No Script

مشاهدات

صدقة ولكن!

تصغير
تكبير

نستقبل شهر الخير وشهر الله شهر رمضان المبارك بفرحة واشتياق بالغين لما فيه من خيرات كثيرة، وبركات عظيمة، فهو شهر الرحمة وغفران الذنوب وتكفير السيئات.

كل المسلمين في شتى بقاع العالم يتهيئون ويستعدون لاستقبال هذه الأيام المباركة التي سرعان ما تمر أيامه وتنتهي، وهنا في هذه الأيام نتذكر أحبة لنا وأبناء وإخوة وأصدقاء وأقرباء حالت بينهم وبين شهر رمضان المنية، فندعو لهم بالرحمة والمغفرة.

اللهم إن أمواتنا اختفوا من حياتنا ولكن لم يختفوا من قلوبنا ولا ذاكرتنا، أسألك يا رحمن يا رحيم أن ترزقنا اللقاء في جنتك، وأن يكونوا مشمولين في رحمتك وعطفك يا رب العالمين.

يعتبر شهر رمضان من أعظم المواسم في التجارة الرابحة مع الله، فهو شهر التواصل مع الفقراء وتفقد أحوالهم ومساعدة المحتاجين، قال المولى عز وجل: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).

يعتبر مفهوم الصدقة من المفاهيم المتجذرة في الإسلام، وقد قرنت الصدقة والزكاة بالصلاة في الكثير من الآيات، وقد تعددت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحدثت عن الصدقة والحث عليها، وثواب وأجر من يتصدق بماله على الفقراء وطرق الخير وما تتركه من آثار وفوائد عظيمة على الفقراء والمحتاجين، وعلى المجتمع الذي يعيشون فيه، كذلك الآثار التي تعود على المتصدقين والباذلين لأموالهم في سبيل الله، وما وعدهم الله به من النعم والرحمة والمغفرة في الدنيا والآخرة، ودفع البلاء وإطالة العمر وسعة الرزق.

وليس غريباً أن نجد هذا التركيز على الصدقة وأجر من يتصدق، إذ إن الصدقة هي نواة التكافل الاجتماعي، إن صح هذا التعبير، ووسيلة لتعميق الصلات الإنسانية وإظهار المشاعر النبيلة والإحساس بمعاناة الآخرين، وقد تكون من جهة أخرى باباً من أبواب المسؤولية المجتمعية من خلال تلك الهبات من الأراضي والممتلكات التي يبذلها المحسنون والتي تساهم في إنشاء المشاريع الخدماتية التي تفيد المجتمع وأبناءه.

فلو انتشرت عادة الصدقة بين الناس، وحرص كل إنسان على تكريسها كجزء من حياته بهدف دعم وتحسين حياة قريب أو فقير أو مسكين أو محتاج... لعمّ الخير وانتشرت المحبة والمساواة بين الناس، والحياة الكريمة لكل إنسان.

أليس هذا هو حقيقة الصدقة والهدف منها في المفهوم الإسلامي بكل غاياتها وأبعادها والذي أكد الإسلام عليها وحث الناس عليها، والذي تربينا عليه، هي صدقة غير مشروطة بكم أو نوع أو زمان، جل ما في الأمر أن تصب هذه الصدقة في مصلحة قريب بائس أو فقير أو مسكين محتاج، هي صدقةٌْ تخرج بطيبة قلب دون منّ أو أذى، كما قال الله تعالى (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )، أو ليست هي الصدقة التي تقع في يد الله قبل أن تقع في يد العبد؟

إذا كانت الإجابة بنعم، فإذاً ما الذي يحدث اليوم وقد بتنا لا نملك حرية الإنفاق في سبيل الله ولماذا تكون صدقاتنا مشروطة بجهة أو أناس محددين دون غيرهم بعد أن فرضها الله عز وجل للأقربين والفقراء والأيتام والمساكين وأبناء السبيل وحتى على الكفار إن مسهم الجوع؟، فلا يجوز في الإسلام قتل الناس جوعاً حتى لو كانوا أعداءً لنا، فلا يوجد في الإسلام ما يسمى بالحصار ومنع الطعام عن الآخرين، فالطعام يجب أن يصل إلى الجميع، أليس الإسلام يحثنا على إطعام الأسرى من الأعداء والرفق بهم؟ فيجب ألاّ نمنع من وصول الطعام والحاجيات الأساسية التي هي من مقومات حياة الانسان أياً كان هذا الإنسان أو دينه وبأي بقاع من الأرض كان، أما حان لنا أن نتأمل في ممارساتنا ونتّبع أحسنها، ثم نعود الى تطبيق سنن الله كما أراد لنا لنفلح في الدنيا والآخرة.

فالصدقة ومساعدة الآخرين نهج شريعة السماء لا تقتصر على قومية أو حزبية أو دينية أو عنصرية لمساعدة المحتاجين في مختلف بقاع العالم وهو أمر إنساني، والعمل الإغاثي يبدأ بإطعام الجائع وتطبيب المريض وإيواء المشرد، ثم فيما بعد في الدفاع عن حقوقه، لتليها مرحلة الكشف عن احتياجات هذا الانسان ليتمكن من أن يعيش حياة كريمة تليق بإنسانيته، هذا الانسان ليس غريباً عنا سواءً أكان في أفريقيا أو آسيا أو أميركا الجنوبية.

إن الصدقة ومساعدة المحتاجين والمساكين والأيتام سواء في السلم أو الحرب ركيزة أساسية في القانون الرباني، وهو موقف إنساني بحت لا علاقة له بالمواقف السياسية والخلافات الدائرة بين الدول، فإن نشب نزاع مسلح ما في أي بقعة بالعالم، يعاني الكثير من المدنيين المحاصرين والعالقين من فقدان الأمان وعدم القدرة على توفير القوت اليومي، فهم ضحايا تلك النزاعات.

والكويت تفتخر كونها تمد يد العون والمساعدات الإنسانية لشتى بقاع العالم، وقد توج أميرنا الراحل الشيخ صباح الأحمد بلقب أمير العمل الإنساني.

كما سميت الكويت «مركزاً للعمل الإنساني» تقديراً لما قدمته، حكاماً وشعباً، من مساعدات وأعمال خيرية وصلت إلى جميع أصقاع العالم.

فالعمل الخيري وسام شرف للكويت من مهامه السعي للتخفيف عن الفقراء ومساعدة المحتاجين وأبناء السبيل وكفالة الأيتام وإتاحة فرص التعليم، وإعانة الفئات المحرومة والمساهمة في توفير حياة كريمة لهم.

اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي