No Script

بعد استقالة نواب «التيار الصدري» وتعاظم المأزق السياسي

هل يتجه العراق نحو الفوضى؟

 تظاهرة مؤيدة للصدر قبل أيام في بغداد (رويترز)
تظاهرة مؤيدة للصدر قبل أيام في بغداد (رويترز)
تصغير
تكبير

بعد ثمانية أشهر من المناكفات السياسية، قلب السيد مقتدى الصدر، الطاولة على الجميع، بدفع نوابه الـ73 إلى تقديم استقالاتهم، كخطوة أولى ستتبعها خطوات أخرى تصعيدية، كما تعود زعيم «التيار الصدري»، أي الذهاب إلى خياره المفضل في النزول إلى الشارع لإعادة الانتخابات، على أمل الحصول على الأكثرية لحكم العراق من دون منازع.

لكن ذلك لن يحدث بين ليلة وضحاها ولن يحصل من دون مواجهة من شأنها أن تؤدي إلى فوضى وعدم استقرار واضطرابات داخلية.

بعد صدور نتائج انتخابات أكتوبر الماضي، وفوز «التيار الصدري» بأكثرية المقاعد، اعتقد الصدر أنه فاز في الانتخابات ويحق له اختيار رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وذلك بالتوافق مع تحالف سني - كردي، وإقصاء الفرقاء الشيعة الآخرين، ليصبح هو الشيعي الأوحد في حكم العراق.

فذهب إلى الأحزاب الشيعية وطلب منها التحالف معه مستثنياً رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.

ولم يفعل الصدر ذلك، إلا لأن الأحزاب التي طلب منها الانضمام إليه ضعيفة من دون المالكي، وتالياً فمن السهل السيطرة عليها.

واعتقد أن اتفاقه قبل الانتخابات مع السيد هادي العامري (زعيم «الفتح» الذي يتمتع بشعبية ومكانة سياسية يقدرها الصدر) حركة كافية لدفع الأحزاب الشيعية الأخرى الموالية لإيران بعيداً عنه.

إلا أن العامري نقض الاتفاق والتحق بتحالف الأحزاب الشيعية مجتمعة تحت مسمى «الإطار التنسيقي»، وهو ما أفضى إلى تشكيل كتلة شيعية طلبت من الصدر التحالف للمشاركة في الحكم، كل بحسب حجمه النيابي، وهذا ما رفضه الزعيم الصدري.

وثمة من يعتقد أن الصدر لم يقدّر حجم النفوذ الذي بناه المالكي طوال سنين حكمه للعراق كرئيس للوزراء.

فقد ظهر ذلك لحظة الاجتماع الأول لمجلس النواب، بخروج رئيس السن محمود المشهداني من الجلسة بهدف تعطيلها بعد أن اتهم أحد نواب التيار الصدري بالاعتداء عليه.

فخرجت المحكمة الاتحادية بتوصية قضت بأن يتولى رئيس السن التالي تأمين الجلسة.

وقد أشاد الصدر في حينه بقرار المحكمة التي أعلنت شرعية التصديق على تسلم النواب جميعهم مهماتهم.

إلا أن الصدر، رغم أنه بدأ مهاجمة إيران قبل الانتخابات من دون أن يسميها بالمباشر عبر استخدامه كلمة «الشرق» كرمز لمكانتها الجغرافية، أرسل موفدين إلى طهران وإلى لبنان، للقاء من يتواصلون في شكل دائم مع المسؤولين الذين لديهم مكانة في العراق ويستطيعون استخدام علاقاتهم لتذليل العقبات، بحسب حجمها، إذا طلب منهم ذلك.

وخرجت المحكمة الاتحادية بتفسير «الكتلة الكبرى» بأنها تستطيع أن تتكون بعد الانتخابات من نواب مستقلين وكتل بعد صدور النتائج وتحت قبة البرلمان وحتى بعد انتخاب رئيس الجمهورية، مما أفقد الصدر إمكان إعلانه أنه صاحب الكتلة النيابية الأكبر، وهو التفسير الذي صب في خدمة «الإطار التنسيقي» وأعطاه الفرصة للتحالف مع مستقلين وسنة وأكراد في محاولة فشلت في التغلب على الصدر.

وأقام الصدر تحالفاً مع مسعود بارزاني الكردي ومحمد الحلبوسي وخميس حنجر (من زعماء السنة) لتصبح لديه الكتلة الأكبر من دون منازع، ومتناغماً مع قرار المحكمة الاتحادية، التي عاودت وذهبت إلى خطوة أخرى معرقلة لخيارات الصدر في تأكيدها لتفسير مشروعية انتخاب رئيس الجمهورية، الذي من مسؤوليته الدستورية تكليف الكتلة الأكبر بانتخاب رئيس الوزراء الذي اختاره السيد مقتدى من أقربائه، أي السيد جعفر الصدر، (سفير العراق لدى بريطانيا).

وأقرت المحكمة الاتحادية بأنه يتوجب على المجلس النيابي تأمين نصاب الثلثين (220 نائباً) لانتخاب رئيس الجمهورية. فذهب الصدر مع حلفائه إلى الانتخاب من دون الاكتراث للأحزاب الشيعية، إضافة إلى الكردية (حزب طالباني، الذي لا يتفق مع بارزاني، فالأخير يريد أن يستأثر بالسلطة الكردية وإقصاء السليمانية لتبقى أربيل مصدر القوة الوحيدة).

إلا أن الحلف بارزاني - الحلبوسي - حنجر - الصدر، فشل في تحقيق الرقم المطلوب (لم يحضر من النواب إلا 202) ودخل العراق في جمود سياسي.

ويسود الاعتقاد لدى دوائر مراقبة، أن الصدر يصر على أن يحكم وحده من دون إشراك الشيعة الآخرين لإلغاء المحاصصة السابقة.

ويرفض اقتراح بارزاني القاضي بالتوافق مع الأحزاب الشيعية الأخرى لتشكيل الحكومة.

وبدأ بإظهار طريقة حكمه القوي حين اصطدم نائب رئيس المجلس الصدري السيد حاكم الزاملي مع رئيس المجلس حول الصلاحيات.

... ومن واثق أنه يمسك بالحكم إلى الجمود المطلق بإصراره على موقفه التغييري والمعادي لإيران والاقصائي للأحزاب الشيعية التقليدية (التي هو أيضاً كان جزءاً منها) ولأكراد السليمانية ومعارضي بارزاني (الذين خسروا منصب نائب رئيس المجلس النيابي ورئاسة الإقليم وكانوا سيخسرون منصب رئيس الجمهورية)، قرر الصدر - بعد أن أعطى مهلاً لأشهر عدة لخصومه بتشكيل الحكومة من دونه - قلب الطاولة والخروج من المجلس النيابي.

وكان الصدر أعلن انسحابه من العملية السياسية في أعوام 2013، 2014، 2016 (اعتزاله الحياة السياسية)، 2018 (قفل مكاتب الصدر)، 2021 (الانسحاب من الانتخابات) وأخيراً انسحابه من المجلس النيابي.

إلا أن هذه المرة هي تختلف عن سابقاتها. فمقتدى يهدف إلى إعادة الانتخابات لأنه واثق أن رفضه سيحافظ على شعبيته أمام مناصريه من الصدريين وسيجلب آخرين يريدون التغيير وإقصاء الحكم القديم الذي جربه العراق.

وتالياً فإن ذلك من شأنه تخفيض عدد النواب من خصومه الشيعة وحصول التيار - كما يتمنى الصدر - على ما فوق المئة مقعد نيابي ليحظى بالثلث الضامن الذي أفتت به المحكمة الاتحادية ما يتيح له إدارة ظهره للأحزاب الشيعية الأخرى.

وفي رأي دوائر مهتمة أن هذا الأمر لن يحدث من دون مقاومة من الأطراف الأخرى. فأسلوب الصدر الصدامي سيضعه في مواجهة مع الأحزاب الشيعية التي تمتلك السلاح ولا تتفق أبداً مع مشروع الصدر في إزالة الاحتلال الأميركي عن طريق الأمم المتحدة.

فموقف الصدر السلبي من حوثيي اليمن، ومن إيران، يعتبر بالنسبة إلى الأحزاب الشيعية تخطياً للخطوط الحمر، وتالياً فإن استقرار العراق - بحسب هؤلاء - لم يعد مطروحاً ما دام الصدر هو الذي يتجه نحو حكم البلاد.

وثمة من يأخذ على زعيم «التيار الصدري» افتقاده إلى المستشارين باتخاذ القرارات والمواقف في ما يتعلق بالداخل أو بدول المنطقة أو بالدول الأخرى لوحده من دون الرجوع إلى حلقته الضيقة المؤلفة من مخلصين مطيعين وليس مستشارين لهم الجرأة في إبداء الرأي.

من الممكن أن يكتمل نصاب البرلمان بإعطاء المقاعد الـ73 الشاغرة للمرشحين الذين وصلوا إلى المرتبة الثانية ويجتمع البرلمان.

إلا أن حياته، في هذه الحال، ستكون قصيرة جداً لأن العراق لن يذهب بعيداً من دون المكون الصدري، وتالياً فإنه أقل ما يقال إن استقرار العملية السياسية تأجلت إلى موعد بعيد وأن الاضطرابات قريبة جداً خصوصاً بوصول فصل الصيف الحار وقلة الكهرباء، والخدمات مازالت على حالها الضعيفة ومطالب الشعب العراقي لم تهمد إلا عندما قرر «التيار الصدري» إخراج الجميع من الشوارع... فكيف ستكون الأحوال إذا كان «التيار الصدري» هو الذي يطلب ويدفع ويشارك في التظاهرات «المليونية» المقبلة؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي