No Script

من الخميس إلى الخميس

البلد لا يُدار «صح»

تصغير
تكبير

من قال إن الصراحة راحة لم يَصْدُق، فالصراحةُ متعبة وعادة يتبعها أذى وليس فيها راحة.

الصراحة، ان الكويت لم تجد حكومة تديرها بشكل صحيح.

هل يمكن أن نستمر بحياتنا الطبيعية إذا حدث أمرٌ ما واختفى النفط أو فقد أهميته؟ لو وجَهت هذا السؤال لكل مواطن كويتي لكانت الإجابة بالإجماع على كلمة لا.

ورغم بساطة الموضوع ووضوحه والكل يعرفه والبعض نبّه عليه منذ عقود، وكل عاقل كويتي يرى أمامه الخطر.

كم أُنشئت لجان ومجالس تخطيط ومجالس تنفيذ واستعانوا بخبراء جادين وخبراء مرتزقة، وكل تلك الجهود كُتبت ثم حُفظت دون تنفيذ، وبعضها تجده تحت كومة تراب في المجلس الأعلى للتخطيط.

مثقفون صاحوا طويلاً، بعضُهم مات في همّه، والبعض هاجر والبعض ما زال يصرخ، ولم يتغير شيء.

وضعنا الصناعي الذي هو مستقبل أبنائنا يدعو للحسرة، فلدينا 80 مصنعاً مُصدّراً ويمكنك فهم هذا الرقم إذا عَلِمتَ أن الإمارات العربية لديها أكثر من ستة آلاف مصنع مُصدر، ما يُنفق لدينا على جانب البحث والتطوير الصناعي يبلغ نحو 14 مليون دينار سنوياً، منها مليونان لجميع المصانع الخاصة، و12 مليوناً للمصانع الحكومية، أرقامُ متواضعة يقابلها بذخٌ كبير ومُبالغ بها في مصاريف غير ذات عائد.

أما البحر، مصدر رزقنا القديم، وأمل مستقبلنا فحدّث ولا حرج، فصناعة السفن تراث نتغنى به والبحر مصابٌ بأمراض، ويعاني من الأذى الذي نُحدثه به وكأننا عن عَمَدٍ نُفسِدُ مَصدر رزقٍ لنا في المستقبل.

اليوم، نحن نتبنى تصدير النفط وسبق أن أنشأنا بعض الصناعات النفطية ومنهما نجمعُ الأموال ونكيشها ونصرفها على جيش من الموظفين، وعلى المنح والهدايا والمشاريع الاستهلاكية الكبرى والصغرى التي تكلف ضعف أو أضعاف قيمتها الحقيقية ونستمر على طمام المرحوم، ويبقى السؤال في أول المقال دون تغيير في الاجابة.

الصراحةُ، أن الكويت تدار بحكومات غير مؤهلة لإدارة دولة، والصراحةُ أن معظم الشعب الكويتي فَقَدَ الثقة في مؤسساته، والصراحةُ أن الشباب في معظمهم يدركون أنهم في خطر، وغير آمنين على مستقبلهم ومستقبل أولادهم والسبب أنه لا يوجد عاقل أو حتى نصف عاقل لا يرى ما تؤكده التقارير، فالكويت تعتمد على ما يقارب التسعين في المئة من دخلها على النفط وهو مصدر نافد، هل يمكن الاعتماد على مصدر واحد نافد لإقامة دولة واستمرارها؟ هناك خطرٌ الكل يعرفه ولكن الحكومة غير مهتمة بصورة جدية أو لا تعرف والنتيجة واحدة.

هل هناك حل؟ طبعاً فما زال لدينا وقت، ربما عشرات السنين، ولكنها ليست طويلة جداً وكل تأخير قد نندم عليه، فبناء منظومة إنتاجية قوية لدولة المستقبل تحتاج إلى ثورة في المفاهيم وتغير في منهجية الدولة، نحتاج إلى تغير في أساليب التعليم وبناء الشباب، نحتاج إلى تغيرات اجتماعية تعيد الوطن إلى النفوس، نحتاج إلى محاربة الفساد بصُوَرهِ المختلفة وليس فقط الفساد المالي، نحتاج إلى إعادة الثقة بالعدالة الاجتماعية وكسر احتكار طبقة معينة وسيطرتها على الاقتصاد.

هناك حلٌ وأملٌ ولكن من هي الحكومة القادرة على تحقيق الأمل؟ الشعب الكويتي نفسه يحتاج إلى من يأخذ بيده إلى التطور والتغيير، فما زالت الدولة تفرض عليه أسلوب اللامسؤولية وتُعمّق من سلوكياته السلبية، حتى أصبح الشعب في مجمله لا يثق إلا فيمن يكون من قبيلته أو طائفته أو من حزبه، لهذا فَسُدت العملية الانتخابية، أما الحكومة التي تُشكّل، كل شوي، فتقوم على المحاصصة والإرضاءات، وحتى أصحاب الكفاءة لا بد من توصية عليهم، وضمان بأن يكونوا خوش أوادم، وهكذا نعيش في دوامة منذ فترة طويلة، ورغم كل تفاؤلنا بالمستقبل، وإدراكنا أن الخير ولله الحمد كثير في بلدنا إلا أن هذا لا يعني قدرتنا على مواجهة تحديات المستقبل، وفي هذا الشأن ضرب لنا التاريخ عشرات من الأمثلة، منها مثل فينا نحن عندما انهارت أسعار اللؤلؤ الطبيعي بمنافسة اللؤلؤ الزراعي ومعاناة أجدادنا لولا لطف الله بنا.

إن قيمنا الاجتماعية التي نعيشها اليوم والقياسات الحكومية التي تُدير بها الدولة لن تُغيّر حالنا للأفضل، وسنستمر على المنهج نفسه، وسيستمر البعض بالصياح والتحذير بانتظار من يسمع ويبدأ الخطوة الصح، الخطوة الصح التي تعني العمل الجاد وليس أساليب تشكيل اللجان وزرع الخلافات والصراعات الهادفة إلى السيطرة السياسية وإشغال الشعب، نحن نحتاج، بصراحة، إلى حكومة قادرة.

ندعو الله سبحانه بأن يرزقنا بمسؤولين يحبهم الوطن ويحبونه.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي