No Script

قفزة تكنولوجية تسمح بإنشاء وإطلاق «مركبات» متناهية الصغر لتنفيذ مهام خاصة داخل الجسم

الروبوتات النانُوِية... هل تقضي على «كورونا»؟

تصغير
تكبير

لك أن تتصور أن روبوتات أو مركبات متناهية الصغر تسبح في دمك لتقوم بتنفيذ مهام طبية خاصة، بما في ذلك – على سبيل المثال – مهاجمة فيروس كورونا المستجد والفتك به! للوهلة الأولى، يبدو مثل هذا السيناريو أقرب إلى دنيا الخيال العلمي منه إلى عالم الحقيقة... لكنه بات قاب قوسين أو أدنى من أن يتحول في المستقبل المنظور إلى واقع حقيقي ملموس.

ففي إنجاز علمي جديد، حقق باحثون من جامعة ولاية أوهايو الأميركية قفزة عملاقة في اتجاه هذا المستقبل الواعد، وذلك من خلال نجاحهم أخيراً في تطوير تقنية تكنولوجية ثورية جديدة يمكن من خلالها تصميم أعداد كبيرة من الروبوتات البيولوجية النانُوِية (متناهية الصغر)، وهي الروبوتات التي تتميز بكونها فائقة الدقة.

نستعرض في التالي جوانب من هذا الإنجاز الواعد... في سياق ورقتهم البحثية التي نُشرت في مجلة «نيتشر ماتيريالز»، كشف الباحثون الذين عملوا تحت قيادة الدكتور كارلوس كاسترو عن تفاصيل تقنيتهم البرمجية الثورية الرائدة التي أطلقوا عليها اسم MagicDNA.

وأوضحت الورقة البحثية أن التقنية الجديدة تكتسب خصوصيتها المتفردة من كونها تقوم بتصميم طرق لاستخلاص خيوط بيولوجية دقيقة من الحمض النووي البشري (DNA) ثم إدماجها في هياكل روبوتات نانُوِية (متناهية الصغر) تتألف من أجزاء دقيقة جداً أشبه بالتروس الدوارة والمفصلات، وهي الروبوتات التي يمكن حقنها في الجسم لتقوم بـ«الإبحار» في مجرى الدم وتنفيذ مجموعة متنوعة من المهام، بما في ذلك مهاجمة وقتل الفيروسات والميكروبات، وتوصيل الأدوية واللقاحات إلى أجزاء محددة داخل الجسم، وغير ذلك من المهام.

وقال الدكتور كارلوس كاسترو - أستاذ الهندسة الميكانيكية والفضائية في الجامعة - إن باحثين سبق لهم أن حاولوا فعل هذا الشيء نفسه، ولكنهم لم يحققوا سوى نتائج محدودة جداً بسبب اعتمادهم على أدوات تقنية أبطأ وخطوات يدوية شديدة الرتابة.

وأضاف: «في السابق كانت عملية تصميم وتصنيع الروبوتات النانُوِية البدائية تستغرق بضعة أسابيع أو حتى أشهر، لكن ذلك أصبح من الماضي بفضل برمجيتنا التكنولوجية الجديدة MagicDNA التي تسمح بتخليق أعداد كبيرة من الروبوتات النانُوِية الفائقة الدقة في غضون بضع دقائق فقط».

ومن جانبه، قال الباحث المشارك هاي-جون سو، أستاذ الهندسة الميكانيكية والفضائية في الجامعة ذاتها: «في السابق، كان الباحثون ينفقون وقتاً طويلاً لتصميم وبناء روبوتات تحتوي على ثلاثة إلى ستة مكونات فقط وربطها بآليات ميكانيكية بدائية في محاولة لجعلها تنفذ حركات بعد إدخالها إلى الجسم.

أما الآن، ومن خلال استخدام تقنيتنا الجديدة، أصبح من السهل صنع روبوتات أصغر حجماً وأكثر تعقيداً تحتوي على ما يزيد على 20 مكوناً ميكانيكياً يسهل التحكم فيها. إنها خطوة كبيرة في قدرتنا على تصميم روبوتات نانُوِية يمكننا التحكم فيها من خارج جسم المريض لتقوم بتنفيذ الإجراءات والمهام المعقدة التي نريدها في داخل الجسم».

ووفقاً للورقة البحثية، فإن برمجية تقنية MagicDNA تنطوي على مجموعة متنوعة وغير مسبوقة من الخصائص الذكية القابلة للتطوير مع مرور الوقت، وهي الخصائص التي ستساعد على تصميم روبوتات نانُوِية أدق من حيث الأداء وأفضل من حيث النتائج.

وتتميز إحدى تلك الخصائص المتميزة في أنها تسمح بتنفيذ المخططات الأولية الروبوتات النانُوِية من خلال تصميمات ثلاثية الأبعاد بشكل كامل قبل إنشائها، بينما لم تكن أدوات التصميم السابقة تسمح إلا بالتصميم المسطح ثنائي الأبعاد، وهو الأمر الذي كان لا يؤدي سوى إلى تصاميم بدائية ومحدودة القدرات.

وفضلاً عن ذلك، تسمح تقنية MagicDNA للمصممين بمحاكاة كيفية تحريك وتشغيل الروبوتات خلال سباحتها في مجرى دم المريض.

أما الميزة الفارقة فتتمثل في أن تلك التقنية تسمح للمصممين بأن يختاروا بناء هياكل الروبوتات النانُوِية بالأسلوب «الصعودي» أو بالأسلوب «النزولي».

ففي التصميم «الصعودي»، يأخذ الباحثون خيوطاً معينة من الحمض النووي ويقررون كيفية تنظيمها في الهيكل الذي يريدونه، وهو الأمر الذي يسمح لهم بالتحكم الدقيق جداً في بنية الروبوت الداخلية وخصائصها الحركية الذاتية.

وفي المقابل، فإن الأسلوب «النزولي» يسمح لهم بأن يصمموا أولاً الشكل الهندسي الإجمالي للروبوت النانوي، ثم بناء على ذلك يقررون برمجة وأتمتة الكيفية التي يتم بها تجميع خيوط الحمض النووي معا داخل هيكل الروبوت النانوي.

وعن ذلك قال الدكتور كاسترو إنه من الممكن الجمع بين هذين الأسلوبين، مشيراً إلى أن هذا الجمع سيسمح برفع مستوى دقة وتعقيد التركيبة الهندسية لتلك الروبوتات فضلاً عن توفير مستوى فائق من التحكم الدقيق في خصائص كل مكون من مكوناته على حدة.

وفي إطار التنفيذ العملي بغرض التحقق من النتائج، تولت الباحثة أنجيليكا كوسينيتش - المتخصصة في مجال الهندسة الكيميائية والجزيئية الحيوية – قيادة فريق استخدم هذه التقنية البرمجية لتصميم وإنشاء هياكل روبوتات نانُوِية متناهية الصغر، بما في ذلك روبوتات ذات أذرع ومخالب يمكن التحكم فيها لاسلكياً، وهياكل روبوتية شبيه بالطائرات وأصغر 1000 مرة من عرض شعرة الإنسان.

وبخصوص التطبيقات العملية المحتملة من وراء هذه التقنية، قال كاسترو: «إن القدرة على تصميم وإنشاء روبوتات نانُوِية أكثر تعقيداً تعني أنه يمكنها تنفيذ مزيد من المهام المفيدة داخل الجسم.

فعلى سبيل المثال، سيكون من المفيد جداً أن يكون لدينا روبوتات يمكن حقنها في مجرى الدم لتقوم بمهام من بينها: اكتشاف مسببات مرضية معينة، وتوصيل لقاح أو دواء إلى أجزاء محددة في الجسم، والفتك بالفيروسات والميكروبات، وترميم الأنسجة التالفة في أحد أعضاء الجسم الداخلية، وتفتيت الجلطات المتكتلة في مجرى الدم».

وعن الآفاق المستقبلية المتوقعة للتقنية الجديدة، قال كاسترو: «نتوقع أنه خلال السنوات القليلة المقبلة سيتوسع استخدام تقنية MagicDNA في مختبرات الأبحاث حول العالم، كما نتوقع أنه في غضون السنوات القليلة المقبلة سنبدأ في رؤية تطبيقات تجارية لإنتاج وتسويق روبوتات نانُوِية لاستخدامها في تطبيقات طبية متعددة، بما في ذلك إمكانية مهاجمة والقضاء نهائياً على فيروس كورونا المستجد... من يدري؟».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي