مسؤولون كبار يحاولون إقناع صانعي السياسة الائتمانية بحظر تمويلات الكويتيين الحسنة بدءاً من يناير
وساطة مصرفية لوقف معركة... القروض المجانية
- بنوك كبرى أبدت استعدادها للتواري في 2022 وأخرى تغمز بحضورها القوي
- المهاجمون:
- المنافسة تحوّلت لعملية تكسير عظام للبنوك الصغيرة والمتوسطة
- خسارة المصارف مزدوجة بارتفاع تكلفة الأموال والتخلي عن الفائدة
- أموال البنك ملك للمساهمين ولا يمكن التفريط فيها من أجل تغذية المنافسة
- استمرار السباق إلى العملاء يُضعف خطط بعض البنوك للنمو بمحافظها
- المدافعون:
- نجحنا في رفع حصتنا السوقية بفتح خطوط هجرة عكسية للعملاء
- ليس كل البنوك خاسرة فالبعض ماهر في كسب المال من المال
- فوائض السيولة بالحسابات الجارية تعزّز سياسة القروض الحسنة
- مصارف اشتُهرت بالقروض المجانية وعندما احتدمت المنافسة أنكرتها على اللاعبين الجدد
يقود مسؤولون مصرفيون كبار وساطة في الفترة الأخيرة لإقناع صانعي السياسة الائتمانية في البنوك المحلية بوقف معركة القروض الحسنة المفتوحة بين بعض البنوك منذ أشهر، وذلك في مسعى منهم لعدم انتقال العدوى للعام المقبل، محذرين من مخاطر تراكم الضغوط التي تواجهها غالبية المصارف نتيجة تطور آليات السباق نحو العملاء الكويتيين، عبر مسار القروض التي تمنح بدون فوائد.
وفي هذا الخصوص، كشفت مصادر مطلعة لـ«الراي»، أن المصرفيين الذين يقودون جهود الوساطة في هذا الشأن، اقترحوا أخيراً إنهاء حالة الحرب الباردة بين البنوك التي تتبنى إستراتيجية زيادة حصتها السوقية من خلال بوابة القروض المجانية للعملاء الجدد، والتي تقدم عادة لأجل 5 سنوات، وبأسقف تمويلية تبلغ 40 ألف دينار.
وبيّنت المصادر، أن المقترح المتداول حالياً بين مسؤولي البنوك يقضي بحظر منح القروض الحسنة بدءاً من يناير المقبل، موضحة أن هذا الاتفاق سيكون ملزماً في حال إقراره لجميع البنوك، سواء النشطة في هذه النوعية من التسهيلات، أو تلك التي تنوي الانضمام لعضوية هذا النادي العام المقبل.
وأفادت بأنه سبق واقترح مصرفيون التهدئة خلال الأشهر الماضية، ولم يتوصلوا إلى اتفاق جماعي، إلا أن النقاش المفتوح هذه المرة أكثر اهتماماً، ويهدف لضمان عدم انتقال عدوى القروض الحسنة لـ2022.
وما يستحق ذكره هنا، أنه منذ نحو 3 أعوام أطلق أكثر من بنك إستراتيجية تتضمن بين مستهدفاتها للنمو في محافظ قروضها الشخصية منح الموظفين الكويتيين قروضاً حسنة، بحدود لا تتجاوز 10 آلاف دينار، إلا أنه لوحظ وتحديداً في النصف الثاني من 2021، أن لاعبين مصرفيين جدداً أشعلوا المنافسة بهذا الخصوص بعد أن رفعوا سقف القروض التي يمكن أن يمنحوها للعملاء الجدد لمعدلات غير معهودة، وللدرجة التي وصلت من أحد البنوك إعلانه عن قروض من دون فوائد للعملاء الجدد من الموظفين الكويتيين تصل قيمتها 70 ألف دينار، لكن الرائج قرض الـ40 ألفاً.
تصاعد الشهية
ولفتت المصادر إلى أن السبب الرئيس وراء تحرك بعض المصرفيين لإنهاء المنافسة المحتدمة على استقطاب العملاء، تصاعد شهية بعض البنوك في الأشهر الأخيرة لمنح القروض المجانية، إلى الحدود التي تحولت معها العملية إلى ما يشبه تكسير عظام، خصوصاً للبنوك الصغيرة والمتوسطة، التي قلت قدرتها حكماً على تحقيق المستهدف منها للنمو في محافظها للقروض الشخصية.
إضافة إلى ذلك أشارت المصادر إلى أن هذا التحرك عاكس خطط بعض البنوك للنمو في سوق الأفراد، بعد أن ضيّق هامش ربحيتها إجبارياً، بضغط من المنافسة المشتعلة في مغازلة العملاء الجدد، بمنحهم قروضاً من دون فوائد وبحدود لا يستطيعون تحمل كلفتها، ما شكّل للبنوك الكبرى نافذة إضافية لإحكام سيطرتها على سوق تمويل الأفراد، ومن ثم الاستحواذ مستقبلاً على حصة أكبر من القروض الاستهلاكية والإسكانية من باب التوسع بالعملاء الجدد.
ويحاول أصحاب جهود الوساطة بهذا الخصوص إقناع مسؤولي المصارف المتحمسة لنقل معركتها على العملاء الجدد للعام المقبل، بأن هكذا مسار سيرفع مخاطر كلفة الأموال على البنوك عموماً، باعتبار أن التوسع بهذه الأوعية يعني مصرفياً أن على البنك تخصيص مزيد من سيولته في تمويل قروض غير مدرة للدخل، في وقت لا تتوافر فيه فرص تمويلية كافية تعوّض الفائدة التي سيتخلى عنها البنك في سبيل تغذية إستراتيجيته في هذا النطاق، ما يحمل خسارة مزدوجة.
ارتفاع التكلفة
فمن ناحية، فإن البنوك المتنافسة مضطرة للتخلي عن أرباحها التي يفترض تسجيلها من القروض الشخصية، في وقت تتزايد فيه المؤشرات على احتمالية ارتفاع الفائدة خلال 2022، والمتوقع أن تكون بمعدل 3 مرات وفقاً للتوقعات الأخيرة من «الفيديرالي الأميركي»، ومن جهة أخرى على هذه المصارف قبول تحملها ارتفاع كلفة الأموال في ميزانياتها، وفي الحالتين ستواجه ضغوطاً مكلفة.
لكن المفارقة أنه في الوقت الذي تجد فيه هذه الاعتبارات قبولاً لدى بنوك اشتُهرت أخيراً بهذا التوجه، لتبدي مع ذلك حسب المصادر استعدادها للتواري عن هذه المنافسة بدءاً من العام المقبل، ودون أي شروط، هناك مسؤولون مصرفيون غير متحمسين للتوقف، بل يخططون للتوسع العام المقبل، وربما بعروض تمويلية أكثر إغراءً للعملاء الجدد.
ولعل ما يعزز موقف هؤلاء حسب بعضهم، المكاسب التي حققتها إستراتيجيتهم للقروض الحسنة، بعد أن نجحت في فتح خطوط هجرة عكسية لمحافظهم، شملت عملاء قرروا سابقاً الانتقال لبنوك أخرى، بسبب المغريات نفسها، التي كانت تجيزها البنوك المعارضة عندما اشتهرت بها، في حين تنكر حق استخدامها من قبل اللاعبين الجدد، بذريعة أنها باتت تعكس سلوكاً مصرفياً مضراً بالمنافسة الملهمة.
تمويلات مرتفعة
علاوة على ذلك، يغمز المتمسكون بتمديد سياسة منحهم القروض الحسنة للعام المقبل، بأن الأوعية التي يقدمونها بتمويلات مرتفعة تنعكس إيجاباً على العميل المستحق، حيث سيحصل على تمويله بدون فوائد في حال غطى القرض الحسن الذي يستحقه جميع احتياجاته التمويلية، أو جزءاً من كلفته إذا كان قرضه يموّل جزءاً من احتياجاته، وفي الإجمالي ستكون تكلفة العميل منعدمة أو متدنية، ما يحفّز البنوك على الابتكار في المنافسة.
في المقابل، يقول الفريق المهاجم «ينبغي عدم توريط جميع المصارف في هذا السلوك، خاصة أنها مؤتمنة على أموال المودعين والمستثمرين، ولا تستطيع استخدامها لأغراض تنافسية».
وبين مؤيد ومعارض لاستمرار هذه الحرب مصرفياً، يكون السؤال مشروعاً، إذا كان البنك يحقق بالفعل خسارة مزدوجة من القروض الحسنة، لا سيما العالية التي تعجز غالبية المصارف عن توفيرها، ما الذي يغذي حماسة صانعي هذه السياسة لتحمل خسارتها في 2021، بل والتمسك باستمرار سياستهم بالعام المقبل؟
مستويات عالية
إلى ذلك، تبدو الإجابة جاهزة عند الفريق المدافع، فإذا كانت هذه المنافسة تشكل ضغطاً على دفاتر بعض البنوك، فليس بالضرورة أن جميع المصارف تعاني الحساسية نفسها من منح قروض بدون فوائد، خصوصاً التي لديها طبقات أكثر من فوائض السيولة غير المستغلة، فببساطة ومن دون أي تعقيد يعتمد مؤيدو الاستمرار في منح هذه التمويلات بـ2022 حسب رأي بعضهم، على أنهم أكثر مهارة وقدرة من غيرهم في كسب المال من المال.
فمعلوم أن لدى جميع البنوك الكويتية وتحديداً الرئيسية مستويات عالية من فوائض السيولة، المودعة في حساباتها الجارية لدى بنك الكويت المركزي، ومعلوم أيضاً أن المصارف لا تحصل على أي هامش فائدة من هذه السيولة المتراكمة، ما يجعلها مبوّبة في خانة الأموال المجانية أيضاً، وبالتالي تكون إعادة توجيه جزء منها كقروض حسنة لاستقطاب عملاء جدد سياسة فاعلة، أخذاً بالاعتبار أنه في الحالتين البنوك محرومة من الفائدة.
وتتعاظم أهمية القروض الحسنة أكثر حسب أصحاب هذا الرأي، في أنها تلعب أدواراً مصرفية مهمة، ليس أقلها زيادة الحصة السوقية للبنك الذي يملك فوائض أكبر، ومن ثم تدعيم تصنيفه من الوكالات العالمية، وكذلك محلياً، حيث سيسمح له ذلك بالترقي لمراكز أكثر تقدماً بين كبار مانحي القروض الشخصية.
وإلى ذلك، يبدو بلوغ التهدئة المستهدفة بين البنوك المتنافسة على منح القروض الحسنة في العام المقبل غير محسوم حتى الآن، فأي بنك لن يقبل بالوساطة المقترحة سيضطر نظراؤه إلى مجاراته، وقد يشمل ذلك تصعيد المنافسة بحدود ائتمانية أكبر، حفاظاً على حصصها السوقية.
شرط الحصول على القرض الحسن
لعل من أهم الشروط الحاكمة التي تدفع البنك لمنح العميل قرضاً حسناً، معدل الراتب الذي يحصل عليه، فإذا كان مصنفاً من فئة النخبة، مع تمتعه بتاريخ ائتماني مشجع، كان مرحباً به لفتح خطوط ائتمانية مجانية معه.
ويشمل القرض الحسن الموظفين الكويتيين ممن أتموا 21 عاماً، سواء من العاملين في القطاع الحكومي أو في القطاع الأهلي، إضافة إلى شريحة منتقاة من المتقاعدين المستحقين، شريطة أن يكون القرض المقدم الأول بالنسبة للعميل، بمعنى ألا يكون المتقدم قد حصل على قرض حسن سابق.
ومصرفياً لا توجد تعليمات محددة من بنك الكويت المركزي لمنح القرض الحسن، حيث يتم منحه وفقا لسياسة كل بنك، ويُدرج ضمن حدود الالتزامات المصرفية، المحددة رقابياً.
وحسب تقرير لبيت التمويل الكويتي «بيتك»، ارتفعت أرصدة التسهيلات الائتمانية الشخصية على أساس سنوي بنحو 1.7 مليار دينار وبنسبة 10.5 في المئة في أكتوبر الماضي، محققة أعلى زيادة خلال نحو 6 سنوات، ليقترب حجمها من 18.9 مليار دينار، مدفوعة باستمرار زيادة ملحوظة في الائتمان الموجه للنشاط الاستهلاكي والتمويل المقسط.