لم يكفِ النظام العالمي وبارونات شياطين الدول الكبرى هذا الفساد كله في عالم اليوم، فأضافوا إليه مهزلة من أكبر مهازل التاريخ الحديث تلك هي مهزلة (السيطرة على العالم) تذرعاً بجائحة «كورونا» وتالياً «أوميكرون» وما أشبه الليلة بالباحة ؟
حيث عرفت الديانات الوثنية في العصور الوسطى عملية إرضاء الكاهن ابتغاء رضوان الإله المعبود، باعتبار أن الكاهن هو الوسيط بين العبد والرب، وأن رضاه يؤدي في زعمهم إلى رضا الإله وغضبه يؤدي إلى غضب الإله!
فما بالكم بالحبر الاعظم، البابا، الذي لا حظوة له عند الله ولا إذن له بقبول الغفران؟
بل وتزداد عجباً حينما يكون الأمر ليس صادراً عن نية حقيقية في التوبة يعلمها البابا - تقدس سره- (!) بل عن مبلغ من المال؟ وكلما زاد المبلغ زادت التقوى والتوبة (!) وهذا المال ليس مدفوعاً على سبيل الصدقة للفقراء والمساكين، إنما هو لشراء الصك كما تشتري علبة السردين أو التونة المعروضة في الأسواق!
والمال يذهب إلى خزائن البابوات والكرادلة حتى يكتنزوا الذهب والفضة ولا تذهب إلى (الهوم لس) ولكن هذه المهزلة التي عشعشت في عقول الأوروبيين في بدايتها كانت جادة، فالذي يشتري الصك كان راغباً في التوبة، معتقداً أن هذا السبيل يؤدي بالفعل إلى التوبة والمغفرة.
كما استخدموا صكوك الغفران في الحروب الصليبية لتشجيع المقاتلين على خوض المعارك ضد المسلمين !
واستمرت الشعوب المغلوب على أمرها من الفلاحين والحرفيين مخدوعين في قداسة البابا، وقدرته على محو الذنوب، بما له من الله من سلطة تفويض (القداسة) فلقد انكشف الأمر عند العلماء العارفين حيث أصبح قداسة البابا تاجراً كبيراً يصف في مصاف التجار الكبار، ولكنه مدلّس غشاش في الدنيا والآخرة فهو يبيع بضاعة لا يملكها ويخزن الثمن لأغراضه الخاصة.
ومع أن هذه مهزلة مكشوفة في ديننا وعقيدتنا الإسلامية، إلا أن المجتمع الأوروبي تشربها حتى النخاع في الدولة البيزنطية، حتى طغوا وبغوا بالثراء الفاحش فتنازل قداسة البابا عن الفائض للكبار من أعوانه فصرح لهم بإصدار الصكوك لحسابهم الخاص من باب العدالة في توزيع الثروات!
واستمرت الحال لأكثر من ألف سنة حتى سقطت بيزنطة بيد الدولة العثمانية عام 1453.
فماذا كانت نتيجة صكوك الغفران؟
لقد كان السقوط مدوياً أدى إلى النفور من الدين وفقدان الثقة برجاله، حيث رأى الناس كثرة الأموال في الكنيسة التي لاحقتها الفضائح الأخلاقية التي نالت معظم البابوات في أوروبا الشرقية والغربية، وحين خالط الناس أصحاب الصكوك وقد ضمنوا مغفرة ما تقدم من ذنبهم وما تأخر وهم غارقون في الفساد اتكالاً على أن الذنوب سوف تُمحى أولاً بأول بسحر الصك الذي ابتاعوه بأغلى الأسعار فأصبحت الكنيسة تنافس الاقطاعيين الأمر الذي حدا بهم إلى مزيد من الطغيان، ومزيد من الظلم، ومزيد من التحكم في رقاب الناس وعقولهم وحرياتهم، حين يرون ذلك كله فلا شك في أنهم ينفرون وينسلخون من النظام العام الذي أنتج لهم كل هذه الأفاعيل!
وأتت الكنيسة للقضاء على هيبتها بعدم مراعاتها لتعاليمها التي بشرت بها الداعية إلى الصلاح والطهارة والقيم؟
فاختلقت نظام (التحلّة) فكان البابا بمقتضاه يعفي نفسه عن الالتزام بالأوامر والنواهي التي تفرضها الكنيسة على رعاياها!
فاستطاع البابا في كثير من الأحيان أن يُهمل قوانين الكنيسة في حالات خاصة له، وجاءت ثالثة الأثافي محاكم التفتيش البابوية حيث يقوم البابا بتحقيقات واستخبارات عن الإلحاد في أوروبا، وبهذه الأداة نصّبت الكنيسة نفسها لمهاجمة الضمير الإنساني بالنار والعذاب وعملت على إضعافه مع أنه مناط أملها الباقي في السيادة على العالم.
فنصبوا أعواد المشانق، وأعدوا الخوازيق على المقاعد، وأوقدوا ألسنة اللهب ووقف رجال الكهنوت في ساحات الأسواق العامة يتلون فرمانات الإعدام بتهم الهرطقة، ثم يجلسون ليراقبوا أجسام المحكومين وهم في الغالب إما فقراء أو علماء وأطباء وهي تحترق بالنار، وتخمد أنفاسهم بالخوازيق وتتلاشى معهم في الوقت نفسه الرسالة العظمى لدين عيسى بن مريم، عليه السلام، فتصبح رماداً تذروه الرياح.
وقد وثقت كل ذلك مدام توسو التي عاصرت تلك الفترة ومكانها اليوم متحف الشمع في مدينة لندن!
لقد سئمت الشعوب وأصابها الملل والضجر بسبب الذل والمهانة التي تفرضها حروب الأنظمة على الكرامة الإنسانية، كما تفرضها على العقل الذي خلقه الله ليفكر لا ليمتهن بالحبس في داخل قيود وحدود ما أنزل الله بها من سلطان، إنما هي من صنع البشر.