين فوق أراضيها، واستثماراً ناجحاً وموجّهاً لمختلف الطاقات، وحلاً لمعضلة تاريخيّة، لا داعي للمزيد من التغاضي عنها في ظل كل الأزمات المتزايدة.

- قامت الدولة مشكورة بإنشاء جهاز خاص يتبع مجلس الوزراء لحل مشكلة البدون، وبعد مرور 12 عاماً، هل تمكن القائمون في الجهاز من حل المشكلة وانصاف المستحقين وكشف المدعين؟

- أليس الانجاز فى فترة قليلة هو المطلوب بدل التسويف والاطالة؟

- وللأسف هناك حالات انسانية مؤلمة مثل عدم اصدار شهادة الوفاة؛ منع الموظف من صرف راتبه من البنك بحجة عدم تجديد البطاقة الامنية؛ ومن شروط تجديد البطاقة الأمنية التوقيع والاقرار بالانتماء لجنسية دولة أخرى، ناهيك عن الحرمان من الحقوق المختلفة.

ختاماً...

الهدف من تشكيل الجهاز المركزي لمعالجة اوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، الفحص والتدقيق والتحقيق وتقصي الحقائق فى الملفات، والبحث عن الشبهات والتجاوزات للمسؤولين السابقين، وانصاف المستحقين للجنسية الذين تنطبق عليهم شروط المنح، انما التأخير في اظهار النتائج وعدم منح المستحقين الجنسية شكل ضغطاً نفسياً على مقدمها، وجعل الثقة معدومة بين الطرفين، وقد يكون هناك من يعوق اتخاذ القرارات الحازمة ويتحفظ على نتائج التحقيق...

لذلك المطلوب الاستقلالية والشفافية، وألا تخضع اللجان المعنية لأي ضغوط أثناء مراحل التحقيق وصولاً إلى النتائج النهائية، وألا تستخدم كأدوات للتصفية، بالاضافة الى انه يجب عدم اللجوء إلى لجان التحقيق كبديل عن الاحالة للقضاء بهدف حماية مقصرين.

وبذلك سنستطيع الإجابة عن السؤال: «كيف تصرفنا بمسؤولية في تكريس حق بني آدم الذي سخر الله له ما في الأرض جميعاً»؟

هي صرخة للإنسانية، ودعوة لكل إنسان مسؤول ونبيل في دولتنا الحبيبة، أن يسعى حتى بالكلمة ويرفع الصوت عالياً، لرفع هذه المظلومية الفردية والمجتمعية.

اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي