No Script

مشاهدات

فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ

تصغير
تكبير

خصّ الله عز وجل في كتابه العزيز باب الاستغفار بمنزلة عظيمة، فتعددت الآيات القرآنية التي تتحدّث عن الاستغفار، وعن أهمّيته ونتائجه.

«وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا».

ويمتد أثر الاستغفار على حياة الانسان في الدّنيا ليتعدّاه إلى الغاية الأمثل وهي الفلاح في الآخرة، وما يؤكد ذلك هو اللفتة الجميلة من الأنبياء عليهم السّلام في طلب الاستغفار من الله سبحانه في أكثر من مناسبة وموضع، مع علمهم بأنهم من أهل الجنة وأن الله قد رضي عنهم، وميزهم لإخلاصهم وعبادته، أو التأكيد في دعوتهم للناس وحثهم على طلب الغفران والتوبة، إنما يأتي ذلك في منزلة الإنابة والاقرار لله والخضوع له من ناحية، ومن ناحية ثانية منهج تربوي لنا نحن لتكريس ممارسة الاستغفار في حركتنا اليومية، والعبادية.

- نتطرق هنا إلى قصة النبي يونس (ع) قصة فيها الكثير من العبر و المواعظ.

- أرسل الله نبيه يونس -عليه السلام- إلى قومه، يدعوهم إلى توحيد الله -تعالى- وترْك الشِّرك به، و حذرهم من عاقبة البقاء على ضلالتهم، إلّا أنّهم لم يستجيبوا لدعوته، وأصرّوا على عبادة الأصنام، واستكبروا على دعوة نبيّهم، واستمر بدعوتهم لسنوات، فلم يستجيبوا له، حتى بلغ به الغضب الشديد، انذر قومه وتوعدهم قائلاً بأن غضب الله سينزل ويحل عليهم بعد مرور 3 أيام وخرج من المدينة تاركاً قومه للعذاب.

- غادر يُونس (ع) المدينة فشاهد أهل القرية مقدمات وبوادر نزول العذاب، فاظلمت الدنيا واسودت السماء، وهنا عاد أهل القرية إلى رشدهم فخرجوا جميعا اطفالاً ونساءً ورجالاً إلى الساحات يدعون الله وهم نادمون، وطلبوا من الله الرحمة والمغفرة، فاستجاب الله لهم ورفع عنهم العذاب، وهم القوم (الوحيدون الذين رفع الله عنهم العذاب).

( فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ).

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}.

وعندما خرج يونس غاضباً من قريته انقطع عنه اخبار قومه، وصل إلى البحر فوجد إحدى السفن مليئةً بالركّاب والأمتعة، وركب معهم، وأثناء الإبحار اشتدّت الرياح، وخَشِي مَن فيها الغرق، وبدأوا بالتخلُّص من الأمتعة التي معهم، إلّا أنّ الحال لم يتغيّر، فقرّروا إلقاء واحداً منهم بالبحر (روحاً تفقد في سبيل أرواحاً تنقذ)، فلم يتطوع أحد منهم؟ فاحتكموا للقرعة في ما بينهم، فوقعت القرعة على يُونس - ع - (فساهم فكان من المدحضين) فألقوه في البحر ( فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ)، فعندما قُذف من السفينة مباشرة سخّر الله له حوتاً ابتلعه دون أن يُصيبه بأيّ أذى، وكأن الحوت كان منتظراً تلك اللحظة، إنما أمر الله سبحانه الحوت بألًا يكسر ليونس عظماً ولا يخدش له لحماً وأن يحافظ على سلامته.

وكان يونس في ظلمات ثلاث (بطن الحوت - ظلمة البحار - ظلمة الليل)، وبعد ذلك سمع النبي يونس صوت تسبيحات الاسماك والصخور والبحار لله سبحانه، وهو في بطن الحوت، خر ساجداً لله وقال - يارب إني اتخذت لك مسجداً في موضعاً لم يتخذه أحداً لك - وهنا دعي يونس (ع) المولى عز وجل:

( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْت مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).

الطاعة والتسليم والدعاء تنجي صاحبها، فنجاه الله كرامة له، فاستجبنا له وألقاه الحوت بالعراء وهو سقيم، العراء (الصحراء القاحلة )، سقيم (الضعف ورقة الجلد وكأنه مولود)، انبت على الأرض شجرة اليقطين (ورقته غاية النعومة، كثيف، ظليل، ولا تقترب منه الحشرات، ويؤكل كاملاً لما فيه من فوائد) وبعد ان استرد يونس قوته رجع إلى قومه فوجدهم مسلمين وقد درأ الله عنهم العذاب وفرح لذلك.

الاستغفار بوابة النجاة

‏الدعاء يعتبر من العبادات العظيمة التي يحبها الله ويقضي بها الحاجات لا تحتاج تكلفاً ولا محاباة... ‏و قبول الاستغفار قرن بشرط أساسي وهو التوبة والإخلاص في النية والعمل.

- الاستغفار بمعناه الحقيقي عناية إلهية، وفرص متكرّرة، تساعد الإنسان في تحسين ممارساته السلوكية والشعور الدائم بالعلاقة مع الخالق والرقابة والمساءلة فهو إن استغفر قولاً فإن أوّل بشائر الخير، الإحساس بالطمأنينة، والقرب من ربه الذي يخاطبه مباشرة.

- عادةً التوبة تلي العقاب، ومن حكم عليه بالذنب، فهو متهم ومدان، ولا إمكانية للعودة قبل أن يعاقب جزاءً لما قام به، ولكن عند أرحم الراحمين الاستغفار والتوبة من الأولويات والمقدمات الدينية، فالاستغفار باب لاستجابة الدعاء، وإنزال الأرزاق، ونيل الأجر والثواب...، كما أن الاستغفار لا ينحصر بالذات فهو للنفس والأهل، والناس... وكلما اتسعت المساحة كانت الرحمة أوسع.

ما أطيب روحاً يدعو للآخرين ولا يخص بها نفسه فقط.

من هنا، والحقيقة الثابتة تدلّ على أنّ باب الغفران المفتوح ما هو إلا رسالة واضحة على أنّ الغاية من الوجود الإنساني هي الرقي به إلى الصلاح في حياته الدنيوية، وإحرازه رضى الله والغفران لنيل الدرجات الرفيعة في آخرته، وما باب الاستغفار والتوبة إلا وسيلة لذلك.

هذا (الاستغفار وطلب التوبة) رأفة من الله سبحانه وتعالى، تتجلى بأسمى معاني الرّحمة، فالعقاب وسيلة لا غاية، والعفو يسبق الحساب، وفرص العودة إلى الصّواب لا حدّ لها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، بل أحياناً قد يكون كمن ولدته أمّه... حتى انّ الله سبحانه أوحى إلى ملائكته بطلب الاستغفار للعباد.

«تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».

والسؤال هنا لماذا كل ذلك، وماذا يعني؟

إنّ تفسير ذلك له معنى عميق من المهم الوقوف عنده، إذ إنّ الله عز وجل بعلمه الواسع يعلم بأنّ الخير يجلب الخير للفرد ولكل مجتمعه، وأن الشر لا يولد إلا الشّر، وإنّ طلب الغفران والوصول إلى مستوى التّوبة، تعني المثابرة على عمل الخير، وان الانحراف ولو كان بسيطاً علاجه الاستغفار والتوبة، إذاً، النتيجة صلاح في الدنيا والآخرة.

قبول الغفران هو بأمر الله وحده، فلنكثر من الاستغفار ولنتأدب في عهودنا بالتوبة لأنّ السعيد من اغتنم هذه الفرصة قبل الموت وفوات الأوان، والشقي من أغلق باباً من الرحمة شرع اللهُ أمامه على مصراعيه.

اللهم اجعلنا من المغفور لهم، واجعلنا ممن وصفتهم بالمستغفرين بالأسحار.

نردد دعاء ذو النون.

(أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ).

اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمدلله رب العالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي