أكدت أن القطاع العام في بعض دول مجلس التعاون يُوافق المعايير الدولية على عكس التكلفة
«فوربس»: فاتورة الأجور الحكومية في الخليج... أكبر من حجم اقتصاداته
- أجور القطاع الحكومي بالكويت نمت من 4.8 مليار دينار في 2013 إلى 12.6 مليار
- ثلث موظفي القطاع الحكومي عُينوا في السنوات الخمس الماضية
- من الصعب إقناع المواطنين بالعمل في قطاعات أخرى غير حكومية
- إصلاح الوضع ليس سهلاً ويشكل ضغوطاً سياسية واجتماعية
غالباً ما يحظى الموظفون في القطاع العام باهتمام جيد في جميع أنحاء العالم، ولكن القليل منهم مدلل مثل الموظفين الحكوميين الموجودين في منطقة الخليج، حيث الأجور سخية ويتم أخذ التوازن بين العمل والحياة على محمل الجد.
وفي أحدث علامة على ذلك، أعلنت الإمارات أخيراً عن منح موظفي القطاع الحكومي إجازة أسبوعية لـ4 أيام ونصف اليوم، بينما سيعمل موظفو إمارة الشارقة 4 أيام فقط في الأسبوع.
ورأت مجلة فوربس الأميركية أنه لطالما كان توزيع وظائف القطاع العام ذات الأجور الجيدة على المواطنين وتوفير الرعاية الصحية والتعليم مجاناً، ودعم السكن والوقود والخدمات وفرض ضرائب ضئيلة أو معدومة جزءاً من العقد الاجتماعي لدول الخليج، وهي طريقة لتوزيع الثروة النفطية بين المواطنين، وسط تساؤلات حول مدى استدامة فاتورة رواتب القطاع العام الضخمة على المدى الطويل.
وأضافت أنه مع زيادة إيراداتها بسبب ارتفاع أسعار النفط في الأشهر الأخيرة، أصبح من الأسهل على الحكومات الخليجية، تخفيض ساعات العمل والحفاظ على المزايا الأخرى، متوقعة أن تكون دول مجلس التعاون الخليجي واحدة من منطقتين رئيسيتين فقط في العالم ستشهدان نمواً اقتصادياً أعلى عام 2022 مقارنة بعام 2021، بحسب «أكسفورد إيكونوميكس»، في حين أن المنطقة الأخرى هي رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان).
ولكن الضغوط المالية التي أحدثها العقد الاجتماعي السخي مالياً لم تختف وقد يصبح قريباً غير مستدام، لا سيما إذا كان هناك المزيد من عمليات الإغلاق المنهكة الناجمة عن فيروس كورونا، وإذا انخفضت أسعار النفط مرة أخرى، وهو الأكثر ترجيحاً.
وسلط تقرير صادر عن البنك الدولي في وقت سابق من هذا الشهر، الضوء على المبالغ الضخمة التي تنفقها الحكومات الخليجية، على رواتب ومزايا موظفيها وحذر من المخاطر التي تنطوي عليها.
وفي حين أن حجم القطاع العام في العديد من دول مجلس التعاون الخليجي يتوافق بشكل جيد مع المعايير الدولية، إلا أن التكلفة ليست كذلك في كثير من الأحيان، إذ بيّن البنك الدولي أن أجور الموظفين الحكوميين أعلى من أجور موظفي القطاع الخاص بنسبة تتراوح بين 50 و100 في المئة، ما نتج عنه ارتفاع فاتورة الأجور مقارنة بحجم اقتصادات الدول.
وذكرت المجلة أنه في الكويت، من المقرر أن يذهب أكثر من نصف إنفاق الحكومة في العام المقبل إلى الرواتب أو المزايا، والتي تصل إلى 12.6 مليار دينار (نحو 42 مليار دولار)، مقارنة مع 4.8 مليار دينار فقط عام 2013.
ووفقاً للبنك الدولي، تم توظيف ما يقرب من ثلث موظفي القطاع الحكومي في السنوات الخمس الماضية، على الرغم من علامات زيادة عدد الموظفين، في حين أنه في عام 2020، كانت القوى العاملة في القطاع الخاص في البلاد مكونة من 96 في المئة من غير الكويتيين و4 في المئة من الكويتيين، بينما بلغت نسبة الكويتيين في القطاع الحكومي 75 في المئة وغير الكويتيين 25 في المئة وفقاً لبيانات بنك الكويت المركزي.
وضع مماثل
في السعودية، ارتفعت بدلات موظفي الحكومة 3 أضعاف من 44 مليار ريال (11.7 مليار دولار) عام 2016 إلى 148 مليار ريال عام 2019، وهي تمثل الآن أكثر من ثلث إجمالي فاتورة الأجور الحكومية، وفقاً لتقرير البنك الدولي، إذ تضاعفت فاتورة الأجور في عُمان في العقد الماضي.
وأوضحت «فوربس» أن فواتير الأجور المرتفعة هذه تضيف إلى الضغوط الواقعة على الميزانيات الحكومية، لا سيما في البلدان ذات الموارد الأقل والهوامش المالية الوقائية المحدودة، مثل البحرين وعُمان.
وقال المدير الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي في البنك الدولي، عصام أبو سليمان، إنه مع النمو السكاني المرتفع ومحدودية الخيارات في القطاع الخاص، أصبحت فاتورة الأجور غير مستدامة في بعض دول مجلس التعاون، لأنها تشكل جزءاً كبيراً من الإنفاق الحكومي والاقتصاد بشكل عام، مبيناً أنه في قطر والإمارات فقط تقل فواتير رواتب القطاع العام عن متوسط أجور دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وأكدت «فوربس» أن كل هذا يخلق مشاكل للخطط الاقتصادية الأوسع لحكومات الخليج، التي صرحت أنها تريد تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط والغاز، وتشجيع القطاع الخاص وإقناع المزيد من المواطنين بتولي وظائف في الشركات الخاصة، إلا أنه في ظل الأجور المرتفعة وساعات العمل المحدودة، من الصعب إقناع المواطنين بالعمل في قطاعات أخرى غير الحكومية.
ويعتبر إصلاح الوضع ليس بالأمر السهل، وفي هذا يقترح البنك الدولي أن تضع الحكومات «إجراءات شاملة لإصلاح القطاع الحكومي»، بما في ذلك خفض الرواتب والبدلات، إلا أن القيام بذلك من شأنه أن يثير تساؤلات حول العقد الاجتماعي، ما يخلق ضغوطاً سياسية واجتماعية.
ويجادل البنك الدولي بأن وقت ارتفاع عائدات النفط هو وقت مثالي للتفكير في التغيير، ويقول أبو سليمان «بالنظر إلى تحسن وضع المالية العامة، فإن هذا هو الوقت المناسب لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي، لتسريع أجندة الإصلاحات وتحقيق الأهداف التي حددتها لنفسها».
ويمكن أن يؤدي استمرار ارتفاع أسعار النفط إلى تفاقم الوضع في حال شعرت الحكومات بإغراء للإنفاق بحرية أكبر وزيادة معدلات التوظيف، ومع ذلك، لا يبدو أن الحكومات مقبلة على هذا الأمر في الوقت الحالي.
السياسة الصارمة مستمرة
وذكرت دراسة حديثة صادرة عن «كابيتال إيكونوميكس»، أن الدلائل الأولية لميزانيات دول الخليج في 2022 الصادرة حتى الآن، أظهرت أن السياسة المالية الصارمة مازالت هي النظام السائد اليوم.
ووضعت السعودية خططاً لخفض الإنفاق بنسبة 6 في المئة العام المقبل في خطوة من المتوقع أن تحقق أول فائض في الميزانية للمملكة منذ 2013، حسبما أشارت «كابيتال إيكونوميكس»، بينما تتوقع كل من عمان وقطر زيادات طفيفة في الإنفاق العام المقبل، في حين أن نمو الإيرادات يجب أن يتجاوز ذلك بما يقلل من العجز.
وحذرت «كابيتال إيكونوميكس» من أن الأوقات المالية الجيدة قد لا تدوم طويلاً، بحيث تتوقع أن تنخفض أسعار النفط أكثر العام المقبل، منوهة بأنه إذا حدث ذلك فستتكرر الضغوط الواقعة على فواتير أجور القطاع الحكومي.