علماء وخبراء مُختصّون يجيبون... ويشرحون كيفية نشوئها
هل سيتوقف ظهور متحورات «كوفيد» جديدة؟
قبل بضعة أيام، أطلقت منظمة الصحة العالمية أجراس الإنذار مجدداً معلنة عن ظهور المتحور الكوروني الجديد «أوميكرون».
وتزايدت مظاهر الهلع ومشاعر القلق على مستوى الحكومات والأفراد حول العالم بعد أن اتضح وجود عدد كبير من الطفرات الوراثية في شريط جينوم هذا المتحور الجديد.
ويقول علماء وخبراء معنيون إن الأمر سيستغرق بضعة أسابيع حتى تنجلي معالم الصورة في شأن الخطر المحتمل الذي قد يشكله المتحور «أوميكرون».
وفي تلك الأثناء، ستبقى الأسئلة التالية مسيطرة على أذهان كثيرين باحثة عن إجابات:
• ماذا تعني «الطفرة الجينية»؟ وهل تكون خطيرة دائماً؟
• هل سرعة انتقال المتحور «أوميكرون» تعني بالضرورة أنه سيسبب مضاعفات مرضية أشد خطورة؟
• وهل احتوائه على عدد كبير من الطفرات الجينية يعني أنه سيتمكن من مراوغة جميع اللقاحات الحالية والتهرب منها؟
لكن السؤال الأهم هو:
• هل (ومتى) سيتوقف فيروس «كوفيد- 19» عن إفراز متحورات جديدة؟
نحاول في التقرير التالي تقديم إجابات عن هذه التساؤلات من خلال عرض آراء عدد من أبرز العلماء والخبراء ذوي الاختصاص:
لماذا «أوميكرون» مختلف؟
وفقاً لرأي البروفيسور تريفور بيدفورد، عالم الأحياء التطورية في مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في مدينة سياتل الأميركية، فإن «الأمر المثير للقلق في المتحور أوميكرون يكمن في أن الطفرات التي في شويكاته (التي تسمح له باختراق الخلايا) عددها كبير نسبياً، فضلاً عن أنها تبدو جامحة نوعاً ما».
وتوصيفاً لطبيعة وسبب اختلاف «أوميكرون» عن المتحورات الكورونية التي ظهرت قبله، قال بيدفورد: «المتحورات السابقة (ألفا، بيتا، غاما، دلتا، إلخ) تحتوي على ما بين 8 و10 طفرات فقط في شويكاتها. أما المتحور «أوميكرون» فيحمل 35 طفرة دفعة واحدة في بروتين شويكاته، ويبدو وكأنه قد ظهر من العدم وبشكل مستقل عن سابقيه، ومن المرجح أنه نشأ في جسم شخص مصاب بنقص في المناعة. وحتى الآن،يبدو لي أنه سيكون مختلفاً من الناحية الوظيفية مقارنة بأسلافه».
سؤال... وأكثر من رأي
نعود إلى السؤال الأهم: هل (ومتى) ستتوقف تلك الطفرات الجينية التي تؤدي إلى ظهور متحورات كورونية جديدة؟ بنبرة تبعث على بعض الأمل والتفاؤل، أجاب الدكتور دانييل رودز، رئيس قسم علم الأحياء المجهرية في مستشفى كليفلاند كلينك الأميركي، عن هذا السؤال قائلاً: «الواقع أن معظم فيروسات الجهاز التنفسي – بما في ذلك جميع فيروسات كورونا التاجية التي من بينها فيروسات الإنفلونزا – تتسم بكونها مستقرة وراثياً إلى درجة كبيرة، ما يعني أن لطفراتها وتحوراتها حدودا.
ومن منظور فرضيتي العلمية، أتوقع أن يتحقق هذا الاستقرار في فيروس كورونا المستجد أيضاً في نهاية المطاف. لكن المدة الزمنية التي ستمر إلى أن يتحقق هذا الاستقرار تبقى غير معروفة».
وشرح الدكتور رودز الأمر قائلاً: «بشكل أساسي، تحدث تلك الطفرات الجينية إما عن طريق الصدفة المحضة وإما عن طريق أحد الأخطاء التي تحصل أثناء عمليات نسخ الفيروس في جسم المريض.
هذا يشبه أنك إذا كنت تكتب نصاً بسرعة كبيرة على آلة كاتبة من الطراز القديم، فإنك كلما أخطأت في ضغطة على لوحة المفاتيح يصبح لديك كلمة بها خطأ هجائي غير قابل للتصحيح».
وتابع رودز: «ومثلما أن هذه الأخطأء تؤدي عادة إلى إفساد وتشويش سياق الكلام، فإن الأخطاء في نسخ الفيروسات تعرقلها وتعوق انتشارها.
ولكن المشكلة تكمن في أنه في حالات نادرة قد يتصادف أيضاً أن يحدث خطأ يخدم الفيروس في عمليات نسخ نفسه داخل خلايا المريض، وهذا النوع من الخطأ هو ما ينشأ عنه متحور جديد يساعد الفيروس على مواصلة الانتشار بسهولة أكبر متفادياً دفاعات المناعة سواء الطبيعية أو المكتسبة من اللقاحات».
وعلى الرغم من أن الدكتور رودز لا يستبعد احتمالية أن يستمر فيروس كوفيد- 19 في التحور كغيره من الفيروسات المشابهة، فإنه يتوقع أن «معظم الطفرات التي تحدث لن تؤدي إلى زيادة مستوى خطورة الفيروس».
لكن البروفيسور فينسينت راكانييلو، أستاذ علم الأحياء المجهرية والمناعة في كلية فاغيلوس للأطباء والجراحين في جامعة كولومبيا الأميركية، يرى الأمر من زاوية أخرى قائلاً: «أعتقد أن مسيرة تحورات فيروس كورونا المستجد لن تتوقف أبداً.
فطالما أن هذا الفيروس يصيب كائنات حية، فسيستمر في إفراز متحورات جديدة.
فالتحور هو الشيء المشترك الذي تفعله جميع الفيروسات طالما أنها تستطيع غزو أجسام واقتحام خلاياها.
لذا، لا أرى أن رحلة الطفرات هذه ستستقر أو تتوقف عند نقطة معينة.
أتوقع لهذه الرحلة أن تستمر بشكل مفتوح على غرار فيروس الأنفلونزا الموسمية الذي مازال مستمراً في التحور حتى الآن ويتطلب أخذ تطعيمات سنوياً».
كيف يعمل «كورونا»؟
وشرح راكانييلو الطريقة التي يعمل بها فيروس كورونا المستجد قائلاً: «بمجرد أن يتمكن الفيروس من اقتحام الخلية، فإنه يقوم بالقرصنة على آلياتها البيولوجية ويجندها من خلال عملية غسل للدماغ ويجعلها تبدأ في نسخ المزيد من الفيروسات المشابهة له.
وفي أثناء ذلك، قد تحدث اختلالات في عملية صنع نسخ جديدة من الفيروس.
وتلك الاختلالات هي ما نطلق عليها اسم (الطفرات الجينية)، وهي التي تؤدي إلى نشوء متحورات فيروسية جديدة في الجسم.
ومع مرور الوقت، يتغلب أحد هذه المتحورات على نظرائه الآخرين ويبدأ في التكاثر والانتقال بالعدوى إلى مرضى آخرين».
في انتظار الحقائق
لكن في الوقت نفسه، دعا راكانييلو إلى عدم الهلع قائلاً: «لا ينبغي أن يخاف الناس في كل مرة يظهر فيها متحور كوروني جديد. فاللقاحات الحالية مازالت فعالة ضد المتحورات الجديدة، وأعتقد أنها ستبقى فعالة بدرجة ما»، مشيراً إلى أن قدرة العلماء على رسم تسلسل جينوم الفيروس هي «سيف ذو حدين، حيث إنها توافر معلومات مهمة، لكنها في الوقت نفسه تثير قلق وهلع الناس قبل ظهور الحقائق العلمية».
وأيدته في ذلك الدكتورة بيني مور، عالمة الفيروسات في المعهد الوطني للأمراض المعدية في جنوب أفريقيا، قائلة: «من المهم جداً أن نتعرف أولاً بشكل كامل على جميع حقائق هذا المتحور الجديد قبل أن نقرر إجراءاتنا إزاءه».
وبينما مازال العالم في انتظار الكشف عن تلك الحقائق، يرجح بعض الخبراء أنه من المحتمل أن الطفرات العديدة التي يحملها «أوميكرون» لن تجعله أكثر خطورة وشراسة، بل قد يُلغي بعضها البعض الآخر، وذلك بفضل ظاهرة تُعرف في مجال علم الوراثة باسم «الإبطال المتبادل» (epistasis).
نظرية أخرى
في خضم هذا النقاش، هناك نظرية أخرى يمكن أن تنعش تفاؤل وآمال الناس، وهي النظرية التي تقول إن الفيروسات عموماً تميل إلى التحور تنازلياً مع مرور الوقت إلى أن تصبح أقل شراسة.
وتكمن فكرة هذه النظرية في أنه كلما أصبحت الأعراض المرضية التي يسببها الفيروس أقل وطأة، فإنه يصبح أكثر سرعة في الانتشار بينهم بالعدوى.
لكن أصحاب هذه النظرية - ومن بينهم البروفيسور راكانييلو - يقرون بأنها مازالت غير مثبتة لأنه «ليس هناك الكثير من الأدلة التي تدعمها».
كيفية التصدي... وخيط مشترك
في ضوء كل ما سبق، يبرز السؤال: ما السبيل الأمثل للتصدي لتلك الطفرات؟ الإجابة التي عليها إجماع بين العلماء حول العالم تتلخص في «تطعيم جميع سكان العالم، وبالتالي حرمان فيروس كورونا المستجد من فرصة مواصلة تطوير وتحوير نفسه».
وتأكيداً لهذا الرأي، قال الدكتور أنتوني فاوتشي، كبير أطباء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة: «مع تطعيم مزيد من الناس في جميع أرجاء العالم، وليس في دول دون غيرها، سنصل إلى وضع لن تتاح فيه للفيروسات والمتحورات الكورونية فرصة الانتشار والانتقال بحرية بين الناس».
وأضاف ملخصاً الفكرة بعبارة بسيطة: «كلما زادت الحصانات التي يحصل الناس عليها من اللقاحات، انخفضت فرص قيام الفيروس بإفراز مزيد من المتحورات».
وفي غمار هذا التفاوت في الآراء والتوقعات والنظريات، يجمع بين العلماء خيط مشترك من الأمل في أنه بعد عام أو عامين من الآن ستنتهي جائحة فيروس كورونا الراهنة ولن يتبقى منها سوى بؤر محدودة متفرقة قابلة للاحتواء والسيطرة.