المسلسل اتخذ مساراً مختلفاً عن «دراما رمضان»

«عائلة عبدالحميد حافظ» استحضر أجواء «التسعينات» في هوى «العندليب»

تصغير
تكبير

لا يختلف اثنان على أن مسلسل «عبدالحميد حافظ» اتخذ مساراً مختلفاً في الماراثون الدرامي على شاشة رمضان، حيث استحضر العمل أجواء التسعينات من القرن الماضي، بعبق العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ.

تدور الأحداث حول عائلة عبدالحميد سرحان، الذي احتل بيته هوى «العندليب»، فانعكس ذلك على حياته وتصرفاته، داخل البيت ومع زوجته، وأبنائه الذين كانت لكل واحد منهم حكايته وخطه الدرامي الخاص به.

لو بدأنا من رأس الهرم في «عائلة عبدالحميد حافظ»، وهما «فضة» (الفنانة نور) و«عبدالحميد» (الفنان أحمد الجسمي)، لوجدنا مدى التجانس الفني بين الشخصيتين، فكلاهما متحابان جداً، ويشكلان معاً ثنائياً رائعاً في ضبط زمام العائلة، قبل أن تتوتر العلاقة بينهما في منتصف العمل، بسبب حدثٍ يهزّ أركان البيت فيصحو على إثره الوحش النائم في أعماق عبدالحميد، ومن هنا قد يتغير مجرى الأحداث في نصفه الآخر.

«اللمّة الحلوة»

تميز العمل بترابط أحداثه، التي أنعشت الذكريات بالحياة البسيطة في التسعينات، حيث أتاح الفرصة لأفراد العائلة كلها أن تحظى بالمشاهدة من دون شعورها بالخوف من ظهور مشهد خادش أو كلمة بذيئة قد تعكر صفو تلك «اللمّة الحلوة» بين الأهل، وهذا ما جعله مسلسلاً عائلياً بامتياز.

وكذلك يعتبر فرصة «لجيل الألفين» لكي يتعرفوا على ما فاتهم في العقد الذي سبقهم، سواء لناحية الموضة الدارجة وقتذاك، أو السيارات القديمة التي لم يعد لها وجود في زماننا هذا، وكيف كان الناس في تلك الفترة يستمتعون بأبسط الأشياء ومن اللا أشياء... فأغنية للعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ مثلاً، كانت تكفي لإسعادهم وتحسين مزاجهم.

سلاسة المسار

وهنا لا بد من الإشادة بالمخرج الشاب سعود بوعبيد لأنه قدم لنا عملاً ثرياً على الصعيد التقني - وإن وجدت هناك بعض الأخطاء - فهذا لا يُعيبه كمخرج، فالخطأ وارد بمثل هذه الأعمال الحقبوية، التي تتطلب تركيزاً عالياً ودقة بالغة في الحبكة الإخراجية، على عكس الدراما المُعاصرة.

بل يكفيه فخراً أنه أبدع في إخراج الصورة السينمائية المبهرة التي شاهدناها، وبثّ تلك الأجواء الكلاسيكية، بأسلوب فني سلس ومن دون تكلّف.

كذلك أبدعت الكاتبة مريم نصير في نسج الأحداث الدرامية، كمن يرسم بالريشة أبطال روايته، حيث خطت لكل شخصية مسارها الخاص بها، انفعالاتها وتعابيرها، همومها وأفراحها، بساطتها وعنفوانها، فأسندت حواراتها على كوميديا الموقف، لتبدو اللوحة أجمل بشكلها العفوي.

مفاجأة جميلة

ومن المفاجآت الجميلة التي تخللها العمل هي مشاركة الفنانة سماح، التي غابت عن الشاشة التلفزيونية لسنوات، بسبب انحيازها للمسرح، فقد أبدعت بتجسيد دور «نجاة» بكل اقتدار، وبدا الدور كما لو أنه كُتب خصيصاً لها، ولا يمكن لنا تصوّر أن فنانة أخرى ستكون قادرة على تأدية الدور بهذه العفوية المفرطة، والكوميديا التلقائية في التعبير اللفظي والحركي، سوى فنانة مثلها تكون متمكنة ولديها الخبرة والإتقان التمثيلي.

أيضاً لا نغفل تألق ابنها «خالد» (أحمد بن حسين)، الذي أبهرنا بخفة دمه وروح الدعابة التي يمتلكها، وهو الذي نجح في تقديم شخصيات تراثية لأزمنة قديمة جداً.

في خط درامي آخر، لعبت «زبيدة» (سارة صلاح) دور الزوجة دائمة التذمر من زوجها «ماجد» (حسين الحداد). فبالرغم من حبه الكبير لها، إلا أن الزوجة لا تنظر إلى هذا الحب بمعناه العميق، بل تشكو باستمرار من عدم إحساسه بمسؤولياته تجاهها، خصوصاً وأنها كغيرها من النساء تحب أن يفاجئها زوجها بالهدايا القيمة، والماركات العالمية، أو بالسفر إلى مروج أوروبا، فكانت عند حسن ظن المخرج بها.

البليد... و«ملح العمل»

أما «عصام» (فؤاد علي) فقدم دور الشاب الهاوي لفن التصوير والمتعصب للمنتخب الإيطالي، لكنه في المقابل هو بليد المشاعر مع زوجته «ابتسام» (زينب أحمد)، خصوصاً وأن الزوجة تشعر دوماً بالنقص كونها أكبر منه، لذلك فهي تعاني من عقدة الشيخوخة، وخوفها من هروب زوجها منها، حتى بلغت الغيرة والشكوك في نفسها إلى حدّ التجسس عليه، فقدم كل منهما يوميات المتزوجين، بحلوها ومرها، بعفويتها وجنونها.

من جهتها، تألقت الفنانة هيا عبدالسلام في تجسيد دور «سعاد» التي كانت بحق «ملح العمل» سواء من خلال ردّات الفعل الكوميدية، أو الانفعالات اللا إرادية، فكانت تضحكنا حيناً وتجبرنا على التعاطف معها في أحيان كثيرة.

في حين تعاملت الفنانة إيمان العلي مع شخصية «نادية» التي جسدتها باحترافية شديدة.

ونادية هي الابنة الكبرى في عائلة عبدالحميد، ولكن تشعر دوماً بالوحدة، لكونها «العانس» الوحيدة من بين أخواتها، وهو ما يدفع أختها «سعاد» إلى بث أمل زائف في نفسها، حين تكتب لها رسائل الحب، المعنونة باسم عاشق لا وجود له في الواقع، وما تدري أنها بفعلتها هذه، قد وضعت الملح على جرح نادية.

العمل لا يزال في أوج أحداثه، ولم يَبُح بكامل أسراره، وقد تحمل الحلقات المقبلة مفاجآت غير متوقعة، وحينها ستكون لنا قراءة فنية شاملة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي