رؤية ورأي

إلى جهاز الأمن الوطني

تصغير
تكبير

أنشئ «جهاز» الأمن الوطني وفق المادة الخامسة من المرسوم رقم (32) لسنة 1997 بإنشاء «مجلس» الأمن الوطني، وحدّدت اختصاصات الجهاز بـ«إعداد البيانات والمعلومات وإجراء البحوث اللازمة لأعمال المجلس (مجلس الأمن الوطني) ومتابعة تنفيذ ما يصدره من قرارات». وعليه، يعتبر الجهاز - في جانب كبير من اختصاصاته - بمثابة وحدة بحثية استشارية (think tank) لدعم القرار في المجلس. وبذلك، قرارات المجلس يبدأ تشكيلها وصياغتها في الجهاز، بناءً على البيانات والمعلومات التي يعدّها والبحوث والدراسات التي يرفعها إلى المجلس.

ومراعاة لمهامه الكثيرة الكبيرة، منحت المادة السابعة من المرسوم الجهاز مرونة واسعة لممارسة اختصاصاته، فأجازت «للجهاز أن يستعين بمراكز البحوث والدراسات المتخصصة وبمن يراه من الخبراء والمتخصصين في مختلف المجالات من الجهات الرسمية وغيرها».

وبالفعل، استعان الجهاز بالعديد من الخبراء والمختصّين، وكان من بينهم عدد من الأكاديميين من معارفي، الذين استعان بهم الجهاز قبل قرابة 15 سنة في ملف الوحدة الوطنية، بصفتها إحدى ركائز سلامة وأمن الوطن.

ولكن معظم هؤلاء الأكاديميين كان مفهومهم للوحدة الوطنية مشوّهاً متّسقاً مع المفهوم الإقصائي الذي كانت تتبنّاه كتلة العمل الشعبي.

حيث إنهم عوضاً عن التصدّي للمشاريع الإقصائية والخطابات التحريضية والتصريحات الاستفزازية التي كانت تصدر من قِبل نوّاب ورموز إسلاميين متطرّفين، كانوا يدعون إلى التغاضي عنها بمبرّر الحفاظ على الوحدة الوطنية. وكانوا على الضفّة الأخرى يسارعون إلى إصدار البيانات الداعية إلى ضبط النفس وترجيح الحكمة والعقل، كلما تحرّك أفراد من الطيف المجتمعي المستهدف لتنظيم تجمّع سلمي استنكاري.

رغم النتائج الإيجابية لتلك البيانات - التي كان يوقّع عليها أكاديميون من مختلف أطياف المجتمع - وأثرها في احتواء الفتن الطائفية آنذاك، إلا أن ذلك الأثر الإيجابي كان محدوداً وموقتاً، لأن تلك البيانات كانت مبادرات مبتورة لم تلحق بها خطط علاجيّة وخطوات استباقية لمنع تكرار جرائم استفزاز أطياف من المجتمع. ولذلك توالت واشتدّت الفتن الطائفية في تلك الفترة بالرغم من مساعي الجهاز.

اليوم، بعد أن تجدّد توظيف الورقة الطائفية في المشهد السياسي من أجل تحقيق مكاسب سياسية وتنفيذ مطالبات متعلّقة بملف العفو الأميري، أدعو المسؤولين في الجهاز، المعنيّين باقتراح السياسات الإستراتيجيّة والبرامج والخطط الخاصة بترسيخ الوحدة الوطنية.

أدعوهم إلى الاستثمار في أطروحات المفكرين الوطنيّين، المؤمنين بحاكميّة الدستور المدافعين عن تعدّدية المجتمع، والاطلاع على مرئيّاتهم حول كيفية التصدّي للفكر الإقصائي والمفهوم المشوّه للوحدة الوطنيّة.

أدعوهم إلى التمعّن في مقال الكاتب القدير أحمد الصرّاف المعنون «حيرة الشيعة في الكويت»، وتحديداً دعوته الشيعة إلى «الانصهار في المجتمع، ما استطاعوا، من دون أن يفقدوا هويتهم المذهبية، إن شاؤوا».

وأدعوهم إلى تفحّص مقال الإعلامي القدير الدكتور محمد الرميحي المعنون «فخ الحيرة؟»، وتحديداً الفقرة التي جاء فيها: «الموضوع برمته يحتاج إلى نقاش، على رأسه الفصل بين (المذهبي) و(السياسي) فليس المطلوب أن يغير المنتمي إلى الطائفة الشيعية الكريمة المذهب الذي ينتمي إليه، ولا العكس، بل المطلوب فصل السياسة عن المذهب والتعامل بالمنطق العقلاني في دولة مدنية يدين لها الجميع بالولاء، تقوم كل الشرائح فيها بالسعي السلمي لتحقيق الخير العام».

وأدعوهم إلى تبنّي مقترح التربوي القدير الأستاذ المشارك في كلية التربية بجامعة الكويت الدكتور زيد الزيد، باستحداث مقرر إلزامي حول «تعدد الثقافات» يعزز قبول واحترام التنوع الاجتماعي.

وأحذرهم من مغبّة استمرار المعارضة في ترسيخ مفهومها للوحدة الوطنية في المجتمع. ذلك المفهوم القشري للوحدة الوطنية الذي جوهره اقتراحات بقوانين متوافقة مع التشريعات الإقصائية الموروثة. فتلك الوحدة دوافعها ليست وطنيّة، بل سياسية مؤطرة بمصالح أقطاب ونوّاب المعارضة... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي