أهمها: لقاحات «كوفيد- 19» التي تعتمد على تقنية mRNA

الابتكارات الطبية الأبرز ... خلال 2021

No Image
تصغير
تكبير

بينما يُلملم العام 2021 أمتعته استعداداً للرحيل، فإنه كان بالتأكيد عاماً مفعماً بالابتكارات البحثية والتكنولوجية في مجال الطب - الكبيرة والصغيرة على حد سواء - وهي الابتكارات التي من المتوقع أن يكون لبعضها أدوار إيجابية في تحسين الرعاية الصحية على مستوى العالم.

وعندما يصل العام 2022 في غضون ساعات معدودة، سيكون قد مر عامان كاملان على بدء تفشي جائحة كوفيد-19 التي ما زالت ظلالها مخيمة على الجميع، وهي الجائحة التي ما زالت مستمرة في إعادة صياغة أنماط الحركة حول العالم، فضلاً عن كيفية إدارة وتقديم الرعاية الصحية.

وفي إطار رصدنا لحصاد تطورات الأبحاث الطبية على مدار العام 2021، نستعرض في التالي آراء وتقييمات عدد من أبرز الخبراء الغربيين في مجموعة من التخصصات الطبية حول عدد من أبرز الابتكارات الطبية التي رأوا أنها كانت الأهم وأنه من المتوقع أن تكون لها انعكاسات إيجابية خلال العام 2022 وما بعده:

لقاحات بتقنية الـmRNA

هناك إجماع بين الخبراء على أنه لا يمكن استعراض أبرز وأهم الابتكارات الطبية التي شهدها العام 2021 من دون الإشادة بنجاح العلماء في تطوير أول لقاحات مضادة لفيروس كورونا المستجد تعتمد آلية عملها على تقنية الـ mRNA (أي: حمض الـRNA المرسال).

وجاء تطوير بعض اللقاحات المضادة لمرض كوفيد-19 (كلقاحي فايزر وموديرنا) بفضل تقنية متطورة لتحرير الجينات، وهي التقنية التي تعتمد على تعديل حمض الـ RNA الوراثي بحيث يتحول إلى «مرسال» يقوم بتحفيز استجابة مناعية في الجسم ضد فيروس كورونا المستجد.

وعن ذلك، قال البروفيسور «ليور بريمبيرغ»، الأستاذ المساعد في معاهد فاينشتاين للأبحاث الطبية في نيويورك: «الواقع أن لقاحات المرسال القائمة على تقنية mRNA أحدثت تغييرا هائلاً في قواعد اللعبة، ليس فقط في ما يتعلق بالتصدي لجائحة كوفيد-19، ولكن أيضاً في ما يتعلق بمكافحة الفيروسات الوبائية عموماً في المستقبل... فهناك تجارب جارية حالياً لتقييم مدى فعالية لقاحات mRNA على فيروسات الإنفلونزا وعلى فيروس نقص المناعة البشرية المسبب لمرض الإيدز.

وأضاف بريمبيرغ متفائلاً:«تبشر المعطيات الأولية إلى أن هذه التقنية ستؤدي إلى ابتكار لقاحات تتمتع بسرعة وكفاءة أكبر ضد الفيروسات الحالية أو التي ستظهر مستقبلاً».

وأيده الرأي زميله الدكتور إيريك تشانغ، حيث قال:«الواقع أن تقنية mRNA تستحق أن تتصدر قائمة الابتكارات الطبية الأهم والأبرز خلال العام 2021، خصوصاً أنها سمحت بإنتاج أعداد ضخمة من الجرعات، علاوة على أنها تتيح إمكانية إجراء تعديلات لمواجهة متحورات فيروس كورونا التي تظهر بين الحين والآخر».

وأضاف تشانغ:«في موازاة ذلك، كان هناك تطور طبي فائق الأهمية تمثل في تطوير الاختبارات المنزلية السريعة للكشف عن كوفيد-19 بدقة عالية جداً. تلك الاختبارات شكلت منعطفاً مهماً جداً في المعركة المستمرة ضد الجائحة. فتلك الاختبارات المنزلية تمكن الشخص العادي من معرفة ما إذا كان إيجابياً بسرعة والتصرف على هذا الأساس دون الحاجة إلى الذهاب إلى عيادة أو مختبر».

ثورة في مجال «التحرير الجيني»

في أكتوبر 2020، دخل«إيمانويل شاربنتير»و«جينيفر دودنا»التاريخ معاً بفوزهما بجائزة نوبل في الكيمياء تكريماً لنجاحهما الباهر في إحداث نقلة ثورية في تقنية تحرير الجينات، وهي التقنية التي باتت تعرف بـ CRISPR/Cas9.

ولتوضيح هذه التقنية بعبارات بسيطة، فإنه يمكن أن نتصورها وكأنها «مقص جيني» يتألف من إنزيمات تقوم بتقطيع أجزاء من الحمض النووي ثم تعيدها إلى وظيفتها الطبيعية بعد إصلاحها. وبهذا، نجحت هذه التقنية الجينية لأول مرة في اقتطاع أي نوع من جزيئات الحمض النووي في مكان معين وفقا للحاجة العلاجية.

وقال بريمبيرغ:«شهد العام 2021 أول إثبات عملي لإمكانية تطبيق تقنية CRISPR/Cas9 على البشر، حيث تم حقن عقار يعتمد على تلك التقنية في دم مرضى مصابين بمرض قاتل يسمى الداء النشواني، وأثبت ذلك العقار أنه يقلل بشكل كبير من مضاعفات المرض عن طريق كبح إفراز بروتين سام معين من الكبد. وهذه خطوة فارقة على طريق الأدوية المعالجة لذلك الداء العضال.

ومن جانبه، قال الدكتور دونالد لويد-جونز، رئيس جمعية القلب الأميركية:«هذا التطور المهم ستكون له انعكاسات إيجابية كبيرة على صحة القلب. فهناك مرضى كثيرون لديهم جين يسهل إنتاج الكثير من البروتين السام الذي يفرزه الكبد ويتراكم في عضلة القلب مع مرور الوقت، وهذا يجعل عضلة القلب تصبح سميكة جداً وغير قادرة على ضخ الدم بكفاءة».

وتابع موضحاً: «لقد سمحت تقنية CRISPR/Cas9 لأول مرة باستهداف هذا العيب الجيني وجعله يتوقف عن إفراز ذلك البروتين السام بكميات مفرطة، حيث وصلت نسبة الانخفاض إلى 90 في المئة، وبهذا توقف ذلك البروتين عن التراكم في عضلة القلب. لقد كان ذلك الأمر حلماً في الماضي، لكنه أصبح واقعاً ملموساً بعد أن بدأ تطبيقه عملياً».

لكن تطبيقات تقنية CRISPR/Cas9 لا تقتصر على معالجة الداء النشواني، بل تمتد لتشمل إمكانية معالجة أمراض أخرى كثيرة. فعلى سبيل المثال، أشار الدكتور لويد-جونز إلى أنها«يمكن أن تفيد المرضى الذين يعانون من فرط كوليسترول الدم الذي ينجم عن عوامل وراثية، وهو اضطراب خطير يصيب جيناً معيناً فيجعل جسم المريض غير قادر على التخلص من كوليسترول الدم الزائد».

أولئك المرضى يصابون عادة بنوبات قلبية مميتة في سن المراهقة والشباب. لكن بفضل نجاح هذه التقنية في إصلاح هذا الجين، ستزداد فرص بقائهم على قيد الحياة.

تكنولوجيا الاتصالات... في خدمة الطب

هناك إجماع واسع بين الخبراء في المجال الطبي على أن هناك العديد من الأمثلة التي تشير إلى أن تكنولوجيا الاتصالات قد خطت خطوات واسعة خلال العام 2021 على طريق تذليل عدد من العقبات والمشكلات الشائعة في مجال الرعاية الصحية.

وعن ذلك قال تشانغ:«أحد أبرز الأمثلة على ذلك يتجسد في التطور المذهل الذي شهدته أجهزة تنظيم ضربات القلب التي تعمل بتقنية البلوتوث، والتي تتيح الاتصال الفوري والمتكرر بين الجهاز المزروع في جسم المريض وبين الطبيب المعالج».

بالإضافة إلى ذلك، نوّهَ تشانغ بدور تكنولوجيا الاتصالات في تطوّر مهم آخر أصبح رائجاً ومفيداً بشكل خاص خلال ذروة إغلاقات كوفيد-19 المتسارعة، ألا وهو التطبيب عن بُعد.

وأضاف تشانغ:«صحيح أن نشر التطبيب عن بعد على نطاق واسع كان ضرورياً بسبب الجائحة، لكن التحسينات التي طرأت خلال 2021 على مستوى جودته وإمكانية الوصول إليه خلال هذا العام كانت مذهلة حقاً».

كما أشاد تشانغ بالتطور الكبير الذي حصل خلال 2021 في مجال التعلُّم الآلي المدعوم بتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI)، موضحاً:«هذا النوع من التعلم الآلي مهم جداً في علم الأمراض الرقمي، وذلك لأنه بات يسمح لنا بالاستفادة من التحليلات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي لتشخيص عينات الأنسجة، وبالتالي الكشف المبكر عن كثير من الأمراض».

بشائر... لصحة القلب

يتميز مجال صحة القلب والأوعية الدموية بأن هناك الكثير من الأبحاث التي تتم باستمرار وتؤتي ثماراً مشجعة.

وتأكيداً لهذا المعنى، قال الدكتور لويد-جونز:«قبل نحو 20 عاماً، لم يكن هناك أي شيء تقريباً يمكن أن يساعد في علاج مشاكل فشل وقصور القلب. لكن ذلك تغير تدريجياً مع مرور السنوات، خصوصاً خلال العام المنصرم الذي شهد إجراء تجارب رائدة بحثت لأول مرة في فئة جديدة تماماً من أدوية القلب تُعرف باسم مثبطات الناقل المشارك صوديوم-غلوكوز-2، وهي مصممة أساساً لمعالجة داء السكري لكنها أثبتت أنها فعالة حقاً في معالجة مشاكل القلب، وتقليص مخاطر الموت القلبي الوعائي، وتحسين وظائف القلب بشكل عام. أعتقد أنه هذا التطور كان من أهم التطورات خلال 2021، وستستمر التجارب خلال 2022 لإظهار مدى قوة وفعالية هذه الفئة من الأدوية».

وأضاف: «يتمثل الخبر السار الذي يبشر بتحقيق نتائج إيجابية على هذا الصعيد في أن هذه المثبطات آمنة وفعالة جداً، وستخلق تحولاً جذرياً في شفاء مرضى القلب»، مستشهداً بنتائج دراسات حديثة أكدت على أن كبح تأثيرات الصوديوم (ملح الطعام) يلعب دوراً حاسماً في الوقاية من معظم مشاكل القلب والأوعية الدموية.

أجنة خارج الرحم... وإنسولين بديل

على جبهات طبية أخرى، أشاد البروفيسور بريمبيرغ بنتائج دراسة بحثية أجريت خلال العام 2021، حيث ابتكر علماء أحياء تطورية طريقة جديدة وغير مسبوقة لزراعة أجنة فئران خارج الرحم لفترة أطول من أي وقت مضى.

وقال بريمبيرغ إن أهمية هذه الخطوة تكمن في أنها «ستؤدي لأول مرة إلى استيضاح آليات النمو التي تؤدي إلى تكوين الأنسجة لدى الثدييات، كما ستسمح باستكشاف تأثير التعرض في الرحم للعوامل المختلفة التي يمكن أن تؤثر على عمليات النمو الطبيعية، بما في ذلك نمو خلايا الدماغ. وسيكون ذلك مفيداً لفهم آليات نمو الأجنة البشرية».

ونوّه بريمبيرغ أيضاً بالخطوات البحثية الواعدة التي أدت إلى جعل الإنسولين ميسور التكلفة، مستشهداً بموافقة إدارة الغذاء والدواء (FDA) الأميركية على عقار Semglee، وهو أول بديل حيوي لمعالجة مرض السكري بكفاءة، مضيفاً: «تطوير مثل هذا الدواء سيؤدي إلى تخفيض تكلفة علاج مرض السكري بشكل كبير. وهذه الخطوة ستكون علامة فارقة بالنسبة لمئات الملايين حول العالم ممن يعتمدون يومياً على الإنسولين كعلاج».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي