لماذا تُتهم إيران بضرب استقرار الشرق الأوسط؟
قال مدير الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي) وليام بارنز، إنه «لا يوجد أي دليل بأن إيران قررت الذهاب نحو تصنيع السلاح النووي»... هذا الاعتراف إن دل على شيء فهو تأكيد مزاعم طهران بأنها لا تريد صنع السلاح النووي، ويطعن تالياً بكل مخاوف إسرائيل من أن إيران وصلت إلى قاب قوسين أو أدنى من المشروع النووي المسلح.
من هنا يطرح السؤال الكبير، عن المخاوف التي تثيرها إيران لتكون أكثر دولة في العالم تتعرض للعقوبات وتوجه إليها الاتهامات بأنها تسعى لضرب استقرار الشرق الأوسط؟
قدمت إيران في فيينا، حيث تجري المفاوضات للوصول إلى اتفاق في الملف النووي، ثلاثة اقتراحات تمثل تصورها لإمكان الحل وإنهاء الأزمة المستمرة منذ عام 2008.
ومازالت واشنطن تعرض على الطرف الإيراني اللقاء المباشر الذي ترفضه طهران، إذا لم تعد الولايات المتحدة إلى الاتفاق كعضو كامل بعد رفع العقوبات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب في الأعوام الثلاثة الأخيرة من حكمه، ودفع التعويضات وتقديم الضمانات اللازمة لعودة واشنطن الى الاتفاق وتراجع طهران عن خروقاتها النووية.
وقد رفعت أميركا سقف التهديدات عبر التلويح بالحرب أو بالضغط الأكبر على كل الدول التي مازالت تتعامل مع طهران وتتبادل معها التجارة والنفط لكي يلتزم الجميع بالعقوبات ولتضيّق الخناق على إيران.
وأعلنت الإدارة الأميركية أنها أبلغت وفدها ضرورة الاستعداد لاحتمال فشل المفاوضات، وهذا موقف تصعيدي شكلي لأن الديبلوماسية بدأت تأخذ مكانتها على طاولة المفاوضات.
وردت طهران برفع سقف التخصيب وتطوير أجهزة الطرد المركزي كورقة ضغط تساعد المفاوض الإيراني الذي يجابه وحده المفاوض الأوروبي (الفرنسي والبريطاني والألماني)، إلا أن الجو المشترك بين الجميع أن «الثقة» ليست فقط «مفقودة»، ولكنها غير مطلوبة.
بل ما هو مطلوب أن يتوافق الإيراني والأميركي على اتفاق يرضي الطرفين ويبقي على حال العداء.
ومن الطبيعي أن تشتد وتخفض اللهجة من الطرفين أثناء المفاوضات، لأن هذا من شأنه فرض أجواء تساعد كل طرف على آخر بالضغط النفسي. ولو كانت إيران تشكل مشكلة حقيقية للعالم لما جلس معها ممثلو الدول الأقوى (روسيا والصين ودول الغرب) للتفاوض.
واللافت أنه سُحب من التداول ملف القدرات الصاروخية الإيرانية وكذلك القدرات التي تتميز بها الطائرات المسيرة المسلحة، وما من أحد يتكلم داخل أروقة فيينا عن حلفاء إيران الشرق أوسطيين.
وهذا يعود لاقتناع الأطراف جميعها بأن إيران ترفض بكل وضوح التفاوض حول أي مسألة ترتبط بالدفاع عن أمنها الوطني.
وقد رضيت الدول بما تتمسك به طهران، أي التباحث فقط في الملف النووي في الوقت الراهن، لأن المسألة الأهم لأميركا وإسرائيل، هي إعادة إيران لإنتاج نقاوة اليورانيوم إلى نسبة 3.67، وتالياً خفضه من نسبة 60 في المئة التي وصلت إليها أثناء تراجعها عن اتفاق لم تحترمه الأطراف الغربية.
ويعلم جيداً كلا الطرفين الأساسيين (أميركا وإيران)، أن واشنطن ستعود لفرض عقوبات جديدة على طهران حتى ولو وقع الاتفاق السنة المقبلة. إلا أن الطرفين سيخرجان منتصرين لأن أميركا ستحصل على مراقبة دائمة ودقيقة لبرنامج إيران النووي وستنزع مخزونه من اليورانيوم (وليس معرفتها وعلمها وخبرتها) وتبعدها عن الاقتراب من صنع القنبلة النووية.
وتنتصر إيران لأنها تريد إعادة أكثر من مئة مليار دولار محتجزة في دول عدة كانت جمدت بسبب العقوبات.
وتحاول طهران استعادة مبلغ ليس بصغير تعتبره تعويضاً لها على الخسائر التي تكبدتها عند موافقتها على الاتفاق النووي وتمزيقه من ترامب عام 2018، بالإضافة إلى ذلك، تستطيع بيع نفطها لمدة ثلاث سنوات إضافية في حال لم يطرأ تغيير على الالتزام الأميركي مما يشكل احتياطاً مالياً ضخماً لإيران.
وتحتفظ إيران بقدراتها الصاروخية ودعمها لحلفائها الذين ينتظر منهم الوقوف إلى جانبها إذا ما تعرضت لأي استهداف يهدد وجودها.
وقد دعمت طهران هؤلاء لسنوات عدة، وتالياً فهي تتوقع دخولهم في صلب المعركة إذا ما حصلت.
وهذا ما تعتبره العديد من الدول تهديداً لها، لأن «أذرع إيران» تتمدد.
ولهذه الأسباب، تعتبر دول الشرق الأوسط أنه ينبغي على إيران إبداء نيات حسنة والمبادرة لتبريد الأجواء وسحب فتيل التشنج وترطيب العلاقات، وهو الأمر الذي تؤكد مصادر إيرانية قيادية أنه على سلم أولويات الرئيس إبراهيم رئيسي، بعيداً عن التدخل الأميركي.
غير أن الوجود الأميركي في سورية والعراق لا يخدم إيران في الوقت الراهن، والتي لن تدع فرصة إلا وستستغلها على لخروج كل القوات الأميركية من غرب آسيا، مهما خرجت لقاءات فيينا باتفاقات جديدة ترضي الطرفين.