استراتيجية جديدة.... لتقليل خطر فيروس كورونا
كشفت دراسات كثيرة كيف تأثرت صحة الإنسان وكيف تدهورت خصوصاً عند كبار السن في أزمة كورونا، ومنها ما نشر في دورية «لانسيت» الطبية.
العالم كان يواجه أمراضاً مزمنة خطرة مثل البدانة أو ما يسمى بالسمنة المفرطة وداء السكري وغيرها من أمراض أخرى. وإخفاقات الصحة العامة للوقاية من هذه الأمراض على مدى أعوام تسبّبت في زيادة معدلات الوفاة خلال جائحة كورونا بشكل ملحوظ حول العالم.
لذلك أصبح اهتمام الأنظمة الصحية حول العالم هو كيفية التقليل من نسب هذه الأمراض المزمنة، ليعتبر استراتيجية يجب البدء بها للتصدي لمضاعفات فيروس كورونا المتحور باستمرار، من حيث زيادة الوعي الصحي بين الناس من خلال رفع مستوى جودة الصحة العامة للمجتمع، وتغير نمط الحياة الى نمط صحي يومي للأفراد على صعيد جميع الدول حول العالم أصبح غاية بالأهمية.
حيث إن هناك أدلة على أن غالبية الأشخاص الذين ينتهي بهم المطاف في غرف العناية المركزة في المستشفيات، يعانون من حالات طبية مزمنة، وأظهرت نتائج إحدى الدراسات أن 89 في المئة ممن أدخلوا المستشفى في الولايات المتحدة لديهم مرض مزمن واحد على الأقل مثل ارتفاع ضغط الدم، داء السكري من النوع الثاني، البدانة والأمراض التنفسية المزمنة وغيرها.
وإضافة لذلك بينت نتائج تحليل بيانات إحدى الدراسات التي أصدرتها هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة أن نسبة 73 في المئة من المرضى الذين أدخلوا إلى وحدات العناية المركزة يعانون من سمنة مفرطة.
لذلك دقّت نتائج هذه الدراسات ناقوس الخطر، وصرحت أنه قد حان الوقت للبدء جدياً بالاهتمام بنمط الحياة الصحي سواء على مستوى الأفراد أو الدول، ليس فقط للوقاية من أمراض القلب والسكري وغيرها من أمراض مزمنة، ولكن أيضاً للوقوف في وجه الفيروس الذي يهدد البشرية اليوم.
وفي بيان صدر من وزارة الصحة في الكويت بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية أن نسبة السمنة وزيادة الوزن لدى الرجال والنساء في الكويت بلغت نحو 80 في المئة على حد سواء تقريبا. من جهة أخرى أيضا، انتشار داء السكري من النوع الثاني لدى الأطفال والمراهـقين كان بسبب انتشار السمنة لديهم، إذ بلغت عند الذكور 30 في المئة وعند الإناث ما بين 40 – 50 في المئة.
ولذلك بناء على هذه الإحصائيات، فالحد من انتشار الأمراض المزمنة كالسمنة وداء السكري مهم جدا لصحة مجتمع بالكامل، من خلال الحفاظ على الصحة باختيار نمط حياة صحي، لما له دور في تنظيم عمل جهاز المناعة وهو أهم جهاز حيوي داخل الجسم مسؤول عن الدفاع والتصدي للبكتيريا والفيروسات المختلفة المسببة للأمراض.
وهناك ثلاث ركائز مهمة يجب التمعن بها، وهي الغذاء الصحي والحركة المستمرة والراحة النفسية، والتي تعتبر من وسائل تحسين جودة صحة البدن ودعم عمل جهاز المناعة عند الإنسان.
فالغذاء المتوازن الغني بالفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة، له دور كبير في انقاص عوامل الخطورة المسببة للأمراض المزمنة وكذلك يلعب دوراً أساسياً في تنظيم عمل جهاز المناعة.
وأظهرت دراسة حديثة أن نسبة الوفيات بين المرضى المصابين بمرض كوفيد-19، تكون أعلى عند الأشخاص ذوي المستويات المنخفضة من فيتامين (د). وثبت علمياً أن فيتامين (د) يقي من التهابات الجهاز التنفسي الحادة ويُنصح الأطباء بضرورة أخذ هذا بعين الاعتبار. لذلك أنصح بتناول مكملات فيتامين (د) كوقاية خاصة عند الأشخاص الذين يعانون من انخفاض معدله بالدم، وأيضا التعرض لأشعة الشمس التي تساعد برفع نسبته في الدم، لما له تأثير إيجابي على الجهاز المناعي.
ونذكر أيضاً، أهمية تناول الأطعمة الصحية كالخضراوات والفاكهة والمكسرات التي تحتوي على الدهون الصحية، وتناول الأسماك واللحوم باعتدال لتقوية جهاز المناعة والتقليل من تناول الأطعمة المعالجة والمصنعة لما لها من تأثير سلبي على خلايا الجسم وفعاليتها الوظيفية.
ومن جهة أخرى، فإن اللياقة البدنية لها دور مهم كذلك في رفع المناعة، لذا أنصح بممارسة التمارين الرياضية المنزلية أو المشي في الهواء الطلق للوقاية من البدانة والسكري وأمراض القلب وغيرها العديد، حيث ان الرياضة تضيف سنوات إلى صحتنا وجودة حياتنا، وترتبط ممارسة الرياضات الهوائية بتحسين لياقة الجهاز التنفسي، بينما يؤدي الجلوس والخمول إلى الكثير من المشاكل الصحية مثل ضعف العضلات وتفاقم مشاكل الظهر والمفاصل وغيرها لما له علاقة بالأوعية الدموية وحركة الدم بها.
والعنصر الثالث هو الإجهاد والضغط النفسي، فارتفاع مستوى هرمون الكورتيزول الذي يفرز من الغدة الكظرية التي تقع فوق الكلى ينتج عن الضغط النفسي ويضعف عمل جهاز المناعة، حيث يمكن للإجهاد المزمن أن ينقص من عدد الخلايا اللمفاوية المقاومة للالتهابات الفيروسية.
لذلك ممارسة الاسترخاء والتأمل، وتنظيم الساعة البيولوجية للحصول على قسط كاف من النوم الجيد، يساعد على تحسين عمل جهاز المناعة والأجهزة الحيوية الأخرى داخل الجسم خاصة مع تطورات الفيروس الجديدة، إضافة إلى ضرورة تناول مكملات غذائيه غنية بفيتامين (ب ) والمغنيسيوم لمعالجة آثار التعب والضغط النفسي المتكرر.
وبعيداً عن اللقاحات والادوية العلاجية، فإن تحسين نمط الحياة وتعديل النظام الغذائي لا يقضي على الفيروس، ولكن له دور كبير في التقليل من خطر حدوث المضاعفات الخطيرة التي قد تؤدي للوفاة؛ كما يساعد أيضاً في التعافي السريع من المرض من خلال رفع فعالية أداء جهاز المناعة الداخلي للجسم.
وهذه التغيرات في نمط حياتنا الصحي يجب أن تسير بتواز مع إجراءات الوقاية، ولا ننسى أهمية أخذ التطعيمات لإدارة الأزمة في الوقت الحالي مع تطور فيروس كورونا وزيادة انتشاره بسبب الطفرات الجينية التي تحدث له.
* دكتوراه في الطب الجزيئي