No Script

مشاهدات

ربيع القلوب

تصغير
تكبير

نحن في رحاب شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والمغفرة، شهر فيه الكثير من الفضائل التي لا تعد ولا تحصى، شهر تفتح فيه أبواب السماء وأبواب الجنة وتغلق فيه أبواب جهنم وتكبل الشياطين، شهر أنزل فيه القرآن الكريم (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).

- شهر من ضمن أيامه «ليلة القدر» التي تعتبر خيرا من ألف شهر، فأيام الخير معدودة فاز من اغتنمها، فهي سوق رابحة للمتاجرة مع المولى عز وجل، بل هو شهر فيه الكثير من الغنائم ربح ونجا من اغتنمها، نسأل المولى عز وجل التوفيق لكم ولنا في اغتنام تلك الليالي المباركة.

«لكل شيءٍ زكاة وزكاة الأبدان الصيام».

- ففي هذا الشهر، فرض المولى عز وجل علينا الصيام أي الامتناع عن الأكل والشراب لفترة من الزمن يومياً، و صوم البدن هو الامتناع عن الأكل والشراب، وصيام الروح هو السيطرة على الشهوات، وغذاء البدن الطعام والشراب الحلال مع أذان المغرب، وغذاء الروح العبادة و قراءة كتاب الله والعلم النافع.

- خلق الله الانسان من مادتين (الجسد -الروح) بمعنى الجسد هو الغلاف الخارجي المرئي تسكنه الروح غير المرئية، فالجسد مصدره الطين والروح مصدرها نفخة علوية من السماء.

«فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ».

- نلاحظ بأن الإنسان يعيش في عالم تسوده الماديات، وتطغى فيه المظاهر البراقة، ويسعى متنافساً باذلاً قصار جهده ووقته لامتلاك كل ما يحتسبه الأفضل لحياته وراحته الجسدية، فالمسكن فسيح جميل، والملبس بهي أنيق، والغذاء صحّي لذيذ.

لقد أدرك الإنسان حقيقة الجسد، وتبحر باحثاً حول أسباب الحفاظ على هذا الجسد، مسخراً لهذه الغاية الإمكانات العلمية والعملية كافة، فحرص على الاهتمام به ووفر له الغذاء والعلاج اللازم، ولم يترك وسيلة تفوته.

أليس من الغرابة أن يكون هذا هو حالنا ونحن نعمل لأجل جسد نعلم حتما بحقيقة فنائه عاجلا أم آجلاً ؟

بالمقارنة مع إغفالنا لأرواحنا الخالدة الباقية بأمر ربها - أليس الأولى أن نهتم بجانبنا الروحي قبل الجسدي، فنقوم بشحذها وتغذيتها روحياً لتعرج بنا إلى الملكوت الأعلى طاهرة نقية.

فكما أن الجسد لا يستمر ولا ينمو دون تأمين حاجاته الأساسية وفي أولوياتها الغذاء، فإن للروح أيضاً حاجاتها وغذائها التي تجعلها ترتقي وتصفو.

ولعل أهم ما تحتاجه أرواحنا من غذاء روحي هو كلام منزل من ربّ رحيم، فالقرآن الكريم ربيع القلوب، وسيلة لإنعاش هذه الروح التي ستسبح بين آياته مترفعة عن كل ما هو وضيع، فتعيش حلاوة الإيمان، وهو الحال في اللحظات التي نعيشها عند التوجه إلى الله بالدعاء والتذكر، فنستغرق في حالة العبوديّة التي تسمو بأرواحنا بعيداً عن براثن النفس وملوّثاتها الدنيوية.

أما ما سنحصده من نتائج عظيمة جراء قيامنا بالاهتمام بالجانب الروحي والتوجه إلى الله بالعبادة والصلاة وقراءة القرآن والقيام بالأعمال الصالحة ومساعدة الفقراء وتفقد المحتاجين، فلا شك أن هذه الأعمال الصالحة سيكون لها الأثر الإيجابي في الدنيا والفوز الأكبر في الآخرة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

- عندما يمرض الإنسان يلجأ إلى المشفى لتلقي العلاج اللازم، ولكن عندما تمرض الروح لمن الملجأ؟ بالتأكيد يكون اللجوء إلى كتاب الله المجيد وقراءة (القرآن الكريم) الذي فيه الشفاء والرحمة، فهو الغذاء والدواء والنظام للروح، فالقرآن هو الغذاء الروحي للإنسان لأنه يُحيي نفسهُ، تماماً كما يُحيي الأكل والشرب جسدهُ، فالله تعالى يُحيي أنفسنا بالآيات البينات التي أنزلها علينا ووضعها لنا في محكم كتابه.

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}.

- عادة عندما نقرأ كتاباً ما لأكثر من مرة، فإن الملل والضجر يتسربان إلى نفوسنا فندعه جانباً ولا نعود إليه إلاّ بعد فترة طويلة من الزمن، في حين أن القرآن الكريم لا نمّل منه، فهو الكتاب الوحيد الذي لا يُمّل منه حتى لو كنا نحفظه ونواظب على تلاوته يومياً، نشعر بحاجة دائمة إليه خاصةً أن النفس الإنسانية تتقلّب بين حالات عدة مثل (الحزن والفرح والضجر والقلق واليأس والتفاؤل والتشاؤم)، وتتأثّر حالتها المزاجية بأحداث حياتها اليومية وما يستجد لها من أمور، فالقرآن يخاطب النفس الإنسانية في جميع حالاتها، ومن ثم فإذا تدبّر الإنسانُ كتاب الله انكشفتْ له وجوه متجددة من الدلالات والعبر والفوائد على المستوى الفردي والجماعي، وكلّما قرأ المزيد من الآيات زاد إقباله على الله.

«الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

فالقرآن الكريم هو الطريق إلى الله سبحانه، ولا نجاة بغيره، هو الأنيس والجليس، وكتاب الهداية والقيم لا شبهات فيه وهو منهج الإصلاح للإنسانية جمعاء.

القرآن الكريم معجزة الله حتى قيام الساعة، كلما تصفحت صفحاته ينكشف للقارئ الفيض المكنون، فهو منبع النور إلى القلوب فهو يخاطب القلب والروح والعقل، كل سورة فيها إعجاز وحكم، وفيه دلالات جميع أنواع العلوم والشرائع على أكمل وجه.

(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ) فهو خير كتاب أخرج للناس.

اقرؤوا مصافحكم أُجْبِرُوا تقصيركم، أَطِيلُوا سُجُودكُم، زِيدُوا فِى نوافلكم، وَأَلَحّوا بدعواتكم وَاجْعَلُوا شَهْر رَمَضَانَ حياةً لِقُلُوبِكُم.

اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمدلله رب العالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي