No Script

خليفة بن زايد... قصره قلوب شعبه !

تصغير
تكبير

زارني - ذات يوم - من عام 2005 في مكتبي بالجريدة سفير كوريا الشمالية الديموقراطية المعتمد لدى الكويت، وكنت قد عدت للتو من رحلة استغرقت 10 أيام إلى عاصمة بلده «بيونغ يانغ» ساطراً سلسلة مقالات عن ذلك البلد «الثوري بعيون أهله والمارق بعيون الغرب»!

تزامنت زيارته مع وفاة العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز، وما إن جلس الرجل أمامي، حتى فاجأني بسؤال تظهر الدهشة من كل ملامح وجهه قائلاً: «لماذا الناس فى السعودية لا تصرخ في الشوارع ولا تشق الثياب ولا تغلق الأسواق حزناً على وفاة قائدهم ومليكهم»؟.

قلت له إن الحزن يقطع قلوب المسلمين لا ثيابهم، وألمهم تراه فى عيونهم لا في أسواقهم حين يفقدون عزيزاً لديهم، لكن محاسن موتاهم هي من تكون برداً وسلاماً على أفئدتهم، ودموعهم الصامتة هي من ترطب أعماقهم المشتعلة حزناً على فراق من... يحبون!

أنا أعـيش في الإمارات منذ حوالي خمس سنوات، ورأيـت حزناً من نوع نادر حين توفي الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة - رحمه الله - يظهر نوعاً من العلاقة بين الشعب وقائده لن تجد لها توأمة في أي عاصمة عربية! إنها ليست علاقـــة «بالروح والدم نفديك يا زعيم»، بل علاقة عائلة بعائلها وأب بأبنائه وأخ بأشقائه وعم بأبناء أخيه وخال بأبناء أخته!

إن الحاكم هنا - في الإمارات - لا يعيش فى قصره، بل يحيا تحت جلود أبناء شعبه ويسير في عروقهم مسرى الدم، فهو يتنفس من خلال رئة مواطنيه، ومواطنوه يرون من خلال عيون حكامهم وأولياء أمورهم!

وفاة الراحل الكبير الشيخ خليفة بن زايد كانت أشبه بوفاة قطعة من روح وجينات الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله، لكن سرعان ما استعادت الروح قطعتها المفقودة، واستردت الجينات ما فقد منها بتولّي شقيقه وعضده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد مقاليد الأمور ليكمل مسيرة البناء والعطاء التي بذرها والده وأخوه!

فى كل يوم أعيشه هنا في هذا البلد الجميل والشعب الأجمل، لا أنفك أسأل نفسي سؤالاً واحداً: هل من الممكن في هذا الزمن العربي الأغبر أن نجد شعباً وبلداً وحكاماً مثيلاً للإمارات؟ مبهرون في أحزانهم، مبهرون في أفراحهم، مبهرون في طيبتهم، مبهرون في كرمهم، مبهرون في ولائهم ومبهرون في... عدلهم؟!

خلال قمة الصراع والحرب بين الفرنسيين والإنجليز في مطلع القرن السابع عشر، سافر الكاتب المسرحي الفرنسى جان باتيست بوكلان الشهير بـ«موليير» إلى بريطانيا، وبعد عبوره لبحر المانش ووصوله للبر البريطاني، قطع عليه الطريق رهط من الإنجليز الكارهين للفرنسيين، فأرادوا قتله فقال لهم: «ألا يكفيني عذاباً في هذه الدنيا أنني لم أولد... إنجليزياً»؟! حين يرى المواطن العربي - في كل مكان - ما حققه زايد بن سلطان وخليفة بن زايد ومحمد بن زايد ومحمد بن راشد وسلطان القاسمي وبقية حكام الإمارات لبلدهم وناسهم، فإن لسان حاله يصرخ من أعماقه قائلاً: «أفلا يكفيني عذاباً في دنياي هذه أنني لم أولد... إماراتيا»؟!

رحم الله «بوسلطان» وبارك الله في «بوخالد»، ونعم الرجال في بلد الرجال!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي