التوابل والأعشاب... هل تكبح ارتفاع ضغط الدم؟
في حال إهمال علاج ارتفاع ضغط الدم، فإنه يتسبّب في زيادة خطر الإصابة بأمراض، مثل: النوبات القلبية، والسكتات الدماغية، وفشل القلب، وأمراض الكلى، وفقدان البصر، وتلف الأوعية الدموية.
وبعض تلك الأمراض قد يؤدي إلى الوفاة.
وكانت بعض الدراسات السابقة قد أظهرت أن التوابل والأعشاب يمكن أن تكبح زيادة دهون وسكر الدم فضلاً عن تخفيض الإجهاد التأكسدي.
لكن حتى الآن، ما زال الباحثون لا يعرفون سوى القليل عن دور الأعشاب والتوابل لصحة القلب والأوعية الدموية مقارنة بما يعرفونه عن دور ملح الطعام على سبيل المثال.
لكن نصائح خبراء التغذية المتعلقة بخفض ضغط الدم توصي عادة باستخدام التوابل والأعشاب كبديل عن الملح لإكساب الطعام مذاقاً سائغاً.
لكن نتائج دراسة بحثية أميركية جديدة في هذا المجال أظهرت أن اتباع نظام غذائي غني بالتوابل والأعشاب يمكن أن يكبح ارتفاع ضغط الدم لدى الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
ونُشرت نتائج تلك الدراسة في العدد الحالي من المجلة الأميركية للتغذية السريرية (AJCN).
ولمزيد من التوعية، نسلط الضوء في التالي على نتائج تلك الدراسة...
استكشاف... وتأثيرات
حتى الآن، يمكن القول إن ما يعرفه الباحثون والعلماء عن التأثيرات الصحية للتوابل والأعشاب أقل بكثير مما يعرفونه عن تأثيرات ملح الطعام مثلاً في ما يتعلق بالتأثير على ضغط الدم وعلى صحة القلب والأوعية الدموية.
وبهدف استكشاف هذا المجال، أجرى باحثون في جامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية أخيراً هذه الدراسة بهدف التحقق من تأثير تناول التوابل والأعشاب بانتظام على عوامل الخطر المسببة لأمراض القلب والأوعية الدموية، وعلى رأسها ارتفاع ضغط الدم.
وقال البروفيسور بيني كريس-إثيرتون الذي شارك في الإشراف على الدراسة: «في الواقع، اتضح من خلال تجاربنا أن للتوابل والأعشاب دوراً مؤثراً وملموساً في خفض ضغط الدم.
وقد جاء ذلك التأثير مفاجئاً بالنسبة لي لكونه حصل بالتوازي مع اتباع حمية غذائية غربية».
وتابع: «فنحن نعلم بالفعل تأثيرات العديد من عوامل نمط الحياة الغربية التي ترفع ضغط الدم – كملح الطعام والكحول والكافيين – والعوامل التي يمكن أن تخفض ضغط الدم المرتفع، كالبوتاسيوم والمغنيسيوم والكالسيوم فقدان الوزن والنشاط البدني وبعض الفيتامينات بما في ذلك حمض الفوليك وفيتامين D.
ولكن هذه أول مرة نتأكد فيها بحثياً من أن للتوابل والأعشاب تأثيرات فعالة مخفضة لضغط الدم المرتفع! ففي السابق، لم تكن لدينا أي أبحاث أو تجارب سريرية عن تلك التأثيرات».
منهجية الدراسة
تطوع ما مجموعه 71 مشاركاً تفاوتت أعمارهم بين 30 إلى 75 عاما في الدراسة، حيث كان لدى جميع المشاركين واحد أو أكثر من عوامل الخطر المسببة لأمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك زيادة الوزن أو السمنة.
وبعد صيام جميع المشاركين لمدة 12 ساعة متواصلة، أجرى الباحثون تقييمات أساسية.
وشمل ذلك التقييم قياس الطول والوزن ومحيط الخصر وسحب عينة دم صائم وقياسات لضغط ومدى مرونة الأوعية الدموية.
وكجزء من الدراسة، ارتدى كل مشارك جهاز إلكتروني لقياس وتسجيل ضغط دمه بانتظام على مدار الـ 24 ساعة.
بعد ذلك، قام الباحثون بتقسيم المشاركين بشكل عشوائي إلى ثلاث مجموعات. وتم تخصيص واحدة من الحميات الثلاثة التالية لكل مجموعة:
• حمية منخفضة الأعشاب والتوابل.
• حمية متوسطة الأعشاب والتوابل.
• حمية غنية بالأعشاب والتوابل.
واشتملت الحميات الثلاثة على مدخول يومي من التوابل والأعشاب مقداره 0.5 غرام و3.3 غرام و6.6 غرام على التوالي. وشملت التوابل والأعشاب التي أضيفت إلى الأكلات 24 صنفاً، بما في ذلك: القرفة والكركم والمردقوش واليانسون والزﻧﺠﺒﻴﻞ والكزبرة والفلفل الأسود وﺑﺬﻭﺭ ﺍﻟﺨﺮﺩﻝ والزﻋﺘﺮ والرﻳﺤﺎﻥ وﺍﻟﻤﺮﻳﻤﻴﺔ والقرﻧﻔﻞ.
وكان الهدف من ذلك التقسيم هو إدماج التوابل والأعشاب في حمية تمثل النمط الغذائي الغربي التقليدي بما له من سلبيات.
وانتظم أفراد كل مجموعة في تناول حميتهم الغذائية لمدة 4 أسابيع متتالية، ثم خضعوا بعد ذلك لتقييم بغرض المتابعة.
تحسُّن في ضغط الدم
وأظهرت نتائج التقييم أن أفراد المجموعة التي تناولت حمية غذائية غنية بالتوابل والأعشاب تحسّنت لديهم قراءات ضغط الدم بشكل كبير على مدار الـ 24 ساعة، مقارنة بنظرائهم في المجموعتين الأخريين الذين تناولوا حمية متوسطة ومنخفضة التوابل والأعشاب.
وبشكل عام، لاحظ الباحثون أن الانتظام في تناول التوابل والأعشاب مع الطعام يؤدي إلى تخفيض ضغط الدم المرتفع على مدار 24 ساعة.
لكن الباحثين لم يلاحظوا أي تأثير للحميات الثلاثة على الكوليسترول الدهني منخفض الكثافة، أو مستوى السكر في الدم، أو تصلب الشرايين، أو الإجهاد التأكسدي.
ومع ذلك، يؤكد الباحثون على أن انخفاض قراءات ضغط الدم لدى أفراد المجموعة الثالثة على مدار الـ 24 ساعة يعطي مؤشراً إيجابياً يؤكد أن للأعشاب والتوابل تأثيرا مباشرا وفعّالا في كبح ارتفاع ضعط الدم.
محدوديات بحثية
ومع ذلك، أقرّ الباحثون بأن «هذه النتائج ما زالت تعتريها بعض المحدوديات البحثية التي من بينها أن مدة الدراسة كانت أقصر من أن يحصل خلالها إعادة تشكيل لمرونة أنسجة الأوعية الدموية، وهو الأمر الذي يفسر سبب عدم رصد أي تحسن ملموس على تصلب الشرايين.
ومن المحدوديات أيضاً أن جرعات التوابل والأعشاب المستخدمة في الدراسة لم تكن كافية لإحداث انقلاب عكسي لتأثيرات التمثيل الغذائي للنظام الغذائي الغربي غير الصحي».
لذلك، كتب الباحثون: «لتقليص مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، لا يمكن التعويل فقط على زيادة تناول التوابل والأعشاب في ظل نظام غذائي رديء الجودة».
وتعليقاً على النتائج، قال الدكتور سايمون ستينسون، اختصاصي علم التغذية: «صحيح أن نتائج هذه الدراسة إلى أن إدراج المزيد من التوابل والأعشاب في نظامنا الغذائي يمكن أن يؤدي إلى فوائد في ما يتعلق بكبح وخفض ضغط الدم المرتفع، لكن التأثيرات التي تم رصدها ما زالت محدودة.
وبينما يقترح مؤلفو الدراسة أنه قد يكون هناك بعض الفوائد لإدراج التوابل والأعشاب في نظام غذائي غربي أقل من المستوى الأمثل، فمن الأفضل أن يتوازى استخدام الأعشاب والتوابل مع تحسين جودة النمط الغذائي بحيث يكون صحياً أكثر».
مزيد من التقييمات
ومن جانبه، قال البروفيسور كريس-إيثرتون: «سيكون من المهم تقييم تأثير كل نوع من التوابل والأعشاب منفرداً على صحة القلب والأوعية الدموية وفهم الآلية التي يؤثر بها في ضغط الدم.
وسيكون من المهم أيضاً تقييم تأثيرات التوابل والأعشاب على تركيبة بكتيريا الأمعاء (الميكروبيوم) وتقييم ما إذا كانت تلك التأثيرات على ضغط الدم تحصل من خلال تغييرات تطرأ على ذلك الميكروبيوم الأمعاء بسبب أنواع معينة من الأعشاب والتوابل».
وأردف: «بالإضافة إلى أبحاث التجارب السريرية، هناك حاجة إلى إجراء دراسات لتقييم البرامج التثقيفية التي توصي بإدراج التوابل والأعشاب في نمط غذائي صحي يحتوي على نسب أقل من الصوديوم والدهون المشبعة والسكر المضاف على جودة النظام الغذائي وعلى عوامل الخطر المسببة للأمراض المزمنة».
واختتم الدكتور ستينسون بالقول: «من المهم أن نلاحظ هنا أنه بينما كان الهدف من وراء هذه الدراسة هو استكشاف تأثير التوابل والأعشاب عند استخدامها مع النظام الغذائي الغربي التقليدي، فإننا بحاجة إلى إحداث تحولات كبيرة في اتجاه جعل عاداتنا الغذائية وأنماط حياتنا أكثر صحة»، مؤكداً على أن تلك التحولات هي الكفيلة بجعل تأثيرات الأعشاب والتوابل أكثر فاعلية واستدامة.