د. وائل الحساوي / نسمات / دعونا من التنبؤات... واعمرونا بالتفاؤلات

تصغير
تكبير
نزعنا ورقة عام قديم ولبسنا ثوب عام جديد وكلنا تفاؤل وأمل بأن يكون افضل من سابقه، وفي نهاية كل عام يقفز علينا المنجمون لينبؤونا بما كان وسيكون في هذا العام ويجدوا من الاغبياء بيننا من يقدس ما يقولونه ويعتبرونه حقا لا مراء فيه، فالتقاء برج الجوزاء مع برج العقرب دلالة موت زعيم كبير، وتعاكس اربعة كواكب في وقت واحد سيؤدي إلى احداث كبيرة من كوارث وحروب وفيضانات وكل ما هو غير متوقع، ومنها رحيل لشخصية وبعض النافذين وعمليات احتيال وتزوير وفضائح تطال شركات.

هل هنالك غبي لا يدرك بأن مثل تلك الامور تحدث يوميا في العالم، وان سنة كاملة لا بد ان يحدث فيها كوارث وفيضانات وحروب وموت لزعماء؟ او هل تعلم بأن النجوم التي تدل على الابراج تغير مكانها كل مئة عام؟ من اشهر المتنبئين الذين يعتبرهم المتنبئون الآخرون قدوة لهم هو «نوسترادا موس» الذي عاش في القرن السادس عشر الميلادي، وكان يكتب الاحداث على شكل رباعيات غير مفهومة وكلما حدث شيء في الكون قام مؤيدوه بتفسير ما كتبه بأنه دلالة على تلك الاحداث، ومن اعجب الروايات التي تحكي عن تنبؤاته انه بعد انتهاء الثورة الفرنسية بأربعة ايام (1799) قام ثلاثة سكارى بفتح قبره فوجدوا جثته (بعد 250 عاما) وقد علق على صدره قلادة كبيرة محفور عليها بخطه تاريخ وفاته على جانب، وعلى الجانب الآخر وجدوا مكتوبا بأنه بعد انتهاء الثورة الكبرى بأيام سينبش ثلاثة سكارى قبره، ثم يصيبهم الهلع وتطاردهم الشرطة فتقتل اثنين ويصاب الثالث بالجنون، وهو ما حدث بحسب الرواية.

فانظروا كيف يتدنى مستوى العقل الانساني ليصدق كل ما يروى له من خرافات.

ان نظرتنا للحياة هي اعظم نبوءة نواجه بها ما يعترينا من خير او شر، فليست الحياة إلا من صنع افكارنا، ومتى ما كان التفاؤل هو قاربنا الذي نبحر فيه في الحياة فبإمكاننا تحويل الشر إلى خير واستقبال عامنا الجديد بكل ثقة وانشراح صدر.

استشهد هنا بمجموعة أبيات لشاعرين، احدهما متفائل إلى اقصى الدرجات والآخر متشائم إلى اقصى الدرجات لنرى الفرق:

الأول: «نقولا رزق الله» في قصيدة الشعر والشعراء:

هل عرفتم لعاشق نُظراء

عشق الارض قلبه والسماء

يصلح الحسن عنده كل خُلق

فيُسوي الاحياء والاشياء

شب مذ شب عاشقا لا يبالي

حكمة كان عشقه ام خطاء

عشق الروض والغياض وازها

ر الروابي والاغصن الخضراء

وصغار النجوم تبدو وتخفي

والدراري والقبة الزرقاء

هام بالغاب زانها الشجر العا

لي وزان الفضاء والصحراء

يسمع الوحش والطيور فيهوى

كل صوت كأن فيه غناء

الثاني: «الياس فياض» في قصيدة (النجوم):

قلت للنيّرات ذات مساء

أتُرى انت مثلنا في شقاء؟

ساهرات الجفون، هل لفراق؟

خافقات الضلوع، هل للقاء؟

هائمات مع المجرة تجريـ

ـــن إلى غير غابة او رجاء

مثل سرب من القطا ظامئات

حول ماء يمنعن ورد الماء

او عذارى من حول نعش حيارى

في صلاة ما تنقضي ودعاء

وأرى نورك الضئيل كدمع

سائل من محاجر بيضاء

اثغور كئيبة، ام جراح

انت في اللانهاية السوداء؟





د. وائل الحساوي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي