الاتصال في أبسط تعاريفه هو العملية التي يتم فيها تبادل المعلومات بين طرفين أو أكثر، حيث يرسل أحد الأطراف رسالة باستخدام وسيط إلى الطرف الآخر، والذي يتلقاها بدوره.
ولو نظرنا إلى جوانب حياتنا لوجدنا أن الاتصال ركن أساسي فيه، بل فاعليتنا وتميزنا، وربما حتى فشلنا وإخفاقنا، مرجعه إلى الاتصال، سلباً أو إيجاباً.
ولا أبالغ إن قلت حتى الشمس والقمر يتواصلان معنا، وإن كان بصورة غير مباشرة، فكأن الشمس، حين تشرق، تخبرنا بأن اليوم قد بدأ، وعلينا العمل، وغروبها هو تواصل بنهاية اليوم.
إن الاتصال مرتبط بالنشاط الإنساني بشكل عام، سواء الفردي أو الجماعي، مع نفسك أو مع الآخرين، مؤسسات وحكومات ودول؛ كلها تحتاج للتواصل وبشكل يومي، حتى نستطيع أن نتحكم بالأمور ونديرها.
إن الاتصال ليس مسألة اختيارية يسعنا الأخذ بها أو تركها، أو رفاهية نتمتع بها، بل هي ضرورة كضرورة الحياة نفسها، وينبني عليها كل شيء. فالتعليم تواصل، وبناء الأسرة تواصل، والوظيفة تواصل، وأسلوب قيادتك للسيارة تواصل مع الآخرين، واختلاطك بالآخرين، وتعاملك معهم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، بل وترفيهياً كلها تواصل في تواصل. ويعتمد مقدار نجاحنا أو فشلنا، على ذلك التواصل وفعاليته ووضوحه.
إن الدولة، أي دولة، ومن خلال مؤسساتها وأجهزتها، مُلزمة بالتواصل مع شعبها بالطرق الصحيحة والمستمرة، لكي تزيل الغموض حول قراراتها، ولكي تؤسس لمبدأ الشفافية في ما يتعلق بالمسائل التي تهم شعبها، لكي يبني قناعاته وسلوكياته على تلك الشفافية في التواصل.
مثلاً لدينا موضوع مثار حالياً في الساحة المحلية وهو دعوات استقطاع جزء من أرباح المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لكي يتم توزيعه على المتقاعدين، وظهرت أخبار تؤكد وأخرى تنفي، هذا بجانب بعض الإشاعات التي تنشط في منصات التواصل الاجتماعي. وبحسب علمي، لم يصدر من مؤسسة التأمينات أي بيان توضيحي بخصوص هذه المسألة: هل سيتم توزيع جزء من الأرباح، أم أن المؤسسة ما زالت ملتزمة بما جاء في بيانها الشهر السابق والمتعلق بدراسة «مشروعات استثمارية وعقارية تعود بالنفع على المتقاعدين»؟
وبغض النظر عن الإجابة، إذ ذكرت هذه القضية للتوضيح على فكرة التواصل مع المواطنين، خصوصاً في القضايا المهمة، والمرتبطة بمصيرهم، بصورة أو بأخرى.
كمؤسسات ليست ملزمة بالرد على كل إشاعة تظهر هنا، وخبر يبرز هناك، لكننا نتحدث عن القضايا المهمة، حيث يصبح من الخطأ أن تتجاهل تلك المؤسسات جمهورها، وأفراد مجتمعها، بتزويدهم بالمعلومات الصحيحة، التي تريحهم، وترفع حالة الغموض والشك عنهم.
الطريف أن عدم تواصل المؤسسات الحكومية هو في حد ذاته تواصل، وان كان بصورة غير مباشرة، إلا أنه يعطيك مؤشراً على عدم حضور المعلومات لدى أصحاب القرار في تلك المؤسسة، وعدم مهنيتها واحترافيتها في طريقة أدائها لأعمالها.
التواصل ليس اختياراً، لأنك إن لم تتواصل، فسيتواصل غيرك، لأن الإنسان لا يحب أن يعيش في الشك والغموض.