No Script

إذا طال أمد أزمتهم وانتهت بطاقاتهم المدنية ولو ليوم واحد

«وافدو الستين» مهدّدون بحظر... حساباتهم المصرفية

تصغير
تكبير

- تعطيل الأعمال المصرفية والتحويلات يغذي السوق السوداء وتجاوز القانون
- عدم وقف البطاقات المصرفية يحتاج لاستثناء رقابي من باب المرونة
- ليس كل وافدي الستين محدودي دخل فبعضهم يملك حصصاً في شركات
- البورصة تتقاطع في الأزمة بملكيات أسهم تواجه التعطيل بيعاً أو عند زيادتها
- تأخر قرار «الستين» يدفع البعض لنقل ملكياته لآخرين ما يزيد فرص النزاع مستقبلاً
- البعض قد يلجأ لتسييل ثرواته الشخصية والاحتفاظ بـ «الكاش»

ينشغل أبو فراس كثيراً برسالة تكرر ورودها من بنكه إلى جواله في الأيام الأخيرة مفادها:

«عميلنا العزيز: نذكرك بأن صلاحية بطاقتك المدنية ستنتهي خلال أسبوعين، يمكنك تحديث بياناتك عن طريق تطبيق البنك أو من خلال زيارة أقرب فرع وذلك لضمان استمرار الخدمات المصرفية لكم».

بالطبع، يعلم أبو فراس جيداً أن مشكلته هذه المرة ليست في رفاهية عدم امتلاكه الوقت الكافي لتجديد مدنيته، أو عدم قدرته على زيارة أقرب فرع لبنكه لتحديث بياناته المصرفية كما جرى التقليد لديه سنوياً، وهو بالمناسبة قريب جداً من بيته، بل في خصوصية مشكلته التي تكمن في أنه يندرج ضمن شريحة الوافدين الذين بلغوا 60 عاماً، ويحمل شهادة دون الثانوية العامة.

جدلية التعامل

أبو فراس يجد نفسه فجأة لا يملك قرار تحديث بياناته، وذلك للمرة الأولى منذ أن بات عميلاً مصرفياً، بحكم أن تعليق معاملته لأسباب تتعلق بتأخر قرار التعامل الرسمي معه، والذي يبدو أن حسمه لا يزال لأجل غير مسمى، ما يجعل وضعه مشابهاً لوضع بعض المقيمين بصورة غير قانونية «البدون»، الذين يواجهون صعوبات في تجديد بطاقاتهم الأمنية حيث تتعطل جميع أعمالهم المصرفية.

ووفقاً للبروتوكولات المصرفية المعمول بها في الأوقات العادية فيما يعرف باسم «اعرف عميلك»، يتم إيقاف التعاملات المصرفية على حسابات العملاء المنتهية صلاحية بطاقاتهم المدنية لحين تجديدها، ومراجعة البنك في شأنها، حتى يمكنهم إتمام معاملاتهم مجدداً.

وإلى هنا تجدر الإشارة إلى أن هناك بنوكاً لا تلجأ لحظر حسابات العميل المصرفية بانتهاء بطاقته المدنية، تفادياً للمشاكل العديدة والمتشعبة التي تترتب على ذلك، خصوصاً إذا كان القرار جماعياً وليس فردياً، ويستثنى من ذلك إذا اشتبه البنك في حال وجود حركة مصرفية غير اعتيادية، حيث يكون مضطراً في هذه الحالة لغلق الحساب حتى تحديث البيانات.

وبخلاف ذلك سيستمر المصرف في علاقته القديمة مع العميل، لكنها لا تبدأ معه علاقة مصرفية جديدة، سواء بفتح الحسابات أو بمنحه خدمات مصرفية «أونلاين»، وبالطبع لا تقرضه مجدداً ولو كان مستوفياً للشروط، حتى يُحدّث بياناته.

ومن هنا يتضح جيداً أن مشكلة وافدي الستين بدأت تتعدى حدود حاجتهم لتوفير رسم الـ500 دينار والحصول على تأمين صحي خاص لضمان تجديد إذن عملهم، إلى البنوك، التي تجد نفسها مضطرة لوقف البطاقة المصرفية للعميل في حال انتهاء صلاحية بطاقته المدنية، ولو ليوم واحد.

عابرة للحدودوباعتبار أن فاعلية البطاقة المصرفية مرتبطة بصلاحية البطاقة المدنية، سيتم حكماً تجميد صلاحية ولوج العميل لحسابه المصرفي، سواء بالسحب من رصيده أو بالإيداع بمجرد انتهاء صلاحية بطاقته المدنية، وسيكون من حقه إذا قرر إغلاق حسابه نهائياً الذهاب إلى بنكه مرة واحدة والطلب من الموظف تحويل المبالغ الموجودة في حسابه إلى أي حساب خارجي، وذلك يكون في الغالب ببلده.

وحتى تحويل الأموال للأهل في الخارج أو لأي سبب مشروع، بات وافدو الستين عرضة للحرمان منه، وسط التزام البنوك وشركات الصرافة بالتعليمات الرقابية التي تحظر إجراء أي عملية تحويل للعميل المنتهية بطاقته المدنية سواء إن كان مواطناً أو مقيماً، وهنا تبدأ فصول جديدة من أزمة وافدي الستين بأزمة تلد أخرى، لكن هذه المرة بعنوان حظر تصرف وافدي الستين في ثرواتهم الشخصية.

فمن ناحية، يواجهون واقع أن انتهاء صلاحية بطاقاتهم المدنية حتى إشعار آخر يهدد بإغلاق حساباتهم المصرفية وتعطيل حقهم في التصرف بأموالهم بغض النظر عن حجم الرصيد وما إذا كان كافياً للسحب أم لا، وبالتالي سيكونون عرضة لضغوط مالية غير معتادة ليس بسبب حاجتهم للأموال الموجودة بالفعل في حساباتهم بقدر عدم قدرتهم للوصول إليها.

تداعيات سلبيةكما أن غلق باب التحويلات أمام هؤلاء العملاء من شأنه تغذية السوق السوداء التي ستستعيد نشاطها في أن تصبح باباً خلفياً لتنفيذ الحاجات المالية المعطلة بإجراء تحويلاتهم خارج النظام المصرفي، ما يتعارض مع جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وبالطبع، تتنامى المخاوف أكثر لدى بعض وافدي الستين وتحديداً رجال الأعمال منهم، فبخلاف المعتقد ليس بالضرورة أن من بلغ الستين عاماً من الوافدين ولا يحمل شهادة ثانوية يمتهن الأعمال البسيطة ومن محدودي الدخل، فمعلوم أن لدى بعضهم تجارة متوسطة أو حصصاً في شركات ولو صغيرة، وآخرون يستثمرون مدخراتهم في سوق الأسهم سواء بالشراء المباشر، أو عبر محافظ استثمارية، مع الإشارة إلى أن على بعضهم مديونيات للبنوك أو مراكز مالية قائمة.

وكنتيجة حتمية يواجه أصحاب الأعمال من وافدي الستين فرضية أن انتهاء صلاحية بطاقاتهم المدنية ستؤدي إلى التضييق عليهم استثمارياً، سواء إذا قرروا الاستمرار بأعمالهم التجارية القائمة، أو عند فتحهم حسابات تداول جديدة في البورصة، أو حتى عند زيادة حصصهم التجارية وغيرها من الأعمال التي اشتهروا بها.

تزايد المخاطر

فباختصار ومن دون أي تعقيد، يؤدي تعطيل البطاقة المصرفية لفقد القدرة على صرف أي مستحقات استثمارية أو تجارية إذا كانت مصدرة في هيئة شيكات، وهذا ينطبق على دفع المطلوبات من الأرصدة عبر الشيكات، بحكم أنها ستكون مرفوضة مصرفياً، ما يضعف المركز التجاري للشخص ويؤثر على أعماله.

وهنا تتزايد مخاطر أن يتحول أصحاب الأعمال من وافدي الستين وحتى العمال منهم في إنجاز معاملاتهم لعابرين للحدود والقوانين، كما أن هكذا واقع قد يضطرهم لنقل ملكياتهم وحساباتهم لآخرين من الأصدقاء والشركاء ما يزيد فرص النزاع المالي مستقبلاً.

بالطبع، قد يجد وافدو الستين نافذة أمل في منحهم إقامات موقتة حتى يُحسم قرارهم، وربما ستحتوي المصارف أزمة وافدي الستين وتجنيبهم فقد القدرة على التحكم بحساباتهم بسبب انتهاء صلاحية بطاقاتهم المدنية، بمنحهم استثناءات تقضي باستمرار صلاحية بطاقاتهم المصرفية، لتعود إلى العمل مجدداً بعد الحصول على موافقة الجهات الرقابية، مثلما تعاملت في مواجهة تداعيات جائحة كورونا، لكن ذلك يبقى إجراء استثنائياً وموقتاً.

فجوة التحديات

تزداد لعل من أبرز التداعيات السلبية التي قد يواجهها وافدو الستين بعيداً عن تعطيل أعمالهم وتعليق حساباتهم الشخصية، والتي قد تكون متواضعة وعبارة عن ادخار راتب شهر أو شهرين في بعض الحالات، أن هذه الإشكالية تعزز عموماً السلوك الفردي تجاه ثقافة الاحتفاظ بـ»الكاش»، وسحب الأرصدة من الحسابات المصرفية، بضغط من مخاوف استمرار تعقيدات حسم ملف هذه الشريحة لأجل أطول من الأشهر الثلاثة التي قد يحصلون عليها لتجديد إقامتهم موقتاً.

وإلى ذلك، لا يمكن توجيه اللائمة في أزمة أبو فراس وغيره من وافدي الستين إلى البنوك أو إلى البورصة أو إلى أي جهة تجارية تجد نفسها مجبرة على اتباع القوانين التي تفرض عليها إجراء ربط صلاحية الأعمال المتصلة بها بصلاحية البطاقة المدنية، ففجوة تأخر حسم التعامل مع أذون عمل وافدي الستين سيقود لتفجير مزيد من التحديات غير المتوقعة، وتفاديها بالإسراع نحو إغلاق هذا الملف الذي مضى على فتحه نحو 15 شهراً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي