المتابع الجيد للشأن البورصوي المحلي، يدرك جيداً ثقل بيت التمويل الكويتي «بيتك» في ميزان التداولات... ويعلم جيداً أن أي أخبار متواردة عن صفقة استحواذه على البنك الأهلي المتحد - البحرين كفيلة بتغيير مسار مؤشرات التداول صعوداً أو نزولاً، وفي الحالتين القوة مرجحة.
ورغم ذلك لا نجد انسجاماً بين الشفافية المطلوبة بمثل هذه الصفقة وما يعلن رسمياً من البنكين، فجميع التصريحات المعلنة لا تتجاوز حاجز الديبلوماسية والكلام الذي يحمل أكثر من وجه خصوصاً لدى صغار المتداولين الذين يحركهم خبر ويدفعهم مثله للانسحاب، ومن ثم تعريضهم للانكشاف على مخاطر الخسارة الكبيرة بالنسبة لإمكاناتهم بسبب الاشاعات التي يغذيها الصمت غير الصحي لمسؤولي الاستحواذ.
وما يعزز أهمية هذا الكلام حركة التداولات الضخمة التي تمت منذ يوم الثلاثاء الماضي على السهمين، وتكفي الإشارة إلى أن تداولات «بيتك» بلغت في جلسة الثلاثاء الماضي 6.653 مليون سهم بقيمة 5.4 مليون دينار، فيما بلغت بالنسبة لـ «الأهلي المتحد» 11.868 مليون بقيمة 3.05 مليون دينار.
وفي جلسة الأربعاء، بلغت تداولات «بيتك» 20.487 مليون سهم بقيمة 17.508 مليون دينار و«الأهلي المتحد» 31.767 مليون سهم بقيمة 8.3 مليون دينار.
أما جلسة الخميس، فشهدت قفزة في تداولات البنكين حيث بلغت تداولات «بيتك» 25.962 مليون سهم بقيمة 22.848 مليون دينار فيما سجل «الأهلي المتحد» 37.967 مليون سهم بقيمة 10.224 مليون دينار.
وأثناء ذلك لم نشهد أي افصاحات تفسر للمتداولين سر هذا النشاط غير الاعتيادي رغم وجوب ذلك حكماً على «بيتك» لولا ما نشرته جريدة «الراي» في عددها الأحد الماضي، والذي كشف عن موافقة جهاز حماية المنافسة على استحواذ «بيتك» على «الأهلي المتحد».
ومن نافل الإشارة إلى أن «بيتك» يعد بنك جميع المواطنين باعتبار مساهمة الجهات الحكومية فيه بحصة مجمعة تقارب 48 في المئة، ما يتطلب أن يكون موقف «بيتك» زجاجياً من حيث درجة الشفافية المطلوبة منه في هذه الصفقة، ما يزيد غرابة التكتم غير المبرر استثمارياً من جانب مسؤولي الصفقة.
واستحقاق الشفافية هنا يتعاظم مع حقيقة أهمية صفقة بمثل هذه القيمة والتي تتطلب شفافية مفرطة خصوصاً أن الحديث يجري عن استحواذ بنك بحجم «بيتك» مع بنك بحجم «الأهلي المتحد»، وهو المسار الذي كان محل سؤال واسع لدى الاقتصاديين.
كما يتعين ألا ننسى موقف بنك الكويت المركزي منذ بداية المشروع والذي أكد بمواقفه المختلفة وبشكل غير مباشر، عدم قناعة مسؤوليه السابقين التامة بجدوى هذه الصفقة، ما دفعهم للاسراع إلى تأجيلها بمجرد بدء تداعيات كورونا، ليلقوا من على ظهورهم مسؤولية التسرع في إبداء أي قرار ما دام السيد «كورونا» كفيلاً بالتعذر رقابياً.
وبالطبع لا يفهم من هذا الكلام معارضة اتمام الصفقة، لكن هذا الكلام يؤشر الى الحاجة لإبداء شفافية أوسع من قِبل مسؤولي الاستحواذ، خصوصاً أن موقفهم الصامت لا يزيد مشهد التحليلات إلا قتامة، ويفرض السؤال مجدداً لماذا يتعمد «بيتك» عدم الافصاح الواجب أولاً بأول.
الخلاصة:
تحذر الوكالات العالمية من أن جميع الاستحواذات والاندماجات ليست بالضرورة مستحقة أو مفيدة اقتصادياً، فالمخاطر الاحتكارية والتنافسية في بعض عمليات الاندماج والاستحواذات قد تؤدي إلى ظهور تكتلات اقتصادية وشركات احتكارية تضعف المنافسة خصوصاً إذا كانت الصفقة بين بنكين غير متوازنين في القوة، حيث الفرصة وقتها تتنامى لتحكم الكيانات الجديدة في الأسواق ومن ثم رفع مستويات الأسعار وخفض رفاهية العملاء وبالتالي الإضرار بالصالح العام.
فضلاً عن المخاطر الاقتصادية التي يمكن أن تتحقق بالتأثير على الكيانات المنافسة والتي ستتحول غالبيتها إلى صغيرة جداً وفي الختام يحق لكل صاحب شأن أن يسأل اين دور البنك المركزي من المحافظة على الكيانات الصغيرة ما دفع بعضها الي طلب الاندماج للمحافظة على كينونتها خشية من التهامها من الكيانات العملاقة برعاية حكومية وما دفع بعض البنوك الصغيرة للانسحاب من الكويت لانعدام التنافسية.
والى متى سوف يستمر البنك المركزي بضمان ودائع البنوك المحلية مع خلقه لكيانات عملاقة عالمياً وليست محلياً ؟