No Script

صنّاع الفن لـ «الراي»: الحاجة لكتّاب محترفين ومساحة الحرية سببان لغيابها

الكوميديا السوداء... «مُظِلمة» في الأعمال الكويتية

تصغير
تكبير

«الكوميديا السوداء باتت مُظلمة في الأعمال الكويتية»!

هذا ما رشح من آراء صنّاع الفن في الكويت ممن يعملون في التمثيل والكتابة والإخراج وحتى الجانب الأكاديمي منه، الذين سألتهم «الراي» عن سبب أفول نجم هذا النوع من الكوميديا، الذي يحمل أسماء كثيرة، منها «المُظلِمة» أو «السوداء»، أو حتى الدعابة السوداء، إن كان في الدراما أو المسرح وحتى السينما التي بدأت تخطو نحو الصعود أخيراً.

الغالبية عزت السبب إلى غياب الكتّاب المحترفين، في حين اجتمعوا على أن مساحة الحرية التي تحتاجها، قد تكون سبباً رئيسياً أيضاً، لاسيما أنها تتعامل مع موضوعات جادة كانت أو مؤلمة للمناقشة، وتعتبر من المحرمات في المجتمع، بطريقة ساخرة.

جاسم النبهان: نحتاج كتّاباً محترفين

قال الفنان القدير جاسم النبهان: «(شر البلية ما يضحك)، هو ما يفسر معنى الكوميديا السوداء»، لافتاً إلى أنها نادراً ما تتواجد في النصوص الدرامية، «وهي عمل ساخر يحمل كوميديا توظف قضايا جريئة جداً بأسلوب كوميدي حتى يتقبلها المشاهد».

وأضاف النبهان أن «هناك كوميديا سوداء في المسرح والسينما، ولكن ليس بكثرة كما هو مفترض»، موضحاً «نحتاج إلى كتّاب محترفين لكي يعطوا الجرعة المناسبة في النص بحبكة معينة تخلق الكوميديا السوداء بطريقة مقبولة للجمهور».

واعتبر أن «الكوميديا السوداء تحتاج إلى مساحة من الحرية، وغالباً ما تطرح في السينما»، مشيراً إلى فيلم «مسج» الذي شارك فيه، وهو من تأليف وإخراج رمضان خسروه، تناول هذا النوع من الكوميديا عبر قصته التي تدور حول مدرس متوسط الدخل، الذي يتطلع للسفر خلال عطلة الصيف، لكنه يصطدم بعائق أنه لا يملك المبلغ الكافي، لذلك يلجأ إلى الاقتراض من البنك، وفي طريقه إلى تحقيق أمنيته، يصطدم بمنعه في المطار بسبب ديون متراكمة عليه، ليدخل في صراعات مع الجهات المعنية والبيروقراطية للخلاص من هذه الديون.

شايع الشايع: البسيطة الاستهلاكية... مسيطرة

رأى عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية (قسم الإخراج والتمثيل والإلقاء) الدكتور شايع الشايع أن «الكوميديا السوداء تطرح من خلال المدرسة الواقعية أو التعبيرية، وكذلك تحتاج إلى فكر مؤلف ومخرج وممثلين بارعين»، مؤكداً أنه «لا يوجد لدينا كتاب محترفون وهناك ندرة بشكل عام في كتاب الكوميديا».

واعتبر أنه «لا يتواجد لدينا إلا الكوميديا المفتعلة الارتجالية، وليس هناك نص محترف مبني على حبكة مكتوبة بشكل صحيح حتى نخلق كوميديا سوداء، وهذا ما يحدث كذلك في المسرح وفي غالبية الأحيان نستعين بالمسرح العالمي لتواجد النص الجيد والحبكة الدرامية».

وأشار إلى أنه الكوميديا البسيطة الاستهلاكية هي المهيمنة حالياً، حتى المنتج يفتح شباكاً فقط من دون النظر إلى النص الجيد، وهي عبارة عن أفكار متناقضة ارتجالية، مؤكداً أن «النص المسرحي يكون مكتوباً لعرض ساعة أو ساعة ونصف الساعة على الأكثر، ولكن تستمر المسرحية لمدة 4 ساعات بما أن غالبيتها ارتجالية».

وفيما أشار إلى أننا «لا نملك أدوات الدراما»، أوضح أن «كل دول العالم ترجع إلى تاريخ المسرح عن طريق النصوص، وإذا تم إلغاؤه واعتمدنا على كتاب بسيطين، فسوف نخلق كوميديا بسيطة، وإذا لم يوجد مؤلف محترف، فذلك سيؤثر على المخرج كذلك، لأنه يعد المؤلف الثاني للصورة، ومن الصعب أن يشتغل على الصورة ويربط الأحداث من دون وجود نص، ولذلك يعتبر ما يقدم (Show) وليس مسرحاً».

منى الشمري: تعري الواقع وتكشف المستور

اعتبرت الروائية وكاتبة الدراما منى الشمري أن «الكوميديا السوداء الأصعب في الكتابة، فهذا النوع يناقش قضايا ملحة، اجتماعية أو سياسية، بشكل ساخر وبسيط من دون تعقيد، يمكنه من التسلل إلى وجدان المشاهد، يلامس عجزه أحياناً عن تغيير الواقع المؤلم»، موضحة أنها «ضحك يشبه البكاء، ولهذا كتابة هذا النوع من الكوميديا يحتاج مقومات قد لا تتوافر لدى جميع كتاب السيناريو».

وأكدت الشمري أن «الكوميديا السوداء تحتاج إلى ذكاء حاد من الكاتب في التقاطعات الصادمة والمضحكة في الوقت ذاته، والاحترافية في إصابة كبد الحقيقة، وكاتب يعرف من أين تؤكل كتف الفكاهة والسخرية منها في آن واحد، حتى لا تضيع رسالة العمل الفني خلف المواقف الساذجة والابتذال والإسفاف في العمل الفني، فهي مهمة ثقيلة و كتابة تتطلب جدية ونضجاً وثقافة ومعرفة ووعياً كبيراً بما يدور في المجتمع، والتعبير عنه بشكل هزلي».

وأوضحت أنه «من السهل أن تبكي المشاهد، لكن من الصعب أن تجعله يضحك، فما بالك حين يضحك على مأساته؟... لهذا، نفتقد الكوميديا السوداء في العالم العربي بشكل عام، كما أنها تحتاج هامشاً كبيراً من الحرية وطرح الإسقاطات اللاذعة اجتماعياً وسياسياً على القضايا المأسوية، وهو أمر مرفوض من الجهات الرقابية التي تبيح إجازة الأعمال الفنية، ما يسبب لها إزعاجاً لأنها تعري الواقع وتكشف المستور».

عبدالرحمن العقل: زمن الخيبة السوداء

«غير موجودة في عصرنا الحالي». هكذا جزم الفنان القدير عبدالرحمن العقل الأمر بانعدام الكوميديا السوداء عن الساحة الفنية المحلية، لافتاً إلى أن «الموجود لدينا كوميديا لمجرد الكوميديا»، ومؤكداً أن «هناك الكثير لا يعلم ما هي الكوميديا السوداء حتى يهتم لوجودها سواء على المسرح أو في الدراما أو السينما».

وأشار إلى أن «هذا النوع من الكوميديا طُرح بالشكل الصحيح منذ زمن المخرج المسرحي فؤاد الشطي، حيث قدم العديد من المسرحيات التي تحوي الكوميديا السوداء مثل مسرحية (رحلة حنظلة) التي حصل بفضلها على جائزة أفضل عرض مسرحي في مهرجان بغداد المسرحي سنة 1985، وقدم الكوميديا السوداء على خشبة المسرح بشكلها الصحيح، وكذلك كرمته العديد من المهرجانات العربية المسرحية».

وأكد العقل أننا «نعيش في زمن الخيبة السوداء، سواء من المسرح أو الكتّاب المحترفين، وأعتبر أنهم قلة ولا يوجد من هو قادر على خلق نص يتضمن الألم والضحك في الوقت ذاته، ما يصعب وجود الكوميديا السوداء أو البيضاء».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي