القاضية عون توقف شقيق حاكم «المركزي»... وقنبلتان في عين الرمانة
لبنان: هل تنفجر «المواجهة» مع المصارف في الطريق إلى الانتخابات؟
- الملاحقة القضائية للبنوك تتوسّع والمصارف تتهيأ لإعلان إضراب عام اليوم
- مخاوف من تشظيات سياسية للمنازلة الضارية بين بعض القضاء والمصارف وميقاتي... محرَج
هل هي مصادفة أن يهتزَّ الواقعُ الأمني وبقايا «الأمان المصرفي» مع انطلاق العدّ العكسي لانتخابات 15 مايو النيابية، أم هي بدايةُ مرحلةِ دخول هذا الاستحقاق السياسي المفصلي نفق توتراتٍ واضطراباتٍ «مرسومة» كانت أو نتاج سوء الإدارة المتمادي للانهيار المالي الذي لم تكن ينقصه إلا الحرب على أوكرانيا لتشتدّ سرعته... المميتة؟
سؤالٌ فَرَضَ نفسه على الواقع اللبناني أمس، مع ملامح أول تحدٍّ مبكر ومزدوج لأمن الانتخابات التي تشقّ أصلاً طريقها الشائك وسط حقل أفخاخ سياسية ومعيشية أقرب إلى «قنابل موقوتة» قد يتم تفعيلها عن سابق تَصَوُّر وتصميم وفق مقتضياتِ اللحظة الإقليمية التي ينكشف عليها لبنان بالكامل، أو بفعل اقتياد الانفجار الاجتماعي الجميع إلى مرحلة الفوضى الشاملة.
فمن القنبلتيْن الصوتيتيْن فجر أمس في محلة عين الرمانة (على تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت) التي لم تتجاوز بعد «لغم» الأحداث الدموية التي وقعت قبل نحو 5 أشهر بين مناصرين لـ «حزب الله» وحركة «أمل» وآخرين من أهاليها المحسوبين في غالبيتهم على حزب «القوات اللبنانية»، إلى «خطوط التماس» السياسية - القضائية التي ترتسم للمرة الأولى في تاريخ لبنان حول القطاع المصرفي الواقع بين مطرقة إفلاس غير معلن وسندان عصف ملاحقاتٍ قضائية تُنْذر بأن تتحوّل «إعصاراً» مدجَّجاً بكل عناصر الانهيار المالي الكبير و«تصفية الحسابات» السياسية... مؤشران خطران دهما المشهد الداخلي الذي بدا أمام ما يشبه «التحمية» التي تشي بأن تحْكم الأسابيع الفاصلة عن 15 مايو فتتحوّل جزءاً من لعبة تعبئة شعبية ولو «على حافة» الاستقرار الأمني الهش، أو «الفتيل» الذي قد يوصل لتفجير الانتخابات بقرار كبير أو سوء تدبير خطير.
ففي عين الرمانة التي استفاقت على دويّ قنبلتيْ الفجر في شارعٍ يضم مركزاً لـ«القوات»، ما أدى لتضرُّر بعض المحال التجارية والسيارات، استُحضرت كل حساسيات الأشهر الأخيرة منذ «أحداث الطيونة» التي اندلعت على خلفية شدّ الحبال حول ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت ومطالبة الثنائي الشيعي بإقصاء المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، فيما لم تُخْفِ «القوات» التي تخوض الانتخابات تحت عناوين سيادية (سلاح «حزب الله» والهيمنة الإيرانية) وإصلاحية، أن يكون ما حصل في إطار عملية «استفزاز» لمحاولة توتير أمن الانتخابات.
وإذ ردّ نائب «القوات» بيار بوعاصي (المرشح في بعبدا) قائلاً «نحنا فينا نكبّ قنابل، مش صوتية، بس ما بدّنا. أوقِفوا استفزاز عين الرمانة»، برز إعلان ناشطين «أن بوسطة تأجيل الانتخابات لن تمرّ في عين الرمانة»، في موازاة تحذير أوساط سياسية من محاولاتٍ يُخشى أن تستمرّ لـ «تحريك» التوتر في هذه النقطة الحساسة أمنياً التي تتشابك فيها ترسيمات الصراع السياسي المفتوح في لبنان منذ 2005 بكل عناوينه الداخلية والإقليمية، مع ذاكرة الحرب الأهلية التي أقلعت «رسمياً» على متن «بوسطة عين الرمانة» الشهيرة في 13 أبريل 1975.
وفي موازاة هذا الاهتزاز الأمني، لم يقلّ إثارةً للقلق البُعْدُ الذي بدأتْ تتّخذه «المواجهةُ» القضائية - السياسية مع المصارف والتي تشكّل «جبهةً مُوازِيَةً» لـ «معركةٍ» ضاريةٍ مستمرّةٍ مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وسط مَخاوف كبرى من التداعيات الكارثية التي قد تنجم عن المكاسرةِ التي لاحتْ بين القطاع المصرفي وبعض القضاء ومن ورائه أطراف سياسية، ويُخشى أن تتحوّل «حمّالة أجندات» من بين أهدافها أو نتائجها، تسخين الأرض عبر ترتيب مفاعيل متدحرجة تمسّ بآخِر آلياتٍ «تربط» المودعين بما بقي من ودائعهم الدولارية المحتجزة (بعدما تبخّرت غالبيتها)، كما بحساباتهم بالعملة الوطنية ورواتبهم الموطّنة والخاضعة بدورها لسقوف تقييدية و«فذلكات سحوبات» معقّدة.
وبات واضحاً أن القطاع المصرفي، الذي يقترب من خطوات تصعيدية بما فيها الإضراب العام الذي تناقش الجمعية العمومية لجمعية المصارف، مدّته في جلستها الطارئة اليوم، صار واقعاً بين «فكيْ كماشة»: أولها الملاحقات التي تقودها القاضية غادة عون بحق حاكم «المركزي» رياض سلامة «المطلوب سوْقه مخفوراً» بناء على شكوى جزائية مقدمة من مجموعة «الشعب يريد إصلاح النظام» على خلفية اتهامه بملف تهريب أموال إلى الخارج وتبييضها والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي، وقد تفرّعت منها قراراتٌ بمنع السفر بحق رؤساء مجالس إدارة 5 من كبريات المصارف تم تجميد أصولها وأعضاء بمجالس إداراتها ومنْعهم من السفر.
وثانيها الدعاوى من مودعين في الخارج والداخل، بحق مصارف للحصول على ودائعهم، وسط اتخاذ الشكاوى في لبنان منحى خطيراً مع اختلاط حبال الحجز التنفيذي على كل موجودات مصرف «فرنسبنك» في مختلف الفروع بما فيها الخزائن والأموال وختمها بالشمع الأحمر (بناء على شكوى من أحد المودعين لسداد وديعته ليس بشيك مصرفي اعتبره غير قابل للصرف) بـ «نابل» حقوق سائر المودعين وصولاً لرواتب العسكريين وغيرهم الموطّنة فيه والتي توقف سدادها مع اعتبار المصرف أنه يلتزم القرار القضائي ولن يعاود العمليات المصرفية قبل صدور قرار معاكِس.
وعلى الجبهة الأولى، فجّرت القاضية عون أمس، «قنبلة» يُتوقَّع أن تترك تشظيات سياسية، بتوقيفها شقيق حاكم «المركزي» رجا سلامة بعدما استمعت إليه في موضوع عقود وتحويلات مالية إلى حساباته، خارج لبنان، ارتكازاً لتحقيق سبق أن نشرته وكالة «رويترز» وفق ما أفاد محامو «مجموعة الشعب يريد إصلاح النظام»، في حين أعلن المحامي وديع عقل (المحسوب على التيار الوطني الحر)، أن «ملف رجا سلامة مرتبط بموضوع شركة Forry associate ltd التي أسسها رياض سلامة في مصرف لبنان»، مشيراً إلى أن «هناك تحقيقات إضافية من المفترض أن تتمّ مع رياض سلامة في موضوع اختلاس وتبييض أموال، وهذه بداية قضائية لما يمكن أن يمثل كرة الثلج التي ستتدحرج معها رؤوس عدة حكمت لبنان ماليا منذ الطائف».
وبالتوازي، قامت القاضية نفسها بإصدار أمر منع سفر بحق رئيس مجلس إدارة «بنك الاعتماد المصرفي» طارق خليفة وتجميد جميع أصول المصرف بما يشمل العقارات والسيارات، في الشكوى المقدمة ضد المصارف من «الشعب يريد إصلاح النظام»، استكمالاً للمسار الذي طاول مصارف «بيروت» و«سوسيتيه جنرال» و«ميد» و«عوده» و«لبنان والمهجر» ورؤساء مجالس إداراتها.
وبدت خطوات عون أمس، وكأنها «ترفع التحدي» بوجه جمعية مصارف لبنان التي لوّحت بما يشبه «الانتفاضة» رداً على مجمل إجراءات الأخيرة بحق البنوك وعلى الحجز التنفيذي من القاضية ماريانا عناني، بحق «فرنسبنك» وهو ما اعتبرتْه الجمعية «مخالَفة للقوانين وممارسات تعسفية وغوغائية تؤدي إلى الفوضى القضائية»، عازية هذا المسار إلى «تموْضعات سياسية» من دون أن توفّر «جهات رسمية» بالمسؤولية عما يجري.
وفي حين كانت الأسئلة تتطاير عن ارتدادات المغالاة في عملية الحجز على أملاك وموجودات المصارف واتساع رقعة الدعاوى وسط إمعان السلطات الرسمية في التأخر الفاضح بإصدار قانون «الكابيتول كونترول» وإنجاز خطة النهوض وتوزيع خسائر الفجوة المالية واستطراداً إعادة هيكلة أو تنظيم القطاع المصرفي، تتجه الأنظار إلى النتائج السياسية لهذه المنازلة اللاهبة التي يخشى أن تحرق الجميع، إلى جانب المفاعيل النقدية التي برزت سريعاً مع تسجيل ارتفاعٍ بسعر الدولار في السوق الموازية.
وبعدما كانت جمعية المصارف دعت السلطة التنفيذية «للإسراع في اتخاذ كل القرارات العاجلة اللازمة لوقف المخالفات القانونية وإلا اضطرت المصارف لاتخاذ كل الإجراءات التي تراها مناسبة»، برز موقف لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء عصر الأربعاء، تحدث فيه «عما يحصل في القضاء من عشوائية وانفعالية».
واعتبر «أن ما يحصل في الملف المصرفي غير سليم. وأولويتنا كانت وستبقى حقوق المودعين، لكن الطريقة الاستعراضية والبوليسية التي تتم فيها مقاربة ملف الحقوق والقضايا القضائية المرتبطة بالمصارف خطرة ومن شأنها تقويض ما تبقى من ثقة بالنظام المصرفي، وسيدفع المودعون مجدداً الثمن وأخشى أن تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه إذا لم يصر إلى تصويب الشطط والخلل الحاصل».