فرحت كثيراً عندما قامت إحدى شركات القطاع الخاص، بتكريم الفنان القدير محمد جابر، المشهور بلقب «العيدروسي» الذي له دور بارز في الحركة الفنية الكويتية، وقد كانت انطلاقته من قبل المسرح المدرسي ثم بتمثيلية، إلى أن اشتهر بدور العيدروسي بمسرحية «اغنم زمانك»، ثم كانت مرحلة الإبداع في المسرح والتلفزيون، إضافة الى قيامه بإعداد وتأليف بعض الأعمال المسرحية للأطفال، وله حضور مميز في المسلسلات التراثية التي كانت تعرض على تلفزيون الكويت في السبعينات والثمانينات.
وتبع ذلك مجموعة من المسلسلات والمسرحيات الكوميدية التي قدمها بروح شفافة أحبها الجمهور، كما قدم بعض الأدوار غير الكوميدية التي تمثل جانباً من انعكاسات الحياة في المجتمع الكويتي.
ومن منا لا يذكر إبداعاته مع زملائه الفنانين بأعمال فنية كثيرة مثل «محكمة الفريج»، ومسلسل علاء الدين والعتاوية ودرس خصوصي ومدينة الرياح والخراز ومسرحيات مثل الكويت سنة ألفين، وعزوبي السالمية وباي باي لندن، وغيرها من الأعمال المسرحية الناجحة.
ونجح الفنان محمد جابر بالتخلص من قيود شخصية العيدروسي التي اشتهر بها، فقام بتجسيد سلسلة من الأدوار المغايرة لطبيعة تلك الشخصية، حيث إنه قدم التراجيديا، خاصة في مسلسل الداية مع الفنانة حياة الفهد، حيث إنه كان هناك مشهد لعملية الدفن، فكان مؤثراً بصورة كبيرة لدرجة أن فريق التصوير تأثر أثناء عملية التصوير.
ويؤكد لي بعض الفنانين أنه فنان متواضع، ويمتاز بدماثة الخلق، ولا يبخل على الفنانين الشباب بالنصح دون استعلاء، إضافة إلى خبرته الطويلة في عملية الإنتاج الفني.
والفنان محمد جابر، عملاق بأدائه، فهو لا يرتبك أمام أي فنان كبير مهما كانت قدرته ونجوميته، وقد عمل خلال مسيرته مع عمالقة الفن الكويتي، واستطاع أن يجد لنفسه مساحة صنعت نجوميته من بين كثرة الأسماء المبدعة في الفن الكويتي.
ولست بصدد استعراض أعماله الفنية على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن، إلا أنني أتساءل عن سبب عدم تكريمه عبر منحه جائزة الدولة التقديرية، إذ إنه يستحقها بجدارة، خاصة أن شروط الحصول عليها تنطبق على هذا الفنان الذي أعطى الكثير، فصنع الابتسامة على وجوه الصغار قبل الكبار.
ومن حق كل مواطن كويتي أن يفتخر بفكرة وجود جائزتي الدولة التشجيعية والتقديرية، واستمرارهما إلى يومنا هذا، الأمر الذي يعكس على مدى تكريم الدولة لمبدعيها من الأدباء، الذين يكتبون الشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرح والفنانين التشكيليين الذين يقومون بالرسم والنحت والخزف، إضافة إلى التمثيل والإخراج والديكور والغناء والتلحين والشعر الغنائي، وقد تم تكريم الكثير من المبدعين الكويتيين ومنهم من ينتظر، حيث إن هناك الكثير من الأسماء التي تستحق التكريم.
إن عملية تكريم الفنان المخضرم محمد جابر، باتت ضرورة ملحة، ليس لرمزية الجائزة وليس لقيمتها المادية بقدر ما هي قيمة معنوية، فكم هو جميل أن يشعر المبدع بمكانته في المجتمع، حيث إن حب الناس لهذا الفنان هو الرصيد الحقيقي الذي يفتخر به، وهو التكريم الحقيقي الذي يحصل عليه، لأن الفن هو عمل إنساني راقٍ يقدمه مجموعة من الفنانين لمناقشة قضايا المجتمع، وأشهد أن الفنان محمد جابر يأتي في مقدمهم، متمنياً لهذا الفنان دوام الصحة والعافية، والمزيد من العطاء، حيث إن الفنان لا يعتزل مثل الرياضيين لطالما كان قادراً على العطاء، ولطالما وجد عملاً فنياً مناسباً ليقدمه.