متخصصون أكدوا أهمية تفعيل الدور المجتمعي والرسمي في حماية الشباب وردع المستهترين
تصاعد العنف... تعدّدت الأسباب والنتيجة مدمّرة
مهما كانت الأسباب المؤدية إليه، يبقى العنف الذي بدأ يتصاعد في المجتمع، مؤشراً خطيراً على واقع يجب التنبه له، سواء من حيث ارتكاب الجرائم، أو المشاجرات المفضية إلى إصابات قد ينتج عنها إعاقات مستديمة، وهي ظاهرة تنتشر بين المواطنين والمقيمين على حد سواء. وما الحوادث التي وقعت في الفترة القليلة الماضية إلا دليل على ذلك، من جرائم ومشاجرات وحالات إطلاق نار، وغيرها.
وأمام هذه الظاهرة التي أخذت بالتسارع والاتساع، تبدو المسؤولية مشتركة بين الجميع، من المؤسسات الرسمية مروراً بالمجتمع المدني وصولاً إلى الأسرة، وهي مسؤولية تستوجب التحرك السريع لوقف تفاقم الظاهرة وكبح جماحها، لا سيما أن نتائجها، مهما كان لها من أسباب، مدمرة للفرد. وهو ما دعا «الراي» بعد أن وصلتها دراسة عن تصاعد العنف في البلاد، أن تستقرئ آراء متخصصين، حول ظروف هذه الظاهرة وأسبابها وتداعياتها، وطرق مواجهتها، فكان الإجماع على تفعيل الدور الأمني لردع المخالفين وفق مبدأ «من أمن العقوبة أساء الأدب» مشخصين القضية، وأسبابها ودور كل من الأسرة والمجتمع والجهات الرسمية فيها.
«مطلوب تعزيز الحريات والمراقبة المستمرة وتفعيل دور الإعلام»
أمثال الحويلة: من الأسباب... البطالة والفقر وضعف الوازع الديني
أشارت أستاذة علم النفس في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت الدكتورة أمثال الحويلة، إلى «وجود أسباب عدة لتصاعد العنف داخل المجتمع، منها على سبيل المثال البطالة، والفقر، وإدمان المخدرات، والتفكك الأسري، والبلطجة، والتحرش الجنسي والاغتصاب، والاضطهاد، والتهميش العنصري، وضعف الوعي، وضعف الوازع الديني، والخلل في مستوى المعيشة، وغيرها من أسباب».
وأوضحت الحويلة أن «العنف يعد من أكثر المشكلات التي تواجه أي مجتمع، ويقصد به استخدام أساليب غير شرعية، كاستخدام القوة المفرطة والعنيفة ضد بعض الأفراد استخداماً يؤدي إلى الإيذاء البدني والنفسي، وخلق مناخ غير سوي ينأى عن تقاليد وعادات المجتمعات القويمة، ويعتبر خروجاً عن المألوف، ومن ثم خروجاً على القانون الذي ينظم العلاقة بين الأفراد».
ولفتت إلى «وجود حلول عدة يمكنها الحد من تفشي هذه الظاهرة المقيتة التي تعمل على تغريب المجتمع وإفساده، منها تفعيل دور الشباب وتعزيز الحريات والمراقبة المستمرة، وتفعيل دور المؤسسات الإعلامية وتطوير برامج التعليم، وترسيخ مهارات العلاقات والتواصل العصري ودمج الحوار المجتمعي وحل المشكلات واحترام الآخر، وخلق فرص عمل حقيقية للشباب ومعالجة البطالة بين جموع الشباب».
وأضافت «من ضمن هذه الحلول أيضاً، تطوير القوانين وإعادة تعديلها، خصوصاً تلك التي تتعلق بالعقوبات بما يحقق العدالة، وتحديداً ما يتصل بالقتل وقضايا الشرف، وتفعيل دور الرعاية والإصلاح، لا سيما دور الرعاية النفسية، وسن القوانين الرادعة لكل من تسول له نفسه إيقاع الإيذاء والضرر بغيره، وأخيرا تركيز الجهود الوقائية وتحديداً لمراحل الطفولة والمراهقة، حيث تتكون هذه المشكلات غالباً في مراحل الطفولة المبكرة».
«شعور البعض بالنقص يولّد لديهم حقداً على المجتمع»
ياسمين التارمي: ضرورة معالجة التفكك الأسري
أكدت المتخصصة في الإرشاد الأسري ياسمين التارمي، وجود أسباب عدة تقف وراء تصاعد العنف داخل المجتمع الكويتي، أبرزها اضطراب العلاقة الأسرية بين أفراد الأسرة الواحدة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى توليد الحقد لدى بعض أفراد هذه الأسرة تجاه المجتمع الذي يعيش فيه، والذي يفضي في النهاية إلى ارتكاب فعل يؤذي به الآخرين.
وقالت التارمي إن «هذه الظاهرة أخذت في التزايد خلال السنوات الأخيرة، تزامنا من انتشار وباء كورونا. كما أن اضطراب العلاقة الأسرية بين أفراد الأسرة أحيانا ينتج بسبب شعور الفرد بالنقص تجاه نفسه أو مجتمعه، كالأشخاص الذين لم يتلقوا تعليماً جيداً، أو فقدوا الرعاية الأسرية، أو الأشخاص الذين لا توجد لديهم أوراق إثبات هوية تضمن حقوقهم في مجتمعاتهم، كل هذه الأمور تولد في النهاية لدى نفوس أصحاب هذه الفئات حقداً على المجتمع الذين يعيشون فيه، ما يدفعهم إلى الانتقام بصورة أو بأخرى».
وأرجعت سبب ازدياد العنف داخل المجتمع إلى تأثر بعض الناس بما يبث من خلال الإعلام المرئي، من أعمال درامية أو سينمائية تنضوي بعض مشاهدها على أساليب عنف وقوة وسلطة وتعظيم لأبطال هذه المشاهد، لافتة إلى أن «مثل هذه الأعمال يمكن أن ترسخ في عقل المشاهد صورة نمطية لهذا البطل، بمعنى أن المشاهد يمكن أن يفكر في القيام بمثل هذه الأساليب العنيفة في حياته ليكون صورة من بطل الفيلم».
وأضافت: «من أسباب تصاعد العنف، انتشار المواد المخدرة والكحوليات، بين أوساط الشباب الذين تجعلهم يفكرون في ارتكاب أي جريمة، بهدف الحصول على المال لصرفها على شراء الكحوليات أو المخدرات. فالعنف داخل المجتمع الكويتي أصبح يتنامي كماً وكيفاً بشكل سريع».
ودعت إلى «تقوية أواصر الروابط الأسرية داخل الأسرة الواحدة، وقيام جمعيات النفع العام وغيرها من المؤسسات المتخصصة، بوضع برامج وإعطاء دورات وعقد مؤتمرات لمعالجة مشكلة تصاعد العنف بأشكاله المتنوعة داخل المجتمع الكويتي، انطلاقاً من القيم التي حثنا عليه ديننا الإسلامي الحنيف».
وشددت على ضرورة فرض قوانين تحمي الأشخاص من مرتكبي أساليب العنف ومعاقبة مرتكبي الجرائم لردعهم بهدف السيطرة على هذه الظاهرة والخروج بمجتمع متناغم ومتماسك.
«الأسباب تتعلق بالظروف المجتمعية والحالة الاقتصادية والنفسية»
خضر البارون: تشديد الجانب الأمني وتسريع إصدار الأحكام
أرجع أستاذ علم النفس في كلية العلوم الاجتماعية الدكتور خضر البارون، أسباب تصاعد العنف في المجتمع الكويتي إلى عدة أسباب تتعلق بالظروف المجتمعية والحالة الاقتصادية، وأخرى تتعلق بالحالة النفسية لمرتكبي الجرائم الجنائية.
وقال البارون إن «الفارق في مستوى المعيشة بين المواطن والمقيم داخل الكويت، يمثل جانباً مهماً في زيادة تصاعد العنف داخل المجتمع الكويتي، وخاصة أن أغلبية الوافدين يأتون إلى الكويت ويحلمون بالثراء السريع من دون تعب أو مجهود، وعندما تتكسر أحلامهم على عتبة الواقع يترك هذا الأمر أثراً نفسياً لدى غالبيتهم، الأمر الذي يجعل بعضهم يفكر في كسب المال حتى لو كان عن طريق غير مشروع.
وبعض هؤلاء يفكر في الانتحار عندما يجد أن أحلامه صعبة المنال، كما الانتحار في حد ذاته يعد جريمة، ولكن بعضهم يلجأ إليه عندما يجد أن جميع الأبواب أغلقت في وجهه».
وأشار إلى أهمية تعزيز الجانب الأمني للقيام بدوره على أكمل وجه، للحد من تصاعد هذه الظاهرة، مستشهدا بانخفاض معدل المشاكل داخل أحد المجمعات التجارية الكبرى، بعد تشديد الجانب الأمني داخلها من قبل أفراد الحراسة.
وذكر أن «إطالة أمد بعض القضايا في أروقة بعض درجات التقاضي دون البت فيها على وجه السرعة، قد يشجع البعض على ارتكاب بعض الجرائم، لهذا من الضروري جدا أن يكون هناك سرعة في إصدار الأحكام على مرتكبي الجرائم ليكونوا عبرة لغيرهم».