على الهواء

الصوفية بين الفلسفة والأدب (1من2)

تصغير
تكبير

شغل محيي الدين بن عربي، الفكر العربي في الفلسفة والأدب، وشغل الناس بآرائه المتقدمة وأفكاره المنطلقة... زعم بعض الباحثين أنه من القائلين بوحدة الوجود، بمعنى أن الله سبحانه والمخلوقات شيء واحد (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً).

هذه القضية شغلت الفلاسفة قديماً وحديثاً، قال بها «هيراقليطس» في العهد اليوناني وقال بها (شلي) في العصر الحديث، وهي في حقيقتها بهذا المعنى «وحدة الموجود» وليست «وحدة الوجود» والباحث المنصف يرى أن ابن عربي الواحد وغيره من المتصوفة الأصلاء لم يقولوا بوحدة الموجود بل قالوا «بالوجود الواحد» وهناك فارق كبير بين (وحدة الوجود بمعنى وحدة الموجود».

وليس أدل على ذلك أيضاً مما قاله ابن عربي في نصائحه لتلاميذه ومريديه، إن القريب من الله يعرّفنا بصلته السامية ويقوم بتعريفها لنا.

قال محيي الدين في موطن آخر من كتابه: «نفائس العرفان»: اجلس مع الله تعالى على بساط التوحيد وتأدب بآداب التقاة فقل: (ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيرا) ومما قاله ابن عربي شعراً مدافعاً عن الشريعة الإسلامية، ومتمسكاً بها وهي الشريعة البيضاء التي لا تدل إلا على الخير، ولا تدعو إلى البصيرة... جاء في كتابه مواقع النجوم:

علمُ الطريقة لا ينال براحة

ومقايس، فاجهد لعلك تظفر

عجزت علوم القوم عن إدراك من

لا تعتريه صبابة وتغير

وتنفس مما يجن وانه

وجوى يزيد وعبرة لا تفتر

كتب الكثير عن ابن عربي وملئت الكتب والمجلدات من أقواله في فلسفته وشعره ومما يلفت النظر في فكر ابن عربي أنه كتب في الموشحة الشعرية كظاهرة من ظواهر التطورات الشعرية في ذلك الحين وإذا كان الشعراء قد استخدموا الموشحات في موضوعات شتى كالغزل، ووصف الطبيعة، والمديح والرثاء فإن ابن عربي قد أنشأها في السبحات الصوفية المليئة بالشفافية المترعة الى المشاركة في تطور شكل القصيدة العربية كما شارك غيره في أنواع القريض، وهذه نماذج من فئة في الموشح:

سرائر الأعيان، لاحت على الأكوان للناظرين

والعاشق الغيران، من ذاك في حران، يبدي الأنين

يقول والوجد أضناه، والبعد قد حيره

لما دنا البعد، لم أدر من بعد، قد غيره

وناد يا رحمان، يا رب يا منان، إني حزين

أضناني الهجران، ولا حبيب دان، ولا معين

والباحث في اسلوب ابن عربي يجد كثيراً من عباراته تحتمل معنيين أو أكثر: أحدهما ظاهر، وهو يشير به إلى ظاهر الشرع، والثاني خفي وهو ما يخاطب به ذوي الحالات والأذواق الخاصة وكثير ما كانت قوة تفكيره تخضع لقوة خياله، فيلجأ إلى التشبيهات والرمزية والأساليب المجازية لشرح المعاني الدقيقة، لأنه لا يجد إلا لغة الإيماء والرمز والخيال والعاطفة ليعبر بها عن تلك المعاني الدقيقة التي لا يدرك حقيقتها إلا من ذاق مذاقه... وهو مع ذلك لا يلتزم الرمزية باطراء فقد يرمز إلى شيء وفي موضع ثم يعود فيرمز به إلى شيء آخر مما يقتضيه المقام.

توفي ابن عربي في 638 هـ 1240م، وقد لقب بالشيخ الأكبر، ولد في مرسية ونشأ في أشبيلية ورحل إلى الشرق واستقر في دمشق وتوفي فيها.

من كتابي: مواقف في الحياة (الجزء الأول).

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي