«بابا نويل» بلا ألوان ولا... هدايا
فرحٌ كئيبٌ يُلاقي أعيادَ لبنان... مكسور الخاطر
كان مشهد متظاهري 17 أكتوبر في ساحة الشهداء عام 2019 جديداً على اللبنانيين بعدما حوّلوا الوسط التجاري على مدى أعوام ساحة لاحتفالاتهم وإطلاق الأسهم النارية والرقص والغناء في العاصمة بيروت... وظل الفرح عنواناً لآلاف اللبنانيين يعبّرون عن أملهم في سنة جديدة تتحقق فيها آمالهم بمكافحة الفساد وتوقيف المتورطين في تهريب الأموال وتفكيك المنظومة السياسية وقيام دولة مكتملة المقومات والسيادة.
كل شيء منذ عامين تَغَيَّرَ، ولم تتحقق أي من مطالب اللبنانيين، بل إن المآسي تضاعفت سياسياً ومالياً واجتماعياً.
وقد يكون اقترابُ عيديْ الميلاد ورأس السنة، مُناسَبَةً أكثر إيلاماً من قبل، إذ في المناسبتين تحضران الكثير من الكآبة اليومية التي تكشف للبنانيين حجم انهيار أوضاعهم وفقرهم المتزايد.
منذ عامين، ومع انعدام القدرة الشرائية للبنانيين، تحوّلت الأعياد كابوساً، ولا سيما في الميلاد ورأس السنة اللذين يشكلان لغالبية اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، مُناسَبَة العطلة السنوية والاحتفالات وإقامة المآدب.
تقليداً هي مناسبة دينية خاصة، لكنها تحوّلت مع الوقت محطة تجمع اللبنانيين بغالبيتهم من الذين يرفعون شجرة الميلاد والزينات ويتبادلون الهدايا خصوصاً للأطفال الذين ينتظرون كل سنة بابا نويل، ويحتفلون برأس السنة.
لكن ومع التدهور المالي تساوى الجميع في النظرة إلى الأعياد، لأنها أصبحت عبئاً مالياً كبيراً.
في العادة تتسابق البلديات إلى إقامة شجرات الزينة، حتى أصبحت شجرة وسط بيروت وشجرة جبيل تتنافسان مع العالمية، ويتسابق الزوار إلى التقاط الصور قربهما.
واليوم مع الكلفة العالية وشحّ الكهرباء، شكلت شجرتا الأشرفية وجبيل «مقاومةً» باللحم الحيّ لعتمة «كل شيء».
فالشوارع فرغت من أقواس الفرح والزينة والأضواء الكهربائية التي كانت تضفي سحراً على الليل الذي لا ينام... العتمة أطْبَقَتْ عليها، والبلديات انكفأت عن رفع الشرائط والزينات، فعمالها بالكاد يقبضون رواتبهم، وصرْفُ أموال طائلة في هذا الوقت العصيب متعذّر.
وليست الشوارع فقط الخالية من بهرجة الأعياد، حتى المنازل أضاءت شجراتها بما هو متيسّر لديها.
أصحاب المحال التجارية المخصصة لهذا النوع من الزينات وديكورات الأعياد، يئنون تحت وطأة ارتفاع الأسعار، فغالبية الزينات مستورَدة من الخارج أي بالدولار، واللبنانيون الذين تعوّدوا شراء منتجات أوروبية باتوا يكتفون بمنتجات من صنع صيني.
وفي الحالتين، الدفع يتم عبر سقف الدولار الذي لا حد لجنونه.
فمَن يقدر أن يشتري زينةً تراوح تكلفتها بالحدّ الادنى بين مليوني ليرة وخمسة ملايين ليرة...
ويقول أحد المستوردين «في كل المراحل العصيبة اقتصادياً تبقى هناك فئة من الميسورين الذين يدفعون بالدولار.
والأمر نفسه يحصل حالياً.
هناك فئة من الأغنياء والسياسيين يصرّون على تزيين منازلهم بديكورات خاصة بالأعياد، والشجر المستورد من الخارج، مهما كانت كلفتها».
في المقابل، تعجز محلات تجارية صغيرة في أحياء سكنية شعبية عن بيع أقل الأنواع ثمناً.
وبعض ما لديها هو من بقايا الأعوام السابقة، فسكان هذه الأحياء بالكاد يجدون ما يؤمّن لهم طعامهم اليومي.
أما الهدايا فحكاية مميزة مع الأعياد.
تغنّي فيروز للعيد وهداياه وتقول «بهالعيد بدّي قدّم هديّة، لا دهب لا ورود جورية، طالع عابالي ضمّ زهرة وقلب، وقدّمُن للعيد عيدية».
وقد تكون حتى الزهرة هذه الأيام مُكْلِفة، إذ لا يقل ثمن الزهرة الحمراء الخاصة بالعيد عن 300 ألف ليرة، والهدايا مكلفة بعدما تحوّلت مع ارتفاع سعر الدولار كابوساً بالنسبة إلى الأهل.
لا «باربي» وثيابها ومنازلها (أسعارها بين 400 ألف ومليوني ليرة)، ولا ألعاب الكترونية ولا كتب ولا ثياب جديدة.
ففي احد المحال المخصصة لثياب الأطفال يصل سعر الفستان إلى 4 ملايين ليرة.
كل شيء بات مرتجلاً... تحاول مؤسسات اجتماعية وإغاثية الطلب من الذين يقدّمون مساعدات، تقديم هدايا للأطفال، أو من العائلات الميسورة التبرع بألعاب قديمة لديها من أجل تقديمها إلى الأطفال.
لكن الأطفال باتوا يعرفون أن هناك شيئاً تَغَيَّرَ، عندما امتنعت الأمهات عن اصطحابهم إلى السوبرماكت وإلى المحال التجارية.
وتتحدث إحدى المعلمات عن أطفال باتوا يقولون صراحة في الصف أن أهلهم لم يعودوا يملكون المال.
وتفضّل العائلات تأمين وجبات الطعام على الهدايا.
وبعضها يتّكل على أقرباء في الخارج يرسلون هدايا لأطفالهم، وبعضهم يحاول اختراع فكرة تذهب أدراج الريح في زمن التكنولوجيا والألعاب الإلكترونية.
ويقول أحد المساعدين الاجتماعيين إن «الجمعية التي يعمل فيها، تهتم عادة بشراء هدايا للمسنّين والأطفال في كل عيد، إلا أن الأموال ستخصص هذه السنة لتأمين التدفئة والاشتراك في المولدات للعائلات الفقيرة».
واذا كانت الأعياد هذه السنة تشكل عبئاً على الطبقتين المتوسطة والفقيرة، فإنها تبقى في غالبية الأحيان بالنسبة إلى فئة لا تتجاوز 25 في المئة من اللبنانيين، هي نفسها. العطل للتزلج في أوروبا، (فيما امتنع مئات اللبنانيين عن السفر إلا للهجرة) وإقامة الحفلات والمآدب، رغم أن غالبية الفنانين اللبنانيين يقيمون حفلات في الخارج خصوصاً في الدول العربية.
وبحسب إحدى الشركات المتخصصة بتقديم الأطعمة والمآدب، فإن الحجوزات هذه السنة لبعض الفئات مازالت نفسها، والدفع بالدولار.
ويراوح سعر ديك الحبش (المستورد) للعيد، وهو الطعام التقليدي في هذه المناسبة، بين 150 دولاراً إلى 200 دولار، وكيلو الشوكولا، لا يقلّ عن مليون ليرة.
أما كاتو العيد فيراوح بين مليون ومليوني ليرة، فيما بقيت المشتريات من الأطعمة المستورَدة على النسبة نفسها.
في المقابل، فإن المؤسسات الإنسانية تعمل ما في وسعها لتوفير مساعدات مالية من أجل تأمين وجبات العيد لكبار السن والفقراء الذي يؤمون صالاتها كل سنة.
وقد بدأ انتشار هذه الصالات والمطابخ المتخصصة بتقديم وجبات طعام للمحتاجين، منذ سنتين في شكل كبير.
ويساهم مغتربون في تمويل هذه المؤسسات من أجل المحافظة على الحد الأدنى من متطلبات عائلات وجدتْ نفسها من دون مدخرات وتراجعت قيمة رواتبها، و ارتفعت أسعار أدويتها.
لا توحي الصورة الحقيقية للبنان في فترة الأعياد هذه السنة بالخير ولا بالبرَكة التي ترافق عادة الأعياد.
فالفقر يجتاح المنازل والأحياء، والمؤسسات الإنسانية لا تستطيع أن تحل محل مؤسسات الدولة.
أما صورة بعض الاحتفالات والميسورين فهي لا تعبّر عن الواقع الحقيقي والصورة السودوية في مرحلة أعياد كانت تملأ قلوب اللبنانيين بهجة وبياضاً ناصعاً.