ملتقى «الثلاثاء» احتفى بسيرته في ذكرى رحيله

تأبين / أدباء في ذكرى صديقهم علي الصافي: الحاضر رغم غيابه

تصغير
تكبير
| كتب مدحت علام |
لا يزال الشاعر الراحل علي الصافي حاضرا في اذهان الاصدقاء، الذين يتذكرون بكل ود، هذا الانسان الذي وضعته القصيدة على طريق الحلم، بينما كان الموت له بالمرصاد، ومن ثم فإن ملتقى الثلاثاء - في لفتة ود ومحبة - اقام له تظاهرة تأبينية تليق به وبما قدمه للساحة الشعرية وكذلك الصحافية من اشراقات لاتزال باقية رغم مرور سنوات على وفاته.
ولقد دعا ملتقى الثلاثاء في جلسته الاخيرة الادباء والكتاب من اجل الوقوف عند محطات جميلة للشاعر الراحل علي الصافي، ومن ثم فقد اجمع الحضور على ان تكون هذه الوقفة التأبينية تقليدا سنويا للملتقى الذي يشرف عليه ويرعاه بكل حب الروائي اسماعيل فهد اسماعيل، وذلك لمناسبة الذكرى العاشرة لرحيله عنا.
ولقد تبارى الحضور في تقديم الكلمات والقصائد الشعرية التي تتحدث عن الصافي في كل مناحي حياته الادبية وكذلك الصحافية.
وقدم هذه الاحتفالية الشاعر الزميل محمد النبهان الذي قدم قراءة مكثفة في سيرة علي الصافي الذاتية ليقول موجها كلامه للفقيد:
«اي غياب هذا يا علي الصافي الذي يطاردنا ونطارده... يطردنا ونطرده، يدخل بيوتنا وندخل بيته الضيق البارد! يا علي... حين غيبك الموت لم يكن يعرف انه اخذ شاعرا جميلا حرك المشهد الشعري كله بديوان يتيم كان صادقا وحقيقيا، يشبهك حد كتابة السيرة ما مضى منها وما سيأتي ومنتحلا... يشبهنا، ويشبه شخصا آخر هو علي الصافي وحده. لم يكن يعرف الموت انه اخذ صحافيا نادرا استطاع هو وقلة من مجايليه ان يبثوا الحياة في الساحة الثقافية، وماتت بغيابهم، لا ادعي انني جلست معك، لا ادعي اننا سهرنا في مقاهي الوحدة وحدنا تحت ليل الوطن وتفرسنا في ملامح بعضنا، ليكتب كل منا قصيدة الآخر، لكنني اعرف اننا جلسنا اكثر وسهرنا وتأملنا اسرارنا وكتبناها كثيرا، فماذا عسى ان يقول عنك من عاشروك صديقا واخا».
كما قرأ الشاعر عباس منصور قصيدة «يا علي... هي ذي خديجة حركت ساكنها» قال فيها:
هذا المساء
اتذكر
«يا ما» علمتني امي
ان امثالك «ابن موت» يا علي
لكنني - يا لغبائي - وككل مرة
لم ألتقط طرف الاشارة
او انني بارادتي تجاهلت سمت الموت في حضورك
في شجارك...
في انسحابك العاصف من حشد «الرابطة»
في ذاك المساء
وألقى الشاعر الزميل دخيل الخليفة رؤيته الخاصة في ذكرى علي الصافي، والتي اعطى لها عنوان «حديث خارج السهو» قال فيها: «في العام 1987 دخلنا مراهقة الابجدية في صفحات القراء، كان للصافي الذي يصغرني بثلاثة اعوام كتابات ساخرة مع صديقيه الشاعرين نايف الرشيدي ونايف بندر العتيبي، فضلا عن نشاطه في الشعر الشعبي متأثرا بطقوس المنطقة التي نثر حزنه في ازقتها، كان يقطن طرف الخارطة جنوبا، وانا في الطرف الشمالي، وحينذاك كان الشعر الفصيح يتقيأ الغبار. كبرنا في حضن صفحات القراء - وعليها - دون ان نتصافح إلا بعد رحيل الغيوم السوداء في بداية التسعينات، وآنذاك لم يجد الصافي سوى شارع الصحافة ملاذا من جوع في وقت كنا كمن يجلس على كرسي الموت». واضاف الخليفة: «يا الولد الانيق، العلي، الطويل، البهي، العصي، المستحيل، يا الولد الشاعر، السيد، المشاكس، القلق، المفاجئ، المباغت بالحب دوما، الصافي قلبا وشعرا وحياة... علي الصافي، الساكن في الحضور رغم غيابه العاشر، يجلس هنا في وجوه احبته واصدقائه وزملائه، اراه في تقاطيع وجوههم، في حساراتهم في ذهولهم لفقده، هو الذي فعلها مرة واختفى، كما عبر ذات قصيدة، فعلها واختفى لأنه الاصدق في تعبيره عن داخله، وعن خط الفحيحيل الذي كان يمخره بسيارة امبالا، اودت بحياته في حادث مروري فجر العيد، الثامن من يناير لسنة 2000! علي الصافي... تأخرنا عنك كثيرا، وحين حين نتذكرك اليوم، في تاريخ ارتبط برحيلك، نريد ان نستعيدك نصا وحالة لا تتكرر كثيرا نريد ان نمنح انفسنا فرصة خيانة جديدة، لنفتش في حقائبك السرية عن نص مغاير، نص يشبهك - يشبهنا تماما فهل تسعفنا الصدفة. وكان للشاعر الزميل آدم يوسف كلمته التي استهلها بقوله: إلى اين نسير والحياة اضيق مما نحتمل؟... عبثا نواجه الموت ونحاول ان نلتحم بخيط ضئيل لا يتسع لأضيق احلامنا بعد ان لفظتنا الارصفة وسخرت منا المدائن ما الذي يمكن ان نتشبث به وكل الاشياء الجميلة تتسرب من بين اصابعنا تماما، مثل حلم ظل يانعا وفتيا حتى اللحظة الاخيرة. حلم ظل يراوغ مصيره، ويحتمي بكبريائه وشموخه الاعلى من كل مؤسسة رسمية، يمكن ان تمنح صكوك المغفرة او جوازات سفر لا فرق». واضاف حين تلتقي بعلي الصافي امامك خياران لا ثالث لهما، اما ان تحبه واما ان تحبه وحين تقرأ علي الصافي تعجب كيف يتصيد اشياء نعايشها كل يوم ونغفل عنها وبقلم المبدع المراقب يصوغها شعرا لتعود الينا بوجه جديد».
واستطرد قائلا: «يشرد كثيرا بذهنه وخيالاته يفكر يتأمل يصوغ اشياء الحياة كما يريد ثم يبعثرها ويعود يجمعها من جديد، هكذا هو علي الصافي هذا المبدع الشفاف كان يحمل في داخله سيلا من الحب والشعر لن تمر عليه لحظة دون تأمل او تساؤل كان ينزع نحو المعرفة ويفلسف اشياء الوجود لم يكتب - علي الصافي - يوما من اجل شهرة او اعلام وانما شعره جزء منه خلق معه وتربى في داخله حتى كبر وشب عن الطوق، فكان ديوانه الاول خديجة لا تحرك ساكنا وكانت اوراقه المبعثرة في كل مكان وكانت قصائده الموزعة ما بين الاصدقاء ومكتبه في الجريدة وحجرات منزله ومقصورة سيارته المهشمة، ضاق علي الصافي بالحياة او ضاقت به فتبعثر - شعرا - في كل مكان ليلمه الجميع ويحتفوا به ما اصعب ان نحتفي بأوجاعنا ولكنها مشيئة الاقدار وصدمة العيد المريرة».
كما قرأ الشاعر الزميل ابراهيم الخالدي قصيدة رثاء تحدث فيها عن هذا الشاعر الصديق الذي كانت الكلمة حياته ومماته ايضا. وفي ختام الجلسة التأبينية تقدم الحضور بمقترحاتهم ورؤاه حول تفعيل مثل هذه الاحتفالية، وجعلها تقليدا سنويا لملتقى «الثلاثاء» الثقافي، بالاضافة إلى محاولة اصدار كتاب يضم كتابات الراحل علي الصافي الشعرية والنثرية، وكل ما كتب عنه بعد وفاته.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي