عبد الرحمن عبد المولى الصلح / في ذكرى عاشوراء: أنا سنّي حسيني!

تصغير
تكبير

هل هناك أسمى من ذكرى استشهاد الإمام الحسين، رضيّ الله عنه (ولد عام 4 للهجرة واستشهد في 10 محرم سنة 61 هجرية في كربلاء) لكي ننبذ، التفرقة والتشتت بين المسلمين، لا بل بين المسلمين والمسيحيين، خصوصاً في لبنان؟ أو لا يكمن التحدي في جعل ذكرى عاشوراء، محطة إسلامية مميزة ومتميزة تتخطى المذاهب والفرق الدينية، لتجسيد رسالة الإسلام مما تحمل من معاني النبل والسماحة والتعاضد؟ لكنّ، الواقع، هو غير ذلك مع الأسف. والسبّب فتش عن السياسة، ومن وراءها، من السياسيين الذين لا يألون جهداً لتكريس التفرقة على حساب دينهم النبيل ووطنهم الغالي! وكانت آخر مظهر من مظاهر التفرقة، الاختلاف في تحديد أول أيام عيد الأضحى.

لقد آن الآوان أن نسدل الستار عن الإجحاف والظلم الطائفي والذي يرجعه البعض الى ما يزيد على الـ 1400 عام، علماً إنّه في كل تلك الفترة، ابتداءً من معاوية بن أبي سفيان، كان الأمرُ فيها سياسياً وليس دينياً. لكن، ومع الأسف الشديد، فحصر الموضوع «بالسياسي» لا يُثير عامة الناس، فكان لا بد، من صبغه، بطابع ديني لإضفاء هالة من القدسية عليه، لحصد مزيدٍ من الأتباع.

إنّ أحداً لا يعترض على أنّ ما لحق بالحسين رضي الله عنه، هو الظلم نفسه والهمجية بعينها والاتفاق لا خلاف عليه حول كره من اغتاله. والكل، حزين على تلك الفاجعة التي ألمت بالمسلمين، ولكن يبقى السؤال عن كيفية وآلية التعبير عن ذلك الحزن. في هذا الإطار، هناك جانبان، الجانب الإيجابي والذي يتمظهر في تجسيد التعاطف وتمجيد مُثل التضحية، إضافة الى التعبير السلمي ضد المظالم وآخر سلبي ينعكس بجلد الذات: التسويط والتطبير واللطم. وفي هذا الصدد يذكر المؤرّخ العراقي القدير رشيد الخيون («عاشوراء...فتاوى ضد تكريس الكراهية» «الشرق الأوسط» 08/03/2006) أن السيد محسن الأمين (توفي عام 1954) حرّم في رسالته «التنزيه لأعمال التشبيه» استخدام القامات، والتسوط بالسلاسل وغيرها. وقد جابه الأمين حملة شعواء، انتهت بتكفيره ( راجع «أعيان الشيعة»). ويضيف الخيون أن السيد أبو الحسن الأصفهاني (توفي عام 1946) أفتى بتحريم ضرب الرؤوس، ولطم الصدور، وتسويط الظهور، ودق الطبول (مجلة الموسم). وكذلك أفتى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (توفي عام 1954) بحرمتها، إلا أنه تراجع حذراً من تحريك العوام ضده. قال: «إن في صدري لعلماً جماً أخشى أن أبوح به من الشياطين الذين يوجهون العوام وفق مقاصدهم» (الخاقاني، شعراء الغري). وهنالك أيضاً، فتوى المرجع الإيراني حسين البروجردي (توفي عام 1961) جاء فيها «إنها حرام في حرام». ويختم الخيون قائلاً انه كان للصفويين دور كبير في إشاعة الغرائب على مراسم عاشوراء التي كانت تكتفي بالمراثي والتذكر.

وباعتقادي، أنّه مع نبذنا واحتقارنا واستنكارنا للطائفية والمذهبية لعنهما الله، فيجب أن تجسد ذكرى عاشوراء معاني التعاضد والتماسك والاخوة والمحبّة بين أبناء البلد الواحد...لذلك أكرّر ما ذكره الدكتور عائض القرني «أنا سنيّ حسيني، جعلتُ ترحُمي على الحسين مكان أنيني، أنا أحبُ السّبطين، وأتولّى الشيخين، أنا أعلن صرخة الاحتجاج، ضد ابن زياد والحجاج، يا أرض الظالمين إبلعي ماءك، ويا ميادين السفاحين اشربي دماءك. لعنة الله وملائكته والناس أجمعين على من قتل الحسين أو رضي بذلك» («الشرق الأوسط» 25/01/2007).

وبعد،

يا سيدي الحسين، يا حفيد رسول الله، صلوات الله عليه، يا سيد شباب أهل الجنة وشقيقك الحسن، كما جاء عن النبي الكريم، في ذكرى استشهادك، أخجل أن أقول لك يا سيدي، بأنّ هناك من يُلوّح بالفتنة، وأنّ الفرقة، أضحت سائدةً، وأنّ وطني جريح يئن ويتألم...وأن لبنان الرسالة، لبنان الواحد الموحد، لبنان المسيحي المسلم، لبنان الصيغة الفريدة في خطر! وأنا أعرف، أنّ هذا ما لا ترضاه ولا تريده فعسى أن تكون ذكرى استشهادك، مناسبة للملمة الجروح، وإشاعة الاخوة والمحبة فيما بينّنا.

ويا سيدي،

في ذكرى استشهادك أصرخ، ليس ملء فمي، بل ملء قلبي: أنا سنيّ حسيني. لا بل أكثر أكثر، أنا لبناني، أؤمن بحرية الإنسان، بكينونته، بفرديته وبخياراته والأهم من ذلك... بإنسانيته!


عبد الرحمن عبد المولى الصلح


كاتب لبناني

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي