No Script

... يومي «الأخير»

تصغير
تكبير

بين 27 يناير 1997... و31 مايو 2022، زهاء 25 سنة وأربعة أشهر.

ليست حقبة، بل حياة، «نصف عمرٍ» تقريباً أمضاهُ كاتب هذه السطور في ربوع جريدة «الراي»، في الشويخ، وبعدها في العارضية.

انتهت «القصة» اليوم، فهو يومي الأخير. ألملم ذكرى من هنا، وأخرى من هناك. أتسلق الجدران «في الوقت بدل الضائع» بحثاً عن مشهد «عُلويّ» شامل أخير لِما كنتُ... وكان.

هنا جلست. هناك مشيت. على مفترق طريق، تحدثت إلى زميل. هنا سهرت. هنا كبرت. هنا «أكل» الحاسوب من نظري عُمراً. هنا احتل البياض فروة رأسي.

والأهم أنني هنا جُبِلتُ رجلاً مسؤولاً، وهنا تَبَرْعَمَت شخصيتي ثقةً.

هنا نثرتُ نفْسي أيّاماً رَحَلَتْ لتبقى في البال.

كلّ مكان هنا، لي في خباياه بعض الـ«أنا». أصبح المكان «أنا»، و«أنا» المكان.

أرحل نحو غدٍ لن تقتفي أثره، بعد الآن، سيارةٌ دأبت، على مدى 25 سنة، أن تحملني، من دون أن نعلم، إلى مقر العمل.

سأرحل ويبقى «سهيل» هنا، مؤَرْشَفاً في صفحات جريدة تعبقُ بعطر الحبر المزعج. أرحل لتبقى هي مُؤرشَفة في صفحات قلبٍ كلّما نبض، ردّد اسمها.

أرحل وما زلتُ هنا، أركض مجنوناً بين مكاتب الشويخ والعارضية، بحثاً عن خبر أو ربما عن صورة.

سأشتاق؟ كيف لي أن أشتاق وأنا باقٍ في عيون جدران ترمُقني منذ ربع قرن من الزمن.

سأشتاق؟ كيف لي أن أشتاق إلى قلبٍ نصفه معي ونصفه الآخر زرعتُه بين صفحات جريدةٍ زرعتني هي في وجدانها فارساً منذ نعومة أظافرها.

مدينٌ أنا لـ«كبار» هذا الصرح. شكرٌ بعد رحلةٍ هو وداع، ووداعي يقضّ مضجعي.

أتوسّل أن أبقى في البال ذكرى طيبة. أن أبقى ذاك الصبي المتلعثم العاشق لألمانيا.

أشعر بأن كل «خطوة رحيل» محسوبة عليّ «خطوة عودة» بالذكرى إليكم.

أرحلُ بهدوء، كما جئت بهدوء، لتبقى «الراي» جلدتي الأصلية. هي أنا وأنا هي، وأنا أيضاً ذاك الصدى الراحل الذي لن ينفكّ يردد على مسمع عتبة الجريدة، جريدتي:

«نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى... ما الحبّ إلا للحبيب الأول»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي