الرأي اليوم

«الإعلام»... دولة ما قبل الدستور

تصغير
تكبير

باختصار شديد، أعلم أن هناك من لن يروق له هذا الكلام، وأعلم أن هناك من سيحاول كالعادة النفخ في الكير والدسّ وتحويل موقف مبدئي إلى مادة في سوق المزايدات السياسيّة.

عن إقالة جميع وكلاء وزارة الإعلام أتحدّث.

هذا أمر خطير وسابقة تحمل في طيّاتها افتئاتاً كبيراً على الدستور مهما حاول بعضهم تبريرها بأنّها خطوة إصلاحيّة أو الزّعم أنّها لتجديد الدماء أو كنهج شعبي جديد اعتمده رأس الوزارة.

بداية، لا يوجد شخص يدافع عن خطأ حصل، سواء في سوء إدارة حدث رياضي ضخم مثل بطولة كأس سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، أو في تجاوزات وتقصير وإهمال تتعلّق بالعمل عبر قطاعات وزارة الإعلام المُختلفة.

واستمراراً، لا يوجد شخص ضدّ المُحاسبة، ومن البدهيات في هذا الموضوع أن المحاسبة على قدر الجرم، وأن التدرّج في المُحاسبة من مُقوّمات العدل، فآخر الدواء الكيّ... وليس أوله.

وانتهاء... المُحاسبة تطول المسؤول عن الخطأ ولا تشمل آخرين لا ناقة لهم ولا جمل بما فعله.

ولنكن صريحين أكثر، إن حصل تقصير واستهتار من قبل موظّفي ومسؤولي قسم الهندسة الصوتية والتقنيات فما ذنب الوكلاء المُساعدين عن قطاعات أخرى لا علاقة لهم بهذا الأمر من قريب أو بعيد، خصوصاً أن بعض هؤلاء الوكلاء تلقّى من أيام كتب شكر وتهنئة على أدائه في إنجاز مُهمّاته على أفضل وجه ثم استدعي اليوم ووضع أمام خيارين: الاستقالة أو الإقالة.

هل تمّ شرح الأسباب المُوجبة للقرار أم إن تلاعباً بالكلمات حصل وقذفت الكرة إلى مكان آخر بغية التبرير؟ إن كانت الحجّة أن القرارات اتّخذت لتجديد الدماء، فهناك وكلاء مساعدون شُبّان في الأربعينيات وتم تعيينهم قبل فترة بالحُجّة نفسها، أي تجديد الدماء وضخّ طاقات شابّة إلى شرايين الإدارة، وهؤلاء حتى الساعة لم نسمع من جميع الوزراء الذين تعاقبوا على «الإعلام» سوى الإشادة بهم وبجهودهم.

وإن كانت الحُجّة هي الإصلاح، فهذه «فرية» في اتجاهين: الأول أن الوزراء الذين تعاقبوا على «الإعلام» كانت خياراتهم وقراراتهم غير إصلاحية، أو سكتوا لأسباب مُختلفة عن فساد وسوء إدارة.

الثاني، أن الإصلاح لا يستقيم من دون سند دستوري وقانوني، وما حصل فعليّاً وبالطريقة التي تمّت، وتعمّد عدم تبيان الأسباب المُوجبة، كلّها أمور تعيدنا لمرحلة ما قبل الدستور، وإلى الفصل بين مفهوم «الصلاحية» التي يمتلكها الوزير ومفهوم التطبيق العادل والقانوني لها.

أين سيذهب وكلاء شُبّان أقيلوا بهذه الطريقة؟ وأين سيذهب وكلاء أصحاب خبرات طلب منهم أن يستقيلوا في ما يشبه توقيع المرء على إدانته في أمر لم يفعله؟ وماذا سيكون موقف الوزارة إن استعاد هؤلاء حقوقهم عبر القضاء الكويتي العادل، خصوصاً أن سوابق كثيرة حصلت في هذا المجال.

كنا نقول سابقاً إن استمرار نهج التخلّي وعدم الثبات دفع الكثيرين إلى رفض قبول الحقيبة الوزارية. اليوم سنرى كثيرين من المُحترفين المُتمكّنين في مجالهم يرفضون قبول منصب الوكيل أو الوكيل المساعد ما عدا عشاق المناصب والمُستفيدين من الأزمات والاهتزازات الإدارية، وهذه السابقة التي حصلت في وزارة الإعلام قد تنسحب على وزارات أخرى إن لم يتم علاج مُسبّباتها ونتائجها، وقد يكون هنا المحكّ أيضاً لمجلس الأمة وممثلي الشعب من أجل التحرك والانتصار للمبادئ القانونيّة والدستوريّة لا لأشخاص بعينهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رفع المظلوميّة عن قياديّين أعطوا وتعبوا وأنجزوا... ثم انتهى كل شيء بلحظة.

مرة أخرى، أعلم أن الكلام لن يعجب بعضهم، وأعلم أن المُتصيّدين في الماء العكر مُتحفّزون، إنّما أعلم أكثر أنّ كلّ من يقرأ بتجرّد سيجد المنطق في كل سطر لسبب بسيط، هو الانحياز للدستور والقانون والعدل، ورغبة في عدم تكريس سوابق تهدم الجسر الذي تُحاول القيادة السياسيّة بناءه للعبور إلى مُستقبل أفضل.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي