أجراس إنذار تقرعها طبيبة أميركية... من واقع تجربتها ومعاناتها الشخصية

هواتفنا الذكيّة... تُهدّد بـ «تكبيل» أيدينا !

تصغير
تكبير

بالتوازي مع استمرار تزايد معدلات الإدمان على استخدام أجهزة الهواتف الذكية على مستوى العالم - خصوصاً بين الأطفال واليافعين والمراهقين - لوحظ حدوث تزايد مماثل في الإصابات بالتهابات مفاصل وأوتار اليدين، وهي الإصابات التي يمكن أن تؤدي في حال تفاقمها إلى «تكبيل» اليد حرفياً من خلال إعاقتها عن الحركة بالشكل السليم.

تلك الإصابات باتت تحمل مسميات عدة، من أبرزها: • «الإبهام الزنادية» • «مخلب الهاتف الذكي» • «متلازمة النفق الرسغي» • «مرفق الهاتف النقال» ولأن مخاطر تلك الظاهرة باتت تشكل خطراً حقيقياً على صحة أيدي وأصابع معظم مستخدمي الهواتف الذكية حول العالم، فإن الطبيبة الأميركية كارولين باربر قررت أن تسلط عليها أضواء توعوية وأن تقرع حولها أجراس إنذار... من زاوية خاصة ومن خلال تجربتها الشخصية.

ننقل إليكم في هذا التقرير ما كتبته الدكتورة باربر حول المخاطر التي تشكلها هواتفنا الذكية على صحة أيدينا وأصابعنا...

دراسة حالة

من منطلق كوني طبيبة عمِلتْ وقتاً طويلاً في أقسام الطوارئ، أريد أن أشارككم دراسة حالة لـ«مريضة» صادفتها في أثناء عملي. تلك المريضة ظلت لسنوات تعاني التهاباً وتورماً وألماً متكرراً في مفصل إبهامها اليُمنى، وكانت معاناتها تلك تزداد حِدة قرب نهاية اليوم، كما كانت تشعر بتخدُّر في الجزء الداخلي من إبهامها.

كانت تلك المريضة تشعر بضعف بسيط في قبضتها عندما تُمسك بالأشياء وأوجاع في راحة يدها، كما عانت بشكل متقطع من مشكلة أخرى، إذ كان إصبعها الوسطى يعْلَق عند ثنيه، أما إصبعا البنصر والسبابة فكانا متورمين بعض الشيء.

كنت طوال حياتي على معرفة شخصية وثيقة جداً بتلك المريضة إلى درجة جعلتني أتساءل متعجبة: كيف لم أتوقع مبكراً ظهور مثل هذه الإصابات لديها؟! على مدار أكثر من عشر سنوات، اعتادت تلك «المريضة» استخدام هاتفها الذكي في إعداد تقارير مُستفيضة تُسلّط الضوء على مجموعة متنوعة من الحالات المرضية في مجال طب الطوارئ. ثم جاءت جائحة كورونا فتضاعف معدل استخدام تلك «المريضة» لهاتفها الذكي، ليبلُغ مستويات جديدة مذهلة.

فلقد عكفت تلك المريضة لساعات إضافية يومياً على متابعة أحدث تطورات اللقاحات والمتحورات عبر الإنترنت وتبادل المراسلات العلمية... وكل هذا من خلال هاتفها الذكي الذي كانت تستخدمه عادة بيد واحدة.

هوية «المريضة»

نعم، كما توقعتم... تلك «المريضة» هي أنا شخصياً.

أنا التي عانت يدها من هزيمة ساحقة بسبب تورم في إصبعيّ السبابة والوسطى - اللذين استخدمهما في السحب من أجل التصفح على شاشة الهاتف – وهو التورم الذي بات يؤثر على قدرتي على ضم قبضتي بالكامل. وإضافة إلى ذلك، فإن إصبع السبابة يعلق بعض الشيء عند ثنيه، وفي بعض الأحيان يظل عالقاً في وضع الانثناء ثم يستقيم مُصدراً صوت طقطقة.

قال لي الجراح البارز جيفري ستون: «لستِ وحدك في معاناتك تلك». الدكتور ستون متخصص في جراحات الأطراف العلوية بمعهد فلوريدا لتقويم العظام، وحكي أنه يتعامل يومياً مع مثل تلك الإصابات التي تنجم عادة عن الإفراط في استخدام أجهزة الهواتف الذكية، والعمل على أجهزة الكمبيوتر المكتبية، وممارسة الألعاب الإلكترونية، وتسجيل الأطباء للمعلومات على شبكة الإنترنت، واستخدام الجراحين لأدوات جراحية مثل المباعد أو الملاقط، وغير ذلك.

وأضاف: «أصبح الجميع الآن يعانون من هذه الإصابات، لأنهم يتنقلون على الدوام بين الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، وأجهزة الكمبيوتر، ولا يكفون عن النقر على الشاشات ولوحات المفاتيح».

مصطلحات... وظواهر

وصحيح أن مصطلح «إبهام الرسائل النصية» - الذي يُعرف أيضاً باسم «إبهام الهواتف الذكية» - ليس تشخيصاً طبيّاً رسميّاً حتى الآن، لكنه ظاهرة حقيقية وإن كان تعريفها مبهماً بعض الشيء، وهي ناتجة عن الاستخدام المفرط وما يترتب عليه من التهابات. كما أن ظاهرة الإبهام الزنادية (أو الإصبع الزنادية) - التي بدأ بعض مقدمي الخدمات الصحية يربطون بينها وبين مستخدمي الهواتف الذين لا ينقطعون عن السحب بأصابعهم من أجل التصفح على شاشة الهاتف، وكتابة الرسائل النصية - هي ظاهرة حقيقية أخرى.

فالواقع أن هذه الظواهر التي نعاني منها - واستخدامي لصيغة الجمع مقصود - تنتمي إلى فئة أوسع، ألا وهي الإصابات الناتجة عن الإجهاد المتكرر وقد تُصيب أي جزء من أجزاء الجسم عندما يقوم بتنفيذ الحركة نفسها مراراً وتكراراً.

ضغط ... وإجهاد

ومن جانبه، فإن الدكتور جون إيريكسون - الجراح المتخصص في جراحات اليد والأطراف العلوية في مركز رالي هاند تو شولدر- قال لي: «من منظور قواعد التصميم المريح، لم تُصمَّم أجهزة الهواتف الذكية على نحو يُراعي اليدين والرسغين. لكن مستخدمي الهواتف الذكية يخوضون سباقات ماراثونية كل يوم بأصابع أيديهم. وبما أن مفاصل اليد صغيرة للغاية، فإن مقدار الضغط عليها يكون هائلاً. والضغط على طرف الإبهام بمقدار رطل واحد يخلق ضغطاً مقداره من 12 إلى 14 رطلاً على قاعدة مفصل الإبهام».

في هذا الصدد، قال البروفيسور ديفيد بوزينتكا، رئيس قسم جراحات اليد في جامعة بنسلفانيا: «أرى أن إبهام الرسائل النصية هو نوع من إصابات الإجهاد المتكرر، وأعتقد أن كتابة الرسائل النصية بسرعة كبيرة، وإبقاء اليدين في أوضاع خرقاء وغير مريحة، ومد الأصابع من أجل الوصول إلى مفاتيح الحروف البعيدة، جميعها عوامل تُسهم في حدوث المشكلة، جنباً إلى جنب مع عوامل أخرى تجعل الفرد عُرضة لمثل هذه الإصابات».

والواقع أن ظاهرة الإصبع الزنادية تحدث عندما يصبح وتر العضلة القابضة ثخيناً وملتهباً داخل مسار أو غمد ضيق، ما يتسبَّب أحياناً في أن تعلق الإصبع عند ثنيه، وغالباً ما نلاحظ هذه الإصابة لدى الأفراد الذين يستخدمون أيديهم في حركات متكررة، كالإمساك المتكرر أو تحريك الإصبعين على الشاشة لتكبير النصوص والصور أو تصغيرها، أو عقب الاستخدام المكثف للأصابع والإبهام، تبدو كل هذه الأمور مألوفة، أليس كذلك؟ في حالتي، كانت إصابتي عبارة عن التهاب مفصلي في المفصل المشطي لإبهامي اليُمنى، ووافقتُ طبيبي الرأي أن استخدامي المفرط للهاتف الذكي أدى إلى تفاقم تلك الإصابة. والآن، أشعر بالألم وبالتغيرات التنكُّسية الناتجة عن التهاب المفاصل في إبهامي الأيمن فقط (وهو الإصبع الذي أستخدمه في كتابة الرسائل النصية)، والذي يزيد حجمه كثيراً عن إبهامي الأيسر. يتلاشى الألم ليلاً عندما أُريح إبهامي الأيمن، لكنه يعاودني في اليوم التالي عندما أستأنف تحريكه على الشاشة، وهو أمر لا أنفك أفعله.

تأثيرات تراكمية

رصدت دراسات بحثية التأثيرات التراكمية التي تصيب الجهاز العضلي الهيكلي من جَرَّاء استخدام الهواتف الذكية. وقد أشارت إحدى تلك الدراسات إلى أن نسبة تصل إلى ثلثي مستخدمي الأجهزة الذكية أصيبوا بتلك التأثيرات التراكمية المرتبطة بمعدل إجراء المكالمات الهاتفية، وكتابة الرسائل النصية، وممارسة الألعاب الإلكترونية، ووجدت دراسة أخرى أن الانتشار الأكبر لهذه الأعراض المرضية يكون في أعلى العنق، والظهر، والرسغين، واليدين.

علينا إذاً مواجهة الحقيقة، ألا وهي: أيدينا لم تُخلق لتحمُّل كل هذا الضغط.

ويشير خبراء كذلك إلى نوع آخر من التهاب الوتر المؤلم عند قاعدة الإبهام ويُعرف باسم «إبهام اللاعب» أو داء «زَلِيل الوتر» De Quervain›s. ويرتبط هذا الداء بالإكثار من كتابة الرسائل النصية على الهواتف الذكية أو ممارسة الألعاب الإلكترونية، إضافة إلى بعض المُسبِّبات الأخرى، وإن كانت هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث.

نظرة تشريحية

أما على المستوى التشريحي، فإن دراسات أشعة الموجات فوق الصوتية أظهرت ثخانة وتغيرات في أوتار الإبهام لدى مَن يرسلون الرسائل النصية بكثرة، وقد لُوحظ أن هذه الثخانة تتوازى مع عدد الرسائل التي تُكتَب يوميّاً.

ويقول الدكتور براندون دونلي، الجراح المتخصص في جراحات اليد بمركز بونتشارترين لتقويم العظام والطب الرياضي بولاية لويزيانا الأمريكية: «تُعرَض علينا كذلك إصابات أخرى ناتجة عن الاستخدام المفرط لأجهزة الهواتف الذكية، مثل إصابة نطلق عليه اسم «مخلب الرسائل النصية» وتسبب ألماً وتشنجاً عضليّاً في الأصابع. وهناك أيضاً «متلازمة النفق الرسغي»، و«مرفق الهاتف الذكي» الذي ينجم عن إبقاء المرفق في وضعية الانثناء لفترات طويلة خلال استخدام الهاتف الذكي.

نصيحة... ذهبية

لذا، يقول الدكتور ستون: «النصيحة الذهبية التي أسديها إلى مرضاي هي ألا يمسكوا هواتفهم الذكية بأيدهم كلما أمكنهم ذلك. فمجرد إمساك الهاتف بإصبعي الإبهام والخنصر يؤدي إلى إجهاد العضلات الداخلية والشعور بالألم في راحة اليد. ومن المؤكد أنك لاحظت أن الكثير من الهواتف الذكية الجديدة ليست أصغر حجماً بل أكبر، وتلك مشكلة، لا سيما لأصحاب الأيدي الصغيرة نسبياً».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي