قضيّة صندوق الجيش دليل آخر – ولن يكون الأخير – على محدودية الصلاحيّات الرقابية لمجلس الأمة على عدد من الملفات المالية في الدولة، ليس في المجالس الأخيرة فقط، بل في جميع المجالس منذ التأسيس.
فمن جانب، هذه القضيّة مرتبطة بودائع أودعت بالسبعينات من القرن الماضي في الملحقيات العسكرية في لندن من دون أن يتم قيدها في وزارة الدفاع – وفق ما جاء في حكم محكمة الوزراء – ولم يرصدها ديوان المحاسبة (الهيئة المستقلة للمراقبة المالية الملحقة بمجلس الأمّة) أو على أقل تقدير لم يتداولها المجلس علنا.
ومن جانب آخر، قضية صندوق الجيش لا تختلف كثيراً عن قضايا مالية كبرى أخرى في الدولة، تسبّبت في حينها بأزمات سياسية. ومن بين أمثلتها قضية أزمة المناخ في مجلس 1985، الذي حُلّ بعد انتداب أحد أعضائه المرحوم حمد الجوعان للاطلاع على سجلّات البنك المركزي الخاصة بأزمة المناخ.
المثال الآخر على الأزمات السياسية المرتبطة بقضايا مالية، هو أزمة قانون المديونيّات الصعبة في مجلس 1992، التي انتهت بمخالفة المجلس للائحته الداخلية. حيث وافق المجلس على تمرير القانون من خلال الموافقة على إعادة التصويت على القانون الذي تم رفضه في المداولة الأولى.
الشاهد في هذا المثال، ليس موافقة المجلس على القانون، بل موافقة جميع أعضائه على إعادة التصويت، حرصاً منهم على احتواء الأزمة السياسية.
أضف إلى ما سبق، مجلس الأمة – منذ تأسيسه – لم يطوّر صلاحيّاته الرقابية على الصندوق السيادي الكويتي، الذي تأسس في عام 1953، أي قبل تأسيس المجلس. والشواهد المتعدّدة المتكرّرة تشير إلى أن منهجية إدارة الصندوق لم تتأثر بتأسيس المجلس ولا بالمجالس اللاحقة التي لم تقر أي قانون لبسط سلطتها الدستورية على الصندوق، واكتفت بالرقابة الصورية في جلسة سرّية.
المراد أن المجلس منذ تأسيسه، متقبّل أن تكون صلاحيّاته الرقابية على العديد من الملفّات المالية محدودة. حتى المجلس الحالي، بالرغم من كثرة الملفات المالية التي يتداولها نوّاب المعارضة، إلا أن تداولهم لم يبتعد عن نطاق الشغب النيابي وإسقاط الرئيسين، من دون مساعٍ تشريعية لردم الفجوات الرقابية.
لذلك، ضحكت من ردود أفعال بعض النوّاب المخضرمين على حيثيات ومنطوق حكم محكمة الوزراء في قضية صندوق الجيش. وكان من بينهم النائب الذي صرّح بأنه صُعق من استناد حكم محكمة الوزراء على «شيء غريب لا يوجد له أصل لا في الدستور ولا الشريعة ولا في أي نظام قانوني».
بالنسبة لي قضية صندوق الجيش مزعجة جداً، لأنها بعد أن كشفت الفراغ الرقابي والتشريعي على مصروفات أنشطة قد تكون استخباراتية، ما زال المجلس متقاعساً عن معالجته وسدّه، ومنشغلاً بأجندات أشخاص تحت شعار حقوق الشعب.
لذلك، أدعو النوّاب إلى توحيد جهودهم من أجل إعداد وتقديم اقتراح بقانون لإنشاء لجنة برلمانية دائمة تعنى بالشؤون الاستخباراتية في الدولة، ومن بينها المراجعة السنوية لميزانية الأنشطة الاستخباراتية.
فمن جانب، سبق أن استحدث المجلس في عام 2014 لجنة دائمة هي لجنة الأولويات. ومن جانب آخر، معظم البرلمانات في العالم لديها لجنة خاصة لشؤون الأمن والاستخبارات.
ومن بينها لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي التي أسسها الكونغرس في عام 1976، للإشراف على مجتمع الاستخبارات الأميركية المكوّن من مجموعة من الوكالات الاستخباراتية والجهات المدنية والعسكرية التابعة للحكومة الفيديرالية، المعنيّة بالأنشطة الاستخباراتية الداعمة للسياسة الخارجية الأميركية والأمن الوطني الأميركي... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».