أجواء من التفاؤل الحذِر تسود طاولة المفاوضات
«تربح واشنطن ولا تخسر طهران» مُعادلة تشق طريقها... في فيينا
أعادت أجواء عيد الميلاد المجيد، الحرارة إلى المساعي في شأن الاتفاق النووي الإيراني رغم برودة الطقس، التي عصفت بالقارة الأوروبية، فسادت أجواء من التفاؤل الحذر بين الموفدين الأوروبيين وإيران في فيينا، حيث تركز طهران على نقاط تعتبرها أساسية في ضوء خيارات قليلة وضعت على الطاولة بين الأطراف كافة، والتي يدركها المفاوضون، مما يدفع الجميع إلى التنازل عن سقف المطالب الأساسية، في حال أرادت طهران وواشنطن الوصول إلى نتيجة تُرضي كل الأطراف من دون أن تُحقق كل الأهداف التي تصبو إليها، الأطراف.
يأتي ذلك في وقت ذكر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، أن مفاوضات فيينا «تمضي في مسار جيد»، مضيفاً «إذا واصلت الأطراف الأخرى المفاوضات بحسن نية سيكون من الممكن التوصل إلى اتفاق قريباً وفي المستقبل القريب»، بينما توقع منسق الاتحاد الأوروبي لمفاوضات فيينا إنريكي مورا، أن يتم التوصل إلى اتفاق «في غضون أسابيع».
وقال المبعوث الروسي إلى المحادثات ميخائيل أوليانوف، إن مجموعة العمل أحرزت تقدماً «لا خلاف عليه».
فإيران تريد من مفاوضات فيينا ثلاث نقاط، هي: رفع العقوبات، التحقق من رفعها، والضمانات التي تمنع إعادة فرضها.
أما الخيارات والسيناريوهات الثلاثة الموضوعة على الطاولة فهي: إعادة إحياء اتفاق عام 2015 مع رفع العقوبات والتحقق منها، فشل الاتفاق، وإبرام اتفاق جديد أو ملحق موقت.
وتؤكد المصادر الإيرانية في فيينا، أن «التوصل إلى اتفاق أو بلوغ الطريق المسدود يحتاج من شهرين إلى ثلاثة على الأقل، علماً أن هناك تصميماً على إنجاح المفاوضات إذا كان هناك أمل ولو ضئيل بذلك».
وتقول المصادر الديبلوماسية رفيعة المستوى لـ«الراي»، إن «طهران لا تريد اتفاقاً جديداً مع أميركا والدول الموقعة (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، الصين وروسيا)، بل تريد تنفيذ الاتفاق كما هو من دون إحداث أيّ تغييرات عليه، وهي تعي أن الرئيس جو بايدن من الممكن ألا يُنفذ الاتفاق بحذافيره حتى بعد الخروج من فيينا باتفاق شامل».
وتضيف «إلا ان حكومة الرئيس ابراهيم رئيسي ليست كحكومة حسن روحاني، وتالياً فإن خطوات سلبية أميركية ستجابه بخطوات تصعيدية مماثلة ولن تنتظر إيران سنة قبل التراجع عن الاتفاق، كما فعلت حكومة الرئيس السابق».
وثمة تقديرات بأن الإدارة الأميركية لن تستطيع تقديم الضمانات التي تريدها إيران للمحافظة على الاتفاق النووي بسبب الصعوبات التي يواجهها بايدن داخلياً، وتالياً فهو لا يملك القدرة على ضمان الاتفاق بعد انتهاء ولايته نهاية عام 2024، خصوصاً أن الكونغرس يضم «صقوراً» تعتبر أن التفاوض «غير ضروري»، وان وسائل القوة العسكرية مازالت الخيار الذي تستطيع واشنطن اللجوء إليه عند الحاجة.
وهذا ما يُفقد الرئيس الأميركي، كائناً مَنْ كان، صدقية التوقيع على أيّ اتفاق، وعلى غرار ما فعله الرئيس السابق دونالد ترامب الذي مزق اتفاق عام 2015.
وقرّر المجتمعون التحادث على مستوى الخبراء، في شأن التفاصيل المهمة التي تريد إيران التأكد منها. إلا أنها تعلم جيداً انها تفاوض أميركا من دون وجودها على الطاولة، لأن الطرف الأوروبي لم يخرج من الاتفاق ولم يطبق بنوده خوفاً من الغضب الأميركي، وتالياً فإن طهران تعلم ان لا وزن لأوروبا في المحادثات سوى أنها عنصر تستطيع التخاطب معه وتظهر للعالم انها ليست ضعيفة وتستطيع فرض وتحدي أميركا، إذا كانت هي التي أخلت باتفاق وقع عليه مجلس الأمن عبر قراره الرقم 2231 ولم تحترمه واشنطن.
في نهاية المطاف، تريد إيران استعادة أموالها «المجمدة»، وتتمنى بيع نفطها والتمتع بحرية العمل المصرفي مع دول العالم.
وقد أظهرت نوايا حسنة، بالسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الدولية، بتغيير كاميرات المراقبة داخل مفاعل كرج وبإعلان مدير الطاقة الذرية الإيراني محمد إسلامي، أن بلاده لن تتجاوز عتبة الـ60 في المئة للتخصيب النقي لليورانيوم، وتالياً فهي تقول إنها لن تذهب لتخصيب الـ90 في المئة والتي تحتاجه الدول للوصول إلى مستوى تصنيع القنبلة النووية.
إلا أن انعدام الثقة بين الإيراني والأميركي، هو الذي يدفع للتفاوض وتقديم الضمانات. فقبلت طهران بالقيود المفروضة عليها من خلال المراقبة الدولية لمفاعلاتها كافة، وبتخفيض إنتاج اليورانيوم من 60 في المئة إلى 3.67 في المئة فقط.
لكن أميركا - التي خرجت من الاتفاق وأعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لتخريب المفاعلات الإيرانية وقتل العلماء - هي التي فشلت في تقديم الضمانات، التي تقول اليوم إنها لا تستطيع ضمانها بعد انتهاء حكم بايدن ولا حتى أثناء السنوات الثلاث المتبقية له، من دون أن يفرض عقوبات أخرى بعناوين مختلفة.
من الممكن أن تقبل إيران باتفاق مدته 3 سنوات، إلى حين انتهاء حكم بايدن، حتى ولو لم توقع على ورقة يذكر فيها نص واضح بذلك.
فهي تتعامل بواقعية مع الإدارة الأميركية، وتدرك أن ما فعله ترامب يستطيع أيّ رئيس آخر السير على خطاه، وتالياً لن تدمر مفاعلها كما فعلت عام 2016 بصب الأسمنت في مفاعل آراك، بل - إذا توصل الطرفان إلى اتفاق - ستحترمه لإنعاش اقتصادها والتحضر للرئيس الأميركي الجديد، الذي يمكن أن يحمل أفكاراً مختلفة لا تتناسب مع الاتفاق.
وهذا ما سيعد انتصاراً لطهران، وكذلك لواشنطن، التي ستعتبر نفسها أنها منعت وصول إيران إلى القنبلة النووية.