ماذا بعد دعوة الملك سلمان القادة اللبنانيين لوقف «هيمنة حزب الله الإرهابي على مفاصل الدولة»؟
«صندوق باندورا» اللبناني يتطاير إلى... 2022
- «سيدات عربات الخضار»... ظواهر جديدة من مواجع اللبنانيين
- «العم فريد» عاش «ميتاً» في سيارته ومات فيها من البرد والجوع... والمرض
- أرصفة وكأنها «وطن بديل» لـ لبنان كان يا ما كان
- صدى سلبي في الرياض لكلام ميقاتي عن «حزب الله السياسي»
لن يحتاج لبنان في ليلةِ وداعِ 2021 إلى المنجّمين والعرّافين لتقليب ما سيكون في السنة الجديدة... فالمكتوب لـ 2022 يُقرأ من عنوانه، وكلّه بالأحمر الذي يضيء كاملَ لوحةِ المؤشراتِ المالية والنقدية والمعيشية والتضخمية التي تتدحرج معها «بلاد الأرز» منذ 2020 على سلّم الشعوب الأكثر فقراً وبؤساً وتعاسة في الطريق نحو القعر المفتوح لـ «جهنّم» اللبنانية.
وعلى أهمية قرقعة «المعارك السياسية» والمكاسراتِ بين مكوّنات حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي يضربها التعطيل منذ 80 يوماً فيما البلاد تسير على حبل مشدود فوق «أفواه البراكين»، فإن الأكثر تعبيراً عن حال الوطن الذي ما عاد «بلد العيد» أطلّ من مواجع مواطنين حوّلتهم فواجع الانهيار إلى ظواهر تلتقطها العدسات، ومشرّدين يموتون من البرد والجوع على طرقٍ ترتسم على أرصفتها ملامح «الوطن البديل» عن لبنان... كان يا ما كان.
سيدتان في بيروت تجرّ كل منهما عربة خضار، صارتا حديث آخِر ساعات السنة التي تستعدّ للرحيل «بلا طبل وزمر»... فالعاصمة التي فاخرت يوماً بأنها كانت للشرق «لؤلؤةً» والتي تغفو لياليها الحزينة في أحضان شوارع مقفرة، لم تألف بعد مظاهر الإفقار لناسها الذين باتت أحلامهم بحجم عربة خشبية أو سيارة كانت بيتاً وتحوّلت... نعشاً.
هذه كانت حال «العم فريد»، السبعينيّ الذي شغل وسائل الإعلام عشية عيد الميلاد بعدما رُصد يعيش في سيارته (في إحدى ضواحي بيروت الشرقية) وحيداً يصارع برْد الشتاء ومرض القلب، ومن خلفهما «قلوباً متحجّرة» تركت لبنان وشعبه فريسة الانهيار الشامل وتَناحُر المسؤولين حتى آخِر رَمق لـ... آخِر لبناني.
«العم فريد» الذي هَرَعَتْ لمساعدته إحدى الجمعيات وسعت لتأمين سقف يؤويه، عاجَلَهُ الموتُ بين الميلاد ورأس السنة في السيارة نفسها التي فيها عاش «ميتاً» ومات ليبقى حياً في دموع مَن أرادوا مدَّ يد العون، فسبقهم الرحيل المأسوي الذي لم يكن لرجلٍ قال في آخر كلامه على الكاميرا «لا أعتقد أنني سأصمد حتى السنة الجديدة»، بل بدا وكأنه لوطنٍ «يزحل» على يد... حفّاري القبور.
وطنٌ أكثر توقّعات أبنائه تَفاؤلاً للسنة الجديدة، ألا تقسو عليهم أكثر من 2021 التي فُتح معها «صندوق باندورا» المالي بكوارثه المروّعة، فيما السلطة تتناحر في «الغرف السود» وبها، وتتبادل «الصناديق السود» لأزماتٍ لا تنفكّ تتوالد في السياسة وأُدخلت معها حكومة ميقاتي في «كوما» بعدما علقت في شِباك الصدامات بين أركانها فتصدّعت من دون أن تقع.
وفيما العيون شاخصةٌ بعد غد الأحد ثم الاثنين على إطلالتيْ رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل (صهر الرئيس ميشال عون) والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، بوصْفهما ستحددان المنحى الذي ستأخذه «المواجهة الموْضعية» بين الطرفين والتي تُعتبر من تشظيات «الحرب المفتوحة» بين فريق عون ورئيس البرلمان نبيه بري على خلفية إصرار الأخير مدعوماً من الحزب على إقصاء المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، فإن السنة الجديدة تحلّ على وقع طغيان البُعد الخارجي للأزمة اللبنانية على مناكفات الداخل ومعاركه الصغيرة.
ولعلّ أقوى تعبير عن هذا الأمر شكّله تتويج الموقف السعودي التصاعدي بإزاء الواقع اللبناني و«أصل» المشكلة فيه، بكلامٍ بالغ الدلالات ويُنتظر أن يرتب مفاعيل في أكثر من اتجاه أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي دعا «القيادات اللبنانية إلى تغليب مصالح الشعب اللبناني الشقيق وتحقيق ما يتطلع إليه من أمن واستقرار ورخاء»، ووقف ما وصفه بـ «هيمنة»حزب الله«الإرهابي على مفاصل الدولة».
واكتسب موقف الملك سلمان أهميته الـ ما فوق عادية باعتبار أنه جاء عقب اتهام تحالف دعم الشرعية في اليمن لـ «حزب الله» بدعم الحوثيين في «استهدافاتهم الإرهابية» للمملكة وكان آخِرها في جازان، وصولاً لمطالبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتصرف بإزاء «جرائم حرب» الحوثيين و«موردي أسلحتهم والموارد التي تمول أعمالهم الإرهابية».
ورأت أوساط سياسية أنه في موازاة تأكيد خادم الحرمين وقوف المملكة الى «جانب الشعب اللبناني الشقيق»، فإن رسالته المباشرة في ما خص وضعية «حزب الله» شكلت امتداداً لموقف الرياض القائم على أن الأزمة هي أولاً في لبنان وأن حلّها ينطلق منه وعبر مسؤوليه، وذلك في موازاة إحياء السعودية الإطار الدولي الناظم لملف «حزب الله» وسلاحه والذي تشكله قرارات مجلس الأمن 1559 و1680 و1701، وفق ما عبّر عنه «إعلان جدة» بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس ايمانويل ماكرون والذي سرعان ما صار عنواناً خليجياً مشتركاً.
ولاحظت هذه الأوساط أن موقف الملك سلمان جاء على وقع مؤشرات عدم رضى سعودي على المواقف الأخيرة لميقاتي، الذي كان منحه اتصال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان - الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، به «فترة سماح» لترجمة «إعلان النيات» ببدء تصويب المسار اللبناني في شقه السياسي – السيادي كما الإصلاحي، قبل أن يطلق يوم الثلاثاء كلاماً رداً على سؤال حول ما يُقال عن «الاحتلال الايراني» للبنان بأن «لبنان دولة مستقلة ونحن نبذل كل جهدنا لتكريس هذا الأمر. واذا كان المقصود«حزب الله»، فهو حزب سياسي موجود على الساحة اللبنانية كبقية الأحزاب، ولا أسمح لنفسي بأن أقول أو أعترف بأيّ نفوذ لأيّ دولة خارجية على الساحة اللبنانية».
وأشارت تقارير إلى أن موقف ميقاتي، الذي جاء غداة مضبطة الاتهام التي وجّهها تحالف دعم الشرعية في اليمن لـ «حزب الله»، لقي صدى سلبياً في الرياض التي لم تعُد تأخذ بـ «التشاطر اللفظي» للمسؤولين اللبنانيين وفق معادلة التوفيق «بين مقتضيات التوافق الداخلي وتفادي الانفجار الكبير وبين مراعاة متطلبات احتواء الغضبة الخليجية».
ولاحظت الأوساط أن الارتباك الرسمي المتكرر بالتعاطي مع مرتكزات العين الحمراء الخليجية ومحاولات نفض الغبار عن عناوين «تخديرية» مثل الاستراتيجية الدفاعية والنأي بالنفس، تزامن مع عودة ملف تهريب المخدرات الى دول الخليج بقوة، هو الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من مجمل عناصر التأزم الديبلوماسي مع لبنان.
وغداة إحباط لبنان محاولة تهريب نحو 9 ملايين حبة كبتاغون الى الكويت في شحنة برتقال وهو ما كان محور تواصل أمس بين وزيري داخلية البلدين نائب رئيس الوزراء الشيخ أحمد المنصور الصباح والقاضي باسم مولوي، استوقف دوائر مراقبة معاودة السفير السعودي وليد بخاري (تم سحبه من بيروت منذ انفجار أزمة تصريحات وزير الإعلام جورج قرادحي العدائية للسعودية والإمارات) تغريد موقفٍ للنائب فؤاد مخزومي يتصل بملف المخدرات.
وفي تغريدته سأل مخزومي «لماذا تُضبط البضائع المهرَّبة وهي في طريقها النهائي للخليج ولا تجرؤون على مداهمة مقرات التوضيب وتوقيف المصنّعين والمروّجين والكارتيلات والميليشيات الحامية لهذه المنظومة؟ ماذا ينتظر المعنيون لوقف محاولات التهريب المتكررة التي تدمّر مجتمعنا وعلاقة بلدنا بدول الخليج العربي والسعودية»؟