فشل مفاوضات فيينا يُنذر بهبوب العاصفة الأكبر على المنطقة
«إيران نووية»... تعني حرباً باردة في الخليج
فيما تحتدم الخلافات في المفاوضات بين إيران والدول الكبرى في فيينا، تخيّم على المنطقة هواجس عدم الوصول إلى اتفاق يضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني وعدم اتجاهه نحو الاستخدام العسكري، وبالتالي يظهر «مولود نووي جديد».
وفي حين تسعى مفاوضات فيينا لإنقاذ الاتفاق الذي أبرم في 2015 وتصدّع منذ 2018 مع انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منه، تلوح خيارات المفاوضات بحلوها ومرها على المنطقة التي تموج على صفيح ساخن من الأحداث، ما ينذر بهبوب «العاصفة الأكبر»، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بين طهران والدول الست الموقعة على اتفاق 2015.
وإلى حين وصول المفاوضات النووية إلى نقطة النهاية، سواء بإتمام الصفقة أو بإغلاق باب الديبلوماسية، تشي المعطيات الحالية بأن فرص الفشل أكبر من فرص النجاح، ما يطرح تساؤلات عن اليوم التالي لإعلان «إيران نووية» ومخاطر ذلك على المنطقة.
«الراي» طرحت الأسئلة المثارة على عدد من الخبراء والمحللين السياسيين، الذين ذهب بعضهم إلى أن دخول إيران النادي النووي يعني عملياً اندلاع «حرب باردة» في المنطقة، فيما رأى البعض الآخر أن مثل هذا الاحتمال سيدفع دول مجلس التعاون الخليجي، إلى إحداث تغييرات جذرية في استراتيجيتها العسكرية.
وما يزيد المخاوف أن الفتوى الدينية الإيرانية بـ«عدم جواز السلاح النووي»، تتعلق بالاستخدام وليس بالحيازة، وفق رأي قسم كبير من الإيرانيين.
الرميحي: في لبنان والعراق واليمن... شعور وطني رافض للهيمنة الإيرانية
اعتبر مؤسس ورئيس تحرير مجلة دراسات الخليج وشبه الجزيرة العربية الدكتور محمد الرميحي أن «نظرية النظام الإيراني مستمدة من تجربة كوريا الشمالية، وهي أن يكون عندك رادع نووي يحفظ النظام من السقوط، وهذه النظرية تستند إلى أن النظام الغربي هش وأن أي ضربة عسكرية ستُشعل المنطقة من لبنان إلى اليمن».
وأوضح أن «هناك اختلافاً بين النظامين، حيث إن النظام الكوري نشأ في ظل الحرب الباردة وقمع الشعب الكوري، لكن في الحالة الإيرانية هناك معارضة بالملايين ومنتشرة في أوروبا وأيضاً في الداخل»، معتبراً أن «النظام الإيراني لن يستطيع الاستفادة كثيراً من أجنحته، لتحقيق سيناريو يوم القيامة كما يعتقد، لأن هناك شعوراً وطنياً في لبنان والعراق واليمن، رافضاً للهيمنة الايرانية».
وأضاف أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق في شأن البرنامج النووي يؤدي إلى رفع العقوبات، فإن «النظام يمكن أن يتهاوى من الداخل، في ظل زيادة الفقر والقمع مما يهيئ لثورة شعبية، وهذا يعكس حالة التململ التي نشاهدها في عدد من المدن الايرانية».
نوري زادة: الفتوى الإيرانية لم تُحرّم إنتاج القنبلة الذرية
- الإيرانيون فرّقوا بين الاستخدام والإنتاج
قال الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور علي نوري زادة «أعتقد أن مشكلة الملف النووي تكمن في تقديرات السياسات الخاطئة لإيران تجاه الرئيس الأميركي جو بايدن، بسبب أنهم يعتقدون أن بايدن كان نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، وبعض التلميحات التي أرسلها إلى إيران أوحت إليهم أنه سيكون أكثر لطفاً تجاههم، لذلك قاموا بالمسارعة في الوصول إلى نقطة اللاعودة والاقتراب من القنبلة الذرية».
وأضاف أن «هناك فتوى دينية صدرت في طهران بعدم جواز استخدام القنبلة الذرية، ولكن قالوا في ما بعد إن الفتوى لم تُحرّم إنتاج القنبلة الذرية وفرّقوا بين الاستخدام والإنتاج»، لافتاً إلى أن الإيرانيين كانوا يعتقدون أن المفاوضات مع الأميركيين ستكون سهلة «لكن في الحقيقة أن الولايات المتحدة ليست إدارة الرئيس جو بايدن فقط، وإنما هناك أيضاً مؤسسات ووسائل إعلام والكونغرس والقضاء والرأي العام الأميركي، وجميعهم يعارضون امتلاك إيران السلاح النووي، فضلاً عن نفوذ إسرائيل والدول الأخرى في الإقليم التي تمارس ضغوطاً لوضع حد لطموحات إيران النووية».
وأكد زادة أن «إدارة بايدن لديها خيارات أخرى، وهذه إشارات خطيرة لإيران، وإذا فشلت المفاوضات فلن تحاول طهران إخفاء مشاريعها النووية بهدف إثارة الخوف والقلق»، مشدداً على أن المجتمع الدولي يرفض بشكل قاطع أن تمتلك إيران السلاح النووي.
أصفهاني: دول مجلس التعاون ستعيد النظر جذرياً في الاستراتيجية العسكرية
- إذا فشلت الديبلوماسية ستصبح إيران على أعتاب «النادي النووي»
- بعض دول المنطقة قد يلجأ إلى تأسيس برامج نووية متطورة
رأى المحلل السياسي أحمد أصفهاني أنه «إذا أعلنت واشنطن وطهران في وقت متزامن، أو كل منهما على حدة، أن مفاوضات فيينا قد وصلت إلى طريق مسدود، وأن إحياء الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني في صيغته الراهنة بات مستحيلاً، فإن ذلك يعني على الفور أن منطقة الخليج العربي والأقاليم المجاورة ستدخل في مرحلة سياسية وأمنية مختلفة إلى حد بعيد عما عرفناه خلال السنوات الماضية، أي منذ أن أصبحت نشاطات إيران النووية مبعث قلق وتوتر على المستويين الإقليمي والعالمي».
وأكد أن «العمل العسكري الذي تهدد به إسرائيل سيكون مطروحاً بقوة في هذه الحالة، إضافة إلى تلويح واشنطن بأن كل الخيارات مفتوحة لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية»، مشيراً إلى أن «أي هجوم على المنشآت الإيرانية سيؤدي إلى اشتعال المنطقة برمتها».
ورجح أن «تكبح الولايات المتحدة جماح (صقور) إسرائيل موقتاً، لأنها تفضل التواصل الديبلوماسي والضغط الاقتصادي على الأقل في المدى المنظور»، لافتاً إلى أن «دول مجلس التعاون الخليجي ستلعب دوراً حيوياً في هذا المجال، بحكم الجوار، وبحكم العلاقات الاقتصادية التاريخية التي تربط ضفتي الخليج».
وأشار أصفهاني إلى أنه منذ أن أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في العام 2018 الخروج من الاتفاق النووي، أقدمت طهران على توسيع وتطوير برامجها النووية والعسكرية بشكل غير مسبوق، وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران قطعت أشواطاً كبيرة في بناء معارفها النووية، «وهذا يعني، في حال فشل مفاوضات فيينا، أن إيران أصبحت على أعتاب الانضمام إلى نادي الدول التي بلغت بمعارفها وعلومها وتقنياتها حداً يمكنها من تجميع قنبلة نووية في أقل من ثلاثة أشهر... إذا صدر قرار سياسي بذلك لأي سبب من الأسباب».
وأضاف: «بما أننا استبعدنا العمل العسكري في المدى المنظور، فإن واشنطن والعواصم الأوروبية ستتخذ خطوات قاسية لمعاقبة إيران. المحاولة ستكون أولاً عبر مجلس الأمن الدولي، إلا أن روسيا والصين قد تستخدمان حق النقض (الفيتو) لإسقاط أي قرار. أما البديل فسيكون إعادة عقوبات خُففت سابقاً، وتشديد عقوبات معمول بها، وفرض عقوبات جديدة أكثر قسوة».
ورأى أن «الإجراءات الاقتصادية قد لا تُعطي نتائج فورية في ما يتعلق بمواقف إيران، لكن إذا تم الالتزام بها جديّاً فيمكن أن تفتح باباً لبدء مفاوضات جديدة مع إيران تتعدى الملف النووي لتشمل جميع الملفات الأخرى»، في إشارة إلى برنامج الصواريخ البالستية والأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
وأكد أصفهاني أن «دول مجلس التعاون الخليجي معنية أكثر من أي طرف آخر بما ستصل إليه الأمور، لذلك فإن وجود إيران نووية على الشاطئ المقابل للخليج سيدعوها إلى إعادة نظر جذرية في المسائل العسكرية الاستراتيجية من جهة، وفي علاقاتها الإقليمية والعالمية من جهة ثانية».
أبو دياب: روسيا والصين تتفقان مع أميركا في منع إيران
... من الدورة الكاملة للسلاح النووي
أكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الجيوسياسية خطار أبودياب أن «سيناريو عدم الوصول إلى اتفاق نووي ثقيل ومتعب، فالمشهد النووي الإيراني حصل عليه تغيير هائل في ميزان القوى واقتربت إيران من أن تكون دول حافة نووية، لكنها مازالت تحتاج أشواطاً للوصول إلى امتلاك سلاح نووي بالكامل».
وقال إن «الولايات المتحدة تريد الحيلولة دون التحول الايراني إلى العتبة النووية، وروسيا والصين تشاطرانها هذا الرأي... لذلك فإن القوى العظمى تسعى للسيطرة على مقدرات إيران من إنتاج الدورة الكاملة للسلاح النووي أو على أن تكون على عتبة النووي».
وأشار أبودياب إلى أنه «عندما خرجت إيران منهكة من الحرب مع العراق، أراد الرئيس الأسبق رفسجناني إعادة إحياء البرنامج النووي، ليس من أجل الوصول للطاقة وليس من أجل المجالات الطبية، ولكن بهدف الحفاظ على مصالح إيران من خلال ابتزاز الآخرين».
وأضاف أن «الجولة الأخيرة من المفاوضات في فيينا فشلت، وهناك مراوحة في المكان، لأن المفاوض الايراني الجديد يريد أن يبدأ المفاوضات من جديد وينسف ما تم التوصل إليه والذي يقدر بنحو 80 في المئة من الاتفاق في الجولات السابقة»، في إشارة إلى جولات المفاوضات الست التي جرت بين إيران والدول الكبرى خلال الستة الأشهر الأخيرة من ولاية الرئيس السابق حسن روحاني.
وأضاف أنه «من الناحية العسكرية، سنشهد سباق تسلح على نطاق واسع. ولا نستبعد لجوء بعض الدول إلى تأسيس برامج نووية متطورة بمساعدة الدول الكبرى. ويترافق هذا التوجه مع عقد معاهدات دفاعية بين الدول الخليجية والدول الكبرى ذات المصالح الحيوية في الخليج. ولا شك في أن المساعي الديبلوماسية ستتواصل في محاولة لإدارة الوضع المستجد بأقل خسائر ممكنة. لكن المرجح أن (حرباً باردة) ستخيّم على الساحة الخليجية. وهي ستظل تحت السيطرة ريثما تقرر الولايات المتحدة وحلفاؤها كيفية التعاطي مع (إيران نووية)».
سعيد شحاتة: قوة الردع النووي راسخة في العقلية السياسية الإيرانية
- دول مثل السعودية ومصر وتركيا لن ترضى بالإخلال بالتوازن في المنطقة
- السلاح النووي سيُمكّن طهران من حماية نفسها ضد أي هجمات
حذر أستاذ العلوم السياسية في بريطانيا سعيد شحاتة من وجود تبعات كبيرة لعدم التوصل إلى اتفاق بين إيران والقوى الكبرى بخصوص البرنامج النووي الإيراني، «أولها وأخطرها يتمثل باستمرار إيران في تجاربها النووية والوصول لقوة نووية تضاف للقوى النووية الموجودة في العالم، وسيتبع ذلك بالضرورة قيام دول أخرى في المنطقة بالدخول في سباق التسلح النووي من أجل تحقيق التوازن مع إيران»، مشيراً إلى أن دولاً مثل «السعودية ومصر وتركيا لن ترضى بتفوق إيران عليها والاخلال بالتوازن في المنطقة».
وقال شحاتة: «يذكرني ذلك بالسباق النووي بين الهند وباكستان الذي بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي، فلم تقف باكستان مكتوفة الأيدي وردت على دخول الهند نادي الدول التي تملك ترسانة نووية ودخلت هي الأخرى في هذا النادي. ولم يقف الأمر عند ذلك، ولكن تنفق الدولتان المليارات من الدولارات سنوياً لتطوير قدراتهما النووية وتحقيق التوازن النووي، وهذا يهدر الأموال التي يمكن أن توجه للتنمية الاقتصادية والتكنولوجيا الصديقة للبيئة»، مشيراً إلى أن «سباق التسلح النووي بين الدولتين الآسيوتين جرى بالرغم من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تهدف إلى منع انتشار الأسلحة النووية».
وأكد أن «مسعى إيران لامتلاك الأسلحة النووية قد يدفع إلى مزيد من التوتر في المنطقة، ويقلل من عملية التنمية ويؤدي لازدياد الفقر للتدليل على الأموال الطائلة التي ستصرف على الأسلحة النووية، فهناك تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة ستنفق نحو تريليون دولار مع حلول العام 2040 لتطوير منظومتها النووية».
وأشار إلى أن «السلاح النووي سيُمكّن إيران من حماية نفسها ضد أي هجمات، سواء من اسرائيل أو الولايات المتحدة، إذ إن قوة الردع النووي ستمنع الدول المعادية من شن أي هجمات ضد إيران، وهذا السبب بصورة خاصة راسخ في العقلية السياسية الإيرانية بأنه لا مناص من دخول النادي النووي لأنه يحمي المصالح الإيرانية، مثلما تفعل كوريا الشمالية في الوقت الراهن».
ورأى أن «إيران ستستمر بثقة في أنشطتها الإقليمية في اليمن ولبنان وسورية والعراق من دون أي مخاوف»، مع انضمامها إلى النادي النووي.