سيف الهاجري / قوات الصحوة والنشابة...ما أشبه الليلة بالبارحة

تصغير
تكبير

أثناء متابعتي للأحداث في الساحة العراقية الساخنة، ظهر عنصر جديد في هذه الساحة، وهو قوات الصحوة التي شكلها شيوخ عشائر بدعم من الجيش الأميركي لمواجهة معارضي سياسته في العراق من مقاومة وغيرها، هذا الظهور الجديد القديم ذكرني بحدث تاريخي مماثل قلما يذكر في تاريخ العراق المعاصر، فعندما كان العراق تحت الاحتلال البريطاني قام الجيش البريطاني بإنشاء قوات من العشائر الموالية وسميت في حينه بقوات النشابة لمواجهة معارضي سياسته في العراق من مقاومة وغيرها، فما أشبه الليلة بالبارحة.

قادت هذه الأحداث المتشابهة فكرياً نحو التاريخ العراقي المعاصر ومروره بأهم حدثين شكلا العراق خلال مئة عام الأخيرة واعني بهما الاحتلالين البريطاني والأميركي، وتشابه مبرراتهما ومنطلقاتهما الظاهرة والباطنة، فظاهرها لدى الأول دعوى تحرير العراق من الاستبداد التركي، والثاني تحرير العراق من الاستبداد وإقامة الديموقراطية، وباطنهما لدى الأول الطاقة والنفط، والثاني الطاقة والنفط كذلك، هذا بخلاف المنطلقات الأيديولوجية وغيرها من المنطلقات والمبررات التي لا تخفى على كل ذي بصيرة، لكن ما أشبه الليلة بالبارحة.

أتساءل هنا هل وضح لنا هذا التشابه العجيب؟ أم نحتاج إلى مزيد من الإيضاح؟ أظن أنه لا ضير في المزيد، فالعراق البريطاني قامت فيه عملية سياسية ضعيفة في عشرينات القرن العشرين بقيادة برسي كوكس وجيرترود بل، إذ تمت إقامة الملكية بتعيين فيصل بن الشريف حسين ملكاً على العراق بعد ثورة العشرين، وقامت انتخابات عدة تحت الإشراف البريطاني غير المباشر، واستمرت بين مد وجزر القبول من الشعب العراقي من عدمه حتى سقطت في عام 1958. والعراق الأميركي قامت فيه عملية سياسية ضعيفة بقيادة بول بريمر وتخطيطه، بدأت بمجلس الحكم وانتهت بالانتخابات ومازالت العملية السياسية مستمرة بين مد وجزر القبول من الشعب العراقي من عدمه، فما أشبه الليلة بالبارحة.  

إذاً ما الفرق بين النشابة والصحوة؟ وما الفرق بين العراق البريطاني والعراق الأميركي؟ لا فرق البتة فالتاريخ هنا أعاد نفسه من خلال استفادة اللاحقين من السابقين. وهذا تفوق يحسب له ولا شك، لذا من أراد معرفة أسباب وآثار الحوادث الحاضرة، فليلتفت إلى أهمية التاريخ هنا في تحليل ومعرفة هذه الأحوال المتقلبة التي احتار بها عقلاء القوم في عصرنا كما احتار بها من كان قبلهم، فما أشبه الليلة بالبارحة.

فمن نظر في تاريخ العراق المعاصر قاده إلى حقيقة وسنة لا تتخلف أبداً، وهي ان الاستبداد طريق الاحتلال والحرية طريق الاستقلال، عندما نعي هذه الحقيقة ندرك ضرورة وأهمية حرية الشعوب ووعيها بتاريخها وتراثها، فبالحرية والوعي تبقى الشعوب حية ولو مرت بنكبات وبفقدهما تموت ولو عاشت بخيرات، فالتاريخ هنا يعيد نفسه، فما أشبه الليلة بالبارحة.


سيف الهاجري


كاتب وناشط سياسي كويتي

[email protected]     

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي